رحمك الله يا محمد
تبقى الأحداث والقصص مصدرا للعبر والمواعظ، لكل من يتأمل فيها ويتعمق في جنباتها، محمد جمال، كان شابا فتيا يجاهد لكسب رزقه، فهو الأكبر في عائلته، يتيم الأب وبذا أصبح هو المعيل الأول لأسرته.
غادر موطنه لكسب عيشه، وهو في أوائل العشرين من عمره، خاض تجربته الأولى وكاد يفشل، إلا أن السنن الإلهية تقول وتؤكد إن الفشل في تجربة ما، لا يعني الفشل الدائم، فكم من شخص تعثر في المرة الأولى وربما الثانية ولكنه بعد ذلك تفوق ونجح وأبدع، هذا بالضبط ما حصل لمحمد، انتقل إلى موقع آخر واحتضنه مدير قدير فأبدع ونجح، حتى فاق اقرأنه بل ومن سبقه بالكثير من السنين، كان مجدا في عمله، يشرف على العمل بنفسه، رأيته ذات مرة وقد اكتسب السمرة من طول مدة بقائه في الخارج مشرفا على العاملين تحت الشمس، محمد كان على موعد مع حفل زفافه بعد أيام، لكن يد المنون كانت اقرب إليه، كان في سيارته في صبيحة ذلك اليوم متوجها إلى عمله، وإذا بسيارة تأتيه من الاتجاه المعاكس بعد أن تخطت الجزيرة الوسطى وتقابله وجها لوجه، وتلك كانت النهاية، ومعها نهاية أحلامه بالزواج من شريكة حياته، نهاية أحلام أم كانت تمني نفسها برؤيته يُزف إلى عروسه، وهو ابنها البكر، إلى متى نظل نعاني ونعاني من فقد الأحبة والأصدقاء جراء حرب السيارات، أصبح السير في شوارعنا كدخول حرب، لا تضمن العودة إلى منزلك إذا خرجت منه، وإذا لم تخطئ وكنت ملتزما بكل قواعد المرور، فان ذلك لا يعفيك من مصيبة هنا أو هناك، فقد لا يتركك الآخرون وشأنك، وعندها ستبدأ مشوار المطالبة بحقك، وأثناء ذلك كيف ستمضي أيامك وأنت من دون سيارة؟.
أسابيع المرور الخليجية بلغت الرقم 27 ويصادف موعدها هذه الأيام، يا ترى ما تأثيرها؟ ما دورها؟ ماذا فعلت؟ لا نريد التقليل من أي جهد - وبالذات تثقيفي - يُبذل، ولكن من حقنا أن نسأل ونحن نسمع عن الخسائر البشرية الهائلة جراء حوادث السيارات، هل الحوادث في زيادة أم في نقصان؟ وما النسبة، كلها أسئلة مشروعة يجب أن تُطرح، خاصة أن الكلفة المادية والبشرية كبيرة جدا.
يقول العقيد زهير بن عبدالرحمن شرف مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة: إن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية 17 شخصاً يوميا، أي شخص في كل 84 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفا سنويًّا، وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة «2013م»
وأضاف: إن عدد ضحايا حوادث الطرق عام 2011م بلغ أكثر من 7153 شخصا، وهو رقم يفوق عدد ضحايا العنف في العراق للعام نفسه الذي بلغ نحو 4200 شخص، كما أنه أعلى من عدد ضحايا حرب الخليج الذي بلغ 5200 شخص فقط. مؤكداً أنه في ازدياد ومن المتوقع أن يصل عام 2019 إلى 9600 شخص في العام.
إذا.. حوادث المرور في ازدياد وعدد الوفيات في تصاعد، فمتى يتوقف هذا النزيف؟، ومتى نسمع عن العد التنازلي له؟، يظل دائما الأمل موجودا وان غدا لناظره قريب، ورحمك الله يا فقيدنا محمد.