آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

انتهاك الحقوق.. من التهميش إلى الاستغلال

هاشم الصاخن *

انتهاك حقوق الآخرين؛ موضوع شائك يحمل معاني متعددة، لكن ما سنركِّز عليه هنا هو الانتهاك المعنوي، مع التَّطرق قليلًا إلى الجوانب المادية؛ فالانتهاك يشمل أي تجاوز أو تعدٍّ على حقوق الآخرين، سواء كان ذلك بالسَّلب، أو التَّهميش، أو الإهمال، أو الاستغلال؛ وهو سلوك قد يمارس بوعي أو دون قصد، لكنه في جميع الأحوال يترك أثرًا سلبيًا على الأفراد والمجتمع.

في حياتنا اليومية، قد لا يكون انتهاك الحقوق الأخلاقية واضحًا مثل انتهاك الحقوق القانونية، لكنه يحمل تأثيرًا أعمق في العلاقات الإنسانية؛ فبعض التصرفات التي نمارسها أو نشاهدها دون انتباه قد تكون شكلًا من أشكال السلب، التهميش، الإهمال، الاستغلال، التلاعب أو الابتزاز الفكري، مما يؤدي إلى مشاعر الظلم والخذلان لدى الآخرين؛ والسَّلب لا يقتصر على سرقة المال أو الممتلكات، بل يشمل سلب الفرص والمجهودات؛ كأن ينسب شخص لنفسه فكرة زميله في العمل دون أدنى تقدير، أو يُفرض على شخص مسار حياته دون أن يكون له رأي، كما يحدث عندما يقرر الأب مستقبل ابنه الدراسي وفقًا لرؤيته الخاصة، متجاهلًا طموحاته ورغباته.

أما التَّهميش، فهو صورة أخرى من الانتهاك، حيث يتم استبعاد شخص من القرارات المهمة فقط؛ لأنه الأصغر سنًا أو لأنَّه لا يمتلك نفوذًا اجتماعيًا. وفي بعض البيئات الأسرية، قد يتم تهميش رأي المرأة في القضايا المصيرية رغم أنَّها جزء أساسي منها، أو يتم تجاهل رأي أحد أفراد العائلة بحجة قلَّة خبرته، مما يولّد إحساسًا بعدم القيمة لدى الأفراد.

وفي صورة أخرى، يظهر الإهمال كأحد أكثر أنواع الانتهاك ضررًا، خاصة عندما يكون في العلاقات القريبة؛ فالزوج الذي يتجاهل احتياجات زوجته العاطفية بحجة الانشغال، أو الأب الذي لا يستمع لمشاكل أبنائه ولا يوليهم الاهتمام الكافي، يخلق فجوة نفسية يصعب ردمها. بل وحتى في الصداقات، حين يُترك أحدهم يواجه أزماته وحده بعد سنوات من الدعم المتبادل، يكون ذلك ضربًا من الإهمال العاطفي الذي قد يؤدي إلى تدهور الثقة بين الأفراد.

أمَّا الاستغلال، فهو الصورة الأكثر أنانية في انتهاك الحقوق الأخلاقية، حيث يتم استغلال طيبة الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية؛ كالشخص الذي يستغل كرم صديقه باستمرار دون تقديم أي تقدير مقابل، أو الذي يوهم شريكه العاطفي بالاهتمام رغم عدم جديته، فيتركه في حالة من الخذلان بعدما يحصل على ما يريد.

وإذا كان الاستغلال ماديًا أو عاطفيًا، فإنَّ التلاعب والابتزاز الفكري يمثلان شكلًا أكثر خطورة من انتهاك الحقوق الأخلاقية؛ ويحدث ذلك عندما يستخدم أحدهم نفوذه العقلي أو العاطفي لإقناع الآخرين بأفكار أو قرارات تصب في مصلحته، دون أن يكون للطرف الآخر حرية الاختيار الحقيقي؛ كالمعلم الذي يفرض آراءه الشخصية على طلابه دون السماح بالنقاش، أو الصديق الذي يحاول إقناع رفيقه بالتخلي عن قناعاته من خلال الضغط النفسي المستمر. وأمَّا الابتزاز الفكري، فيظهر عندما يُستخدم الشعور بالذنب أو التهديد العاطفي لإجبار شخص ما على اتخاذ قرار لا يرغب به، مثل إجبار أحد أفراد العائلة على تنفيذ طلبات غير منطقية بحجَّة ”الواجب العائلي“، أو الضغط على شخص لاتخاذ موقف معين بحجة الحفاظ على العلاقة أو الصداقة.

على الرغم من عدم وجود ردع واضح لهذه الممارسات، إلا أن آثارها السلبية لا يمكن إنكارها، فهي تترك أثرًا نفسيًا عميقًا، وتؤدي إلى اهتزاز العلاقات وتراجع الثقة بين الأفراد. كما أن الحفاظ على الحقوق الأخلاقية لا يقل أهمية عن الالتزام بالقوانين، بل إنه كثيرًا ما يكون الفارق بين مجتمع متماسك وآخر يعاني من التفكك والخذلان.

لقد أصبح الانتهاك القانوني في العلاقات بين الناس أكثر شيوعًا، خاصة فيما يتعلق بالسلب المادي والتعدي على الحقوق؛ فمن الأمثلة المنتشرة الاستيلاء على الأراضي والممتلكات دون وجه حق، كأن يستغل شخص ثغرات قانونية للاستحواذ على أرض ليست ملكه أو يماطل في إعادة حق شخص آخر. كما يظهر الاحتيال في التعاملات العقارية، مثل بيع عقار لشخصين في نفس الوقت أو تأجير منزل دون توضيح مشاكله القانونية، وكذلك في تجارة السيارات، حيث يتم استغلال الثغرات لتحقيق مكاسب غير مشروعة. أما بين الجيران، فقد يتعدى البعض على الممتلكات المجاورة ببناء أو توسعة غير قانونية، متجاهلين حقوق الآخرين. ولا يقتصر الأمر على الحقوق المادية، بل يشمل الإساءة اللفظية والتنمر، حيث يلجأ بعض الأفراد إلى التشهير بجيرانهم أو مهاجمتهم لفظيًا في خلافات بسيطة، مما يؤدي أحيانًا إلى مشكلات قانونية. وهذه السلوكيات لم تعد مجرد خلافات اجتماعية، بل أصبحت مخالفات يعاقب عليها القانون لحماية الحقوق وحفظ التوازن في المجتمع.

في النهاية يمكن القول: إنَّ هذا الموضوع ذو شجون وأهمية بالغة، حيث يرتبط بحياتنا اليومية وتأثيره يتجاوز الأفراد ليصل إلى المجتمع ككل؛ فاحترام الحقوق، سواء الأخلاقية أو القانونية، هو أساس العلاقات الإنسانية السليمة، وانتهاكها يولد مشاعر الظلم والتفكك الاجتماعي. ومع تنوع صور الانتهاكات، من السلب والتهميش إلى الاستغلال والتلاعب، يصبح من الضروري تعزيز الوعي بهذه السلوكيات وآثارها السلبية. ولا شك أن مقالًا واحدًا لا يكفي لتغطية جميع جوانب هذا الموضوع، لكنه يسلط الضوء على أهم التحديات التي تواجهنا، ويؤكد على ضرورة التزامنا بقيم العدل والاحترام لضمان حياة اجتماعية أكثر توازنًا وإنصافًا.

سيهات