تبرع بالكتب
سمعنا مرارًا وتكرارًا عن مبادرة بعض المحسنين بالتبرع بتسديد ديون بعض المتسوقين من بقاليات ومحال بيع الأغذية دون علمهم؛ فيطلبون كشف ديون تلك المحال ليسددوا معظم أو جميع الديون التي لا يستطيع أصحابها سدادها، وعن آخرين يدفعون ثمن بعض الأغذية ثم يتركونها في البقاليات ليأخذها من لا يستطيع دفع ثمنها. كما سمعنا عن بعض أصحاب المحال الكبيرة الذين يخصصون رفًّا عامرًا بالمواد الأساسية «كالخبز وغيره» ليأخذها الفقراء دون أن يطلب منهم أحد تسديد قيمتها.
هذا عن المواد الغذائية، وهي مهمة للغاية، لكن ماذا عن تغذية عقول من لا يستطيع دفع ثمن الكتب؟
تتلخص الفكرة في أن يقوم بعض المقتدرين أو المتحمسين لفكرة نشر القراءة إما بشراء مجموعة من الكتب وإهدائها لمن لا يستطيع شراءها، أو دفع جزء من قيمتها للمكتبات بحيث تنخفض القيمة على من يريد الشراء، أو أن يشتروا بعض الكتب ويضعوها في أماكن عامة ليأخذها من يريد. إنها تغذية للفكر مقابل تغذية الجسم المهم أيضًا، يقوم بها من يعتقد أن الصدقة ليست بالمال أو الغذاء البدني فقط بل حتى بالغذاء الفكري.
إن بقاء الكتب على أرفف المكتبات بعد الانتهاء من قراءتها أو انتفاء الحاجة إليها حاضرًا ومستقبلًا هو نوع من إيقاف تدفق العلم ونشر الثقافة في المجتمع. صحيح أنها ملك لمشتريها، لكن بقاءها هناك وتجمع الغبار عليها لا يخدم الهدف من شرائها، ومن الأفضل بيعها كتبًا مستعملة، فحينها تستفيد منها شريحة جديدة من الناس تفضل هذا النوع من الكتب، أو أنها لا تستطيع شراء الكتب الجديدة. هو أيضًا تقدير للشجرة التي استخرج الورق منها، وتقدير لمنتجاتها من الورق، وهو بمنزلة منح حياة جديدة لها حين يقرؤها شخص آخر. وقد تشكل هذه الكتب المهداة انعطافة مهمة في مسيرة شخص ما، حين تتحول من مجرد أوراق مكدسة على الأرفف إلى قيمة إنسانية عالية بترويج المعرفة في المجتمع، ومن مجرد ترف استعراضي إلى ضرورة معرفية للبعض. يقول أولغا توكارتشوك في كتاب رحَّالة: أشتري كتبي في نسخ ذات أغلفة ورقيّة «يقصد رخيصة الثمن»، حتى استطيع تركها دون ندم على رصيف المحطّة، ليأخذها شخصٌ آخر. أنا لا أجمع أي شيء.
ينتاب البعض شعور بالزهو والفخر حينما يمر أمام كتبه التي اشتراها ثم قرأها كإنجاز قام به في فترة من حياته، ولذلك فإنه يحتفظ بهذه الكتب كي يذكر نفسه بين حين وآخر بأنه كان قارئًا عظيمًا يومًا ما، كما يشبع وجودها هناك الحالة التي تسمى نوستالجيا الكتب لدى البعض؛ حين يحن إلى كتب قرأها في ظروف معينة، وهو حين ينظر إليها اليوم بعد سنوات من قراءتها تعود به الذكرى إلى تلك الأيام وما فيها من ذكريات جميلة.
يعتقد البعض أنه إنما يحتفظ بالكتب لعله يقرؤها يومًا أو لعل أحد أقربائه يفعل ذلك مستقبلا، ناسيًا أو متناسيًا أن وجودها لمدد طويلة قد يشكل عبئًا نفسيًّا عليه لعدم قدرته على إتمام القراءة، في حين أنه يستطيع أن يتخلص منها أو يبيعها ويشتري أخرى مناسبة بدلًا منها. كما أن فكرة بقاء الكتب على الأرفف طمعًا في أن يقرأها الجيل التالي في أسرته لا تصمد أمام تبدلات الزمن وأمزجة الأجيال المتتالية التي تتغير بسرعة لا نتصورها.