آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 12:26 م

أهمية العناية بالنوم في شهر رمضان المبارك

غسان علي بوخمسين

شهر رمضان المبارك هو شهر العبادة من صيام وقيام وهو أيضاً شهر اجتماعي تكثر فيه الأنشطة الاجتماعية، وهذا يكون على حساب النوم للأسف من ناحية المدة والكيفية.

لذلك فشهر رمضان، فترة تتطلب منا الاهتمام بهذا الجانب وان نوليه عناية خاصة. النوم الجيد ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة لضمان أداء الجسم والعقل بشكل سليم، خاصة في ظل التغيرات التي تطرأ على الروتين اليومي خلال الصيام.

النوم هو عملية بيولوجية يمارسها أكثر الكائنات الحية، من ذبابة الفاكهة إلى الحيتان، وهو يندرج ضمن العمليات الحياتية الضرورية خلال اليوم، مثل تناول الطعام والإخراج وغيرها من العمليات الضرورية للحفاظ على صحة جيدة بعيدة عن الامراض بل وحياة مديدة بإذن الله.

النوم ليس مجرد حالة من الخمول وضياع الوقت كما يتوهم البعض، بل هو نظام حيوي معقد يُجسِّد ”أعجوبة تطورية“ لا غنى عنها لبقاء الإنسان.

الإنسان البالغ يحتاج إلى 7-9 ساعات يوميًّا، لكن ثلث البشر لا يحصلون على هذا القدر. لذلك؛ ”كل ساعة تنقص عن الحد الأدنى تنقص العمر وتدمر الصحة“. للأسف قلة النوم أصبحت من سمات العصر الحديث، نتيجة لإيقاع الحياة العصرية السريع والمتواصل، وزاد الأمر سوء هيمنة الأجهزة الذكيّة ووسائل التواصل الاجتماعي، التي فرضت عليه وجوب الاتصال المستمر بها بلا انقطاع، مما أثر سلباً على صحته النفسية والجسدية ونومه كماً وكيفاً.

ثمة مخاطر عديدة من قلة النوع وضعف جودته منها:

1- تراكم بروتين أميلويد بيتا المسبب لمرض ألزهايمر.

2- انخفاض قدرة الدماغ على التعلم بنسبة 40%، وفق تجارب على طلاب محرومين من النوم.

3- ارتفاع خطر السرطان «خاصةً سرطان الثدي والأمعاء» بسبب تعطيل النوم لإفراز هرمون الميلاتونين المضاد للأورام.

4 - زيادة احتمالات السمنة والسكري نتيجة اضطراب هرمونات الجوع «الجرلين واللبتين».

5 - تدهور المناعة: فالنوم أقل من 7 ساعات يجعلك أكثر عُرضة للإنفلونزا بـ 3 أضعاف.

ولا تقتصر المخاطر على الأفراد؛ فالمجتمعات التي تنام أقل، تُسجِّل معدلات أعلى من الحوادث المرورية «20% من الحوادث في العالم سببها النعاس»، والكوارث الصناعية مثل انفجار تشيرنوبيل، الذي يُعتقد أن الحرمان من النوم ساهم فيه.

قلة النوم وضعف جودته أصبحت أزمة عالمية، من أسباب ذلك:

1- الثقافة الحديثة:

التي تَعتبر النوم علامةً على الكسل.

2- الضوء الاصطناعي:

يُعطِّل إيقاع الساعة البيولوجية، عبر خداع الدماغ بأن الوقت مازال في النهار.

3- العمل الليلي والمناوبات:

تُربك إفراز الهرمونات وتزيد خطر الوفاة المبكرة.

4- الهواتف الذكية:

الضوء الأزرق من الشاشات يُقلل إفراز الميلاتونين بنسبة 50%.

5- الضغوط الاجتماعية:

حيث يُضحي البالغون والأطفال بساعات النوم لمواكبة العمل أو الدراسة، مثلًا: 75% من المراهقين الأمريكيين ينامون أقل من 8 ساعات بسبب متطلبات الدراسة.

هذه بعض الحلول العملية لنوم أفضل:

1- التزم بجدول نوم ثابت:

حتى في العطلات، لتثبيت الإيقاع اليومي.

2- اجعل غرفتك مظلمة وباردة:

درجة الحرارة المثلى للنوم هي 18°م.

3- تجنب الكافيين بعد الظهر: يستغرق 8 ساعات ليختفي من الجسم.

4- ابتعد عن الشاشات قبل النوم بساعتين:

استبدلها بالقراءة أو التأمل.

5- لا تُجبر نفسك على النوم:

إذا لم تنم خلال 20 دقيقة، انهض وافعل شيئًا مملًّا.

كشف العلماء أنه خلال النوم، يكون الدماغ مشغولاً بإجراء عمليات الصيانة. ويعمل النظام الغليمفاوي - وهو النظام الخاص بالدماغ للتخلص من المخلفات - على إزالة السائل الدماغي الشوكي الزائد الذي يحتوي على البروتينات الضارة قبل أن تتراكم ببطء في الدماغ. وقد وجد الباحثون أن تراكم هذه البروتينات يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالأمراض مثل مرض آلزهايمر. في ورقة بحثية جديدة نشرتها مجلة ”سل“ «Cell» في 8 يناير/كانون الثاني، تحدث الباحثون عن اقترابهم من اكتشاف كيفية تحديد النظام الوقت المناسب لبدء العمل، حيث يتولى الناقل العصبي في الدماغ، الذي يحمل اسم ”نورإبينفرين“ «norepinephrine»، دور ”المفتاح“ الذي ينشط عمل النظام. يحاول الباحثون شرح عملية حيوية مهمة جداً يقوم بها الجسم خلال النوم، وهي عملية تنظيف وتنقية الجهاز العصبي المركزي، من السموم والمواد الضارة خلال النوم، وهي عملية كانت معروفة سابقاً، ولكن لم تُعرف تفاصيلها الجزيئية الدقيقة.

ما لفتني كصيدلي ممارس في هذا البحث، هو كشف الدراسة، عن تأثير سلبي لأحد الأدوية المنومة الشائعة zolpidem في عملية التنقية والتنظيف للجهاز العصبي، وهذا يضيف سبباً جديداً للتحذير من استعمال هذه الأدوية لمدة طويلة، حتى لو كان لدواعي طبية وتحت اشراف طبي، ومما يستوجب التنبيه عليه، هو الزيادة المفرطة والشائعة بين الكثيرينفي السنوات الأخيرة، في استهلاك الأدوية المساعدة على النوم غير الخاضعة للرقابة من قطاع واسع من الناس، مثل أدوية الحساسية ومرخيات العضلات والأدوية النفسية والأعشاب، وهي أدوية لها أعراضها الجانبية العديدة، ومن الخطأ الجسيم الاعتماد عليها، في سبيل الحصول على نوم ولو بجودة رديئة، بل أن الأمر يتعدى ذلك، في أن هذه الأدوية قد تتداخل مع العمليات الحيوية الضرورية التي تجري خلال النوم، مما يزيد من خطورة هذه الممارسة على المدى الطويل، لذلك لابد من الحذر والانتباه من هذه الممارسة الضارة بالصحة.

وأخيراً أختم بمقولة جميلة وقديمة «من زان نومه زان يومه»