آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

ستكون أطول أهل بيتك عمراً..

كمال أحمد المزعل * صحيفة اليوم

تنقل الكتب حكاية حول أحد الولاة، الذي رأى في منامه رؤيا أزعجته وحيرته، فدعا المفسرين لتفسير تلك الرؤيا، فقال له الأول إن أهل بيتك سيموتون تباعا واحدا بعد الآخر، حتى يصل الأمر إليك فتموت أنت أيضا، فغضب الوالي وأمر بقتل ذلك المفسر. وتمت دعوة مفسر ثان وكان له نفس التفسير وبالتالي كان مصيره نفس المصير، وظل هذا الحال مع أكثر من مفسر ولقي أيضا نفس المصير.

إلى أن جاء مفسر حكيم فقال للوالي، مفسرا للرؤيا، أيها الوالي «ستكون أطول أهل بيتك عمرا» فتهللت أساريره وملأ كيانه فيض من الفرح لا يوصف، بالرغم من أن المفسر الأخير لم يأت بجديد، فهو يقول إن أهل بيت الوالي سيموتون أيضا، إلى أن يصل الأمر إلى الوالي حيث يموت هو الآخر، ولكنه قال التفسير بطريقة مختلفة، اختار كلمات مناسبة، هذا ما ينقص الكثيرين منا، وما ينقص المثقفين وكتاب الرأي والدعاة، بل ينقصنا جميعا كأفراد باعتبارنا آباء أو مدرسين أو غير ذلك.

والتركيز على أصحاب الرأي والمثقفين؛ لتأثيرهم على قطاع واسع من الناس، فالكثيرون تخذلهم اللغة في كسب الآخر، وبالتالي يخسر هو والآخر ويخسر المجتمع بشكل عام، فعندما يناقش البعض قضية ما، أو يطرحها، فهو يريد أن ينطلق من مبدأ إن لم تكن معي فأنت ضدي، بهذه البساطة، وبالتالي فإن هذا الموقف موقف يؤدي إلى الخسارة، ولو على المدى البعيد، والسبب ببساطة هو عدم القدرة على استخدام الكلمات المناسبة، فهو لا شك متمسك برأيه ويعتقد أنه هو الصواب، ولكن من أجل رأيه هو عليه أن يختار عبارات أخرى، تقرب الآخر إلى رأيه.

والخطاب بالدرجة الأولى إلى من يحملون مشروعا أو رأيا أو موقفا، إن من الحكمة عدم التعميم، وبالتالي خسران من لا يتفق معك بالكامل، فقد يكون هناك الكثيرون ممن يقتربون في موقفهم منك، إلا أن صب غضبك على الجميع فيه خطأ كبير، ونلاحظ أن السياسيين عندما يجتمعون عادة، وبالرغم من الخلافات الكثيرة بينهم، إلا أنهم في نهاية مرحلة من اللقاءات يعلنون أنه تم الاتفاق على نقطة أو نقطتين، وهناك نقاط تحتاج إلى المزيد من الوقت لنقاشها، فيخرجون للإعلام بتصريح إيجابي، ليس فيه كذب ولكنه يتحدث عن إنجاز ما تم تحقيقه صغُر أم كبُر، دون أن يخفوا أن هناك نقاط خلاف، إلا أنه يعبر عنها بنقاط تحتاج إلى المزيد من النقاش، ببراعة في استخدام الكلمات.

يجب أن نتعرف على الأمور من وجهة نظر الآخرين ومن موقعهم، وبالتالي نستطيع أن نتفهمهم، ومن ثم نصل إلى الهدف الذي نصبو إليه بقناعة تامة من الطرفين.

متى نصل إلى هذا المستوى من الوعي، في عدم تعميم المواقف، وعدم نشر الكلمات السلبية التي تبعد ولا تقرب، تشق الصف ولا تجمع الكلمة، تنشر الخلافات وتضخمها وتوسعها، بدلا من تحجيمها وتصغيرها ومن ثم محاولة حلحلتها، وفي الغالب يمكن ذلك، ودائما يمكن كسب العديد والعديد من الأصوات للفكرة والرأي المطروح، ولكن باستخدام الحكمة والموقف الايجابي وقبل ذلك وبعده الكلمات المناسبة؛ من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.

سيهات - عضو مجلس بلدي سابق - راعي منتدى سيهات الثقافي