وإن تعفوا وتصفحوا
قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن: آية 14].
ثلاث كلمات أو لنقل أفعال كثيراً ما نستخدمها في حياتنا اليومية ولعلّ البعض لا يدرك الفرق في المعنى ويجعلها على مستوى واحد، غير أنّ لكل منها معنى مختلف.
فالعفو هو إسقاط العقوبة بدون إسقاط الذنب مع إبقاء المؤاخذة عن الذنب، وأمّا الصفح فهو أعلى من العفو والمسامحة إذ أنّه يعني التجاوز عن المذنب تماماً بترك مؤاخذته وعقابه، وأمّا المغفرة فتعني ستر الذنب. كما أنّ كلمة المسامحة تعني إسقاط المؤاخذة واللوم بغض النظر عن إسقاط العقوبة عن الذنب.
مَنْ منّا لا يخطئ ومَنْ منّا لا يذنب؟
كلّنا خطّاؤن وخير الخطّائين التوّابون. نحن بحاجة إلى مَنْ يعفو ويصفح عنّا ويسامحنا ويغفر لنا خطيئاتنا وكما نريد لا بد أن نعفوا ونسامح ونصفح ونغفر خطيئات الآخرين حتى ننعم بالعيش والراحة والسعادة.
هناك الكثير من الخصومات؛ بين الأب وأبنائه وبين الأخوة والأخوات وبين الناس بعضهم بعضا وهذا مما لا شك فيه من الأمور غير الحسنة وغير المحببة وعلينا أن نتجاوزها بغض النظر عن مسبباتها.
الارتقاء بالنفس عن هذه الخصومات يخلق داخل الإنسان الطمأنينة والراحة والسعادة وهذا ما يطمح فيه كل إنسان حتى يصل بنفسه إلى عالم الرضا النفسي والروحي وأكبر دليل على ذلك المشهد العظيم الذي خلّده لنا التاريخ حينما طلب الحر بن يزيد الرياحي العفو والمسامحة والصفح والمغفرة من الإمام الحسين
رغم ما فعل من ذنب عظيم في حق الإمام الحسين وأهل بيته
جميعاً، فقد كان رد الإمام
”إن تبت، تاب الله عليك“، كما يُنقل.
نلحظ أنّ الإمام الحسين لم يتوقف عند ذلك الموقف السلبي الصادر عن الحر، بل تجاوزه وفتح للحر بابًا ليعدل عن موقفه وينتقل من موضع العدو إلى موضع الصاحب والمعين. قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: آية 34].
ليكن حضورك القلبي في مجالس عاشوراء أكبر من حضورك البدني وذلك من خلال تجسيد القيم الأخلاقية الكربلائية التي تعج بها ملحمة الطف الخالدة على سلوكياتك وأن تعمد إلى تطبيق هذه القيم بكل ما تحمل من معانٍ أخلاقية رائعة.
لقد رسمت لنا ملحمة كربلاء خارطة الطريق الذي يوصلنا إلى النجاة وإلى السعادة في الدنيا والآخرة. لنكن من السبّاقين لتفعيل هذه القيم الأخلاقية وأخذ زمام المبادرة في العفو والتسامح والصفح والمغفرة لكل مَنْ أخطأ في حقنا حتى نجعل منه إنساناً آخر يعي كل تلك القيم الأخلاقية فيعمل بها ويتجنب الوقوع في تلك الأخطاء مرة ثانية.