آخر تحديث: 19 / 3 / 2025م - 1:26 ص

التخطيط بين السنن الإلهية والتجربة الإنسانية: خارطة طريق للنادي والجمعية

الشيخ مسلم آل موسى

إنّ من سنن الحياة أنَّ من لا يخطط للمستقبل، فإنه سيجد نفسه عالقًا في متاهة الواقع، يتحرك حيثما تأخذه الرياح، بلا وجهة ولا بوصلة. وهكذا هي المؤسسات، إن لم تكن لها رؤية بعيدة المدى، فإنها ستظلُّ تدور في حلقة مفرغة من التكرار والاجتهادات الشخصية، دون تحقيق تنمية حقيقية. وفي ظل الاستعدادات للانتخابات المقبلة، تفرض علينا المسؤولية أن نقف مع أنفسنا وقفة تأمل، نبحث فيها عن مستقبل نادي السلام وجمعية العوامية، ونفكر كيف يمكن لهاتين المؤسستين أن تخرجا من دائرة العمل التقليدي إلى آفاق أرحب من الاستدامة والتطور.

الرؤية البعيدة المدى: استلهامًا من القرآن والعترة

إننا حين نتأمل في قصة نبي الله يوسف ، نجد فيها نموذجًا راقيًا في التخطيط الاستراتيجي، حيث لم ينتظر أن يحل الجفاف ليتصرف، ولم يعتمد على اللحظة الراهنة في اتخاذ قراراته، بل استشرف المستقبل ووضع خطة لـ 14 عامًا، جعل فيها سنوات الوفرة وسيلة لمواجهة سنوات القحط، وأدار موارد مصر بحكمة جعلتها في موقع القوة، بدلًا من أن تكون ضحية للأزمات. وهذا التخطيط الاستباقي هو ما نحتاجه اليوم في مؤسساتنا الأهلية، فلا يكفي أن نُدير الجمعية والنادي وفق ما يتوفر من إمكانيات آنية، بل لا بد أن تكون لدينا خارطة طريق تمتد لعقود، تضمن استمرار العطاء، دون أن تكون الأزمات المفاجئة عائقًا أمام المسيرة.

أما أمير المؤمنين علي ، فكان واضحًا في التأكيد على أهمية التدبير قبل العمل، حين قال: ”التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم“، فليست العبرة فقط في الإنجاز، بل في التخطيط الذي يسبق الإنجاز، والذي يضمن أن يكون كل جهد مبذول هو خطوة نحو الهدف، لا مجرد تحركات عشوائية.

التخطيط الاستراتيجي والعمل المؤسسي: كيف نرتقي بالنادي والجمعية؟

إنّ أي مؤسسة تسعى للاستدامة يجب أن تبني عملها على أسس واضحة وأهداف بعيدة المدى، فلا يكفي أن تُدار الجمعية والنادي بطريقة ”إطفاء الحرائق“، بحيث ننتقل من مشكلة إلى أخرى، دون رؤية شاملة.

لكن، ورغم أهمية التخطيط، فإن الإدارة الحكيمة لا تقوم فقط على التخطيط البعيد المدى، بل تحتاج أحيانًا إلى القدرة على اتخاذ قرارات سريعة واستثنائية، وهو ما يُعرف في علم الإدارة بـ ”الإدارة في ظل الأزمات“. وهنا، لا يمكن لنا أن نتحدث عن العمل الإداري في جمعية العوامية دون أن نشير إلى التجربة الرائدة للأستاذ جعفر الخباز، الذي أدار ثلاث أزمات كبرى خلال تواجده في إدارة الجمعية، واستطاع بحنكته أن يحول التحديات إلى فرص، والأزمات إلى دروس، وهو نموذج يستحق أن يكون مصدر إلهام للمجالس القادمة.

إنّ من الخطأ الاعتقاد بأن التخطيط وحده كافٍ لإنجاح المؤسسات، لأن الإدارة لا تخلو من المتغيرات التي تحتاج إلى قرارات جريئة وسريعة. ولولا مرونة الأستاذ جعفر الخباز في تعامله مع الأزمات، لكانت النتائج مختلفة تمامًا. فالنجاح المؤسسي يتطلب مزيجًا متوازنًا بين التخطيط الاستراتيجي والتعامل الذكي مع المتغيرات، بحيث لا يكون هناك جمود إداري يحول دون اتخاذ قرارات فورية حين تستدعي الحاجة، ولا يكون هناك ارتجالٌ مُطلق يؤدي إلى التخبط والعشوائية.

ومن جهة أخرى، نجد أن تجربة الأستاذ جعفر الفرج تمثل نموذجًا آخر في الرؤية البعيدة المدى وصناعة الكوادر، فقد كان له الفضل في بناء المبنى الإداري الحالي للنادي، وتأسيس جيل من القادة الذين حملوا الشعلة من بعده، مما يثبت أن الاستثمار في الإنسان هو أعظم.

الانتخابات القادمة: تكليف قبل أن تكون تشريفًا

مع اقتراب الانتخابات، تقع على عاتق الجميع مسؤولية كبرى في اختيار من يمتلك الرؤية، لا من يبحث عن المنصب فقط. فالمجالس القادمة ليست مجرد إدارات إدارية، بل هي قيادات تحمل أمانة تطوير النادي والجمعية، وتحقيق نهضة اجتماعية وتنموية حقيقية. لذا، فإن الناخب حين يختار، لا بد أن يسأل نفسه: هل هذا المرشح يمتلك رؤية واضحة لمستقبل النادي والجمعية؟ هل لديه القدرة على تحقيق الاستدامة؟ هل يستطيع أن يستفيد من تجارب من سبقوه، بدلًا من أن يعيد اختراع العجلة؟

إننا اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة، حيث يتوجب على كل ناخب أن لا ينظر إلى الانتخابات كعملية شكلية، بل كمسؤولية تكليفية تفرض عليه أن يختار من يملك الرؤية والإرادة معًا. وليس المطلوب من المجالس القادمة أن تدير النادي والجمعية فقط، بل المطلوب أن تصنع مستقبلًا، وأن تضع اللبنات الأولى لخطة تمتد لعقدين أو ثلاثة، تضمن أن يكون النادي والجمعية مؤسسات تنموية متطورة، بدلًا من أن تبقى أسيرة العمل التقليدي.

ولن يتحقق ذلك إلا إذا اجتمع في هذه المجالس أصحاب الفكر الاستراتيجي، ممن يؤمنون بالتخطيط والرؤية البعيدة، مع أصحاب الخبرة الميدانية القادرين على التعامل مع الواقع بحكمة ومرونة. كما يجب أن يكون للمجالس القادمة وعيٌ بأهمية البناء على تجارب الإدارات السابقة، وعدم التعامل مع كل دورة انتخابية وكأنها بداية جديدة بالكامل، بل يجب أن تكون هناك استمرارية في الإنجازات، وتعاقب سلس للأفكار، بحيث تستفيد كل إدارة جديدة من خبرات الإدارات السابقة، كما هو الحال في تجربة الأستاذ جعفر الخباز، التي يمكن أن تشكل مرجعًا مهمًا في إدارة الأزمات وتجاوز التحديات.

بين السنن الإلهية والإرادة الإنسانية، وشجاعة الإقدام على التغيير

لقد علمنا القرآن الكريم أن المستقبل ليس لمن يملك القوة فقط، بل لمن يملك الرؤية والتدبير، فمصر لم تنجُ في زمن يوسف بسبب وفرة مواردها، بل بسبب حكمة قائدها. وهكذا هو الحال في كل زمان ومكان، فالنجاح لا يكون بالموارد وحدها، بل بالقدرة على إدارتها وتوجيهها نحو الأهداف الكبرى.

واليوم، نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء نادي السلام وجمعية العوامية وفق منهجية علمية رصينة، تأخذ من السنن الإلهية قوانين التخطيط، ومن التجربة الإنسانية دروس الحكمة والمرونة. فإذا أردنا حقًا أن نصنع مستقبلًا مستدامًا لمؤسساتنا الأهلية، فلا بد أن يكون هناك تخطيط بعيد المدى، وإدارة واعية، ووعي مجتمعي يدعم هذه الرؤية، حتى لا نبقى ندور في دوائر مفرغة، بل نسير بخطى ثابتة نحو بناء مؤسسات رائدة تعكس طموح هذا المجتمع وإرثه الحضاري.

ولكن، لا يمكن أن يتحقق هذا إلا بشجاعة الإقدام على التغيير، وكما قال أمير المؤمنين : ”إذا خفت من أمر فَقَعْ فيه، فإن شدة توقّيه أعظم مما تخاف منه“. إننا لا نخشى التغيير، بل نسعى إليه، ولا نخشى التجديد، بل نؤمن به. ولكننا أيضًا لا نريد أن نكرر أخطاء الماضي، بل نسعى لأن نبني للمستقبل على أسسٍ أكثر صلابة، وأكثر وعيًا، وأكثر قدرة على مواجهة المتغيرات، بما يليق بتاريخ العوامية ومسيرتها التطوعية والاجتماعية.

إذن، ونحن على أعتاب مرحلة جديدة في مسيرة نادي السلام وجمعية العوامية، نجد أنفسنا بحاجة ماسّة إلى الشجاعة التي امتلكها أمير المؤمنين وهو يرسي قواعد العدالة والإدارة الرشيدة، لم يكن عليٌّ حاكمًا تقليديًا، بل كان قائدًا استراتيجيًا صنع رؤية ممتدة عبر الأجيال، رؤية قائمة على التدبير قبل العمل، والاستثمار في الإنسان قبل البنيان.

وها نحن اليوم، ونحن نقترب من ذكرى شهادته ، مدعوون لاستلهام دروسه في بناء المؤسسات، لا مجرد إدارتها، في صناعة المستقبل، لا مجرد العيش في الحاضر. كان ينظر إلى الحكم كأمانة، وليس كتشريف، وكان يقول: ”اللهَ اللهَ في نظمِ أمورِكُم“، فهل نمتلك اليوم هذه الرؤية في إدارة مؤسساتنا؟ هل ندرك أن التخطيط ليس رفاهية، بل واجبٌ لضمان الاستدامة والاستقرار؟

إنَّ مستقبل المؤسسات لا يُصنع بالمجاملات ولا بالتردد، بل بالإقدام المبني على وعيٍ واستشراف، وكما قال في وصاياه الأخيرة: ”كونا للظالم خصمًا وللمظلوم عونًا“، فلنكن اليوم خصمًا لكل فوضى إدارية أو ارتجال عشوائي، ولنكن عونًا لرؤيةٍ واعيةٍ تبني للمستقبل، حتى تكون مؤسساتنا شاهدًا على أننا تعلمنا من أمير المؤمنين فن الإدارة، كما تعلمنا منه فن العدالة والتقوى.

المصادر:

مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 11 - الصفحة 306

وسائل الشيعة «آل البيت» - الحر العاملي - ج 1 - الصفحة 5

نهج البلاغة - خطب الإمام علي - ج 3 - الصفحة 76

بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 42 - الصفحة 256