علمني أبي أن أصمت... لكن هذا لا يعني أن أصمت دائمًا
من زمان، علمونا أن الصمت فضيلة، وأن الحكمة في عدم الكلام، لكن الصمت أحيانًا يتحول لسجن خنقنا فيه بأنفاسه، وأحيانًا يصبح ظلماً يقتل حقنا بهدوء.
كم مرة صمتنا عن حقنا في الميراث أو استرداد ديوننا، ليس من حياء، بل خوفًا من ردود الفعل أو المشاكل العائلية؟ السكوت هنا لا يحمينا، بل يسرق منا ما هو حق لنا.
وهناك من تسكت الزوجة عن خيانة زوجها، تتجرع مرارة الألم، لأنها تحبه أو تخاف انهيار حياتها، بينما الرجل يخونها سرا، يخفي فعله ولا يتحمل مسؤولية خطأه، يظلم آخرين يحبهم لكنه لا يلتزم بهم. كل ذلك يحدث في الخفاء، والسكوت يغطي على ذلك، فيتمادى العابثون في ظلمهم دون رادع.
الفتاة التي تخاف أن تعبّر عن رغبتها في الاستقلال، لأن المجتمع قد يفسر ذلك حسدًا أو يأسًا، تُقيد نفسها في صمت قاتل. وهذا الصمت لا يخفف الألم، بل يفاقمه، يزرع أمراضًا نفسية وروحية عميقة.
السكوت على هذه الأمور لا يُوقفها، بل يُشجع الظالمين والمخطئين على التمادي، لأن كل أفعالهم تحدث في الظل، لا في العلن، ولا أحد يردعهم.
علينا أن نتعلم أن زمننا مختلف، وأن التقليد الأعمى لتصرفات آبائنا قد لا يناسب هذا العصر الذي يفرض علينا أن نطالب بحقوقنا، وأن نعبر عن ألمنا وهشاشتنا بصراحة.
الصمت ليس دائمًا فضيلة، والكلام ليس دائمًا ضعفًا. أحيانًا يكون الكلام هو الفعل الوحيد الذي يحمي النفس ويوقف الظلم.
علمني أبي أن أصمت... لكنني أدركت أن الصمت ليس خيارًا دائمًا.