أيهما أفضل… المؤسسية أم الفردية؟
تظل المبادرات المجتمعية بشقيها الفردي والجماعي هي من أفضل ما يُبقي روح الفرد حية وقّادة، تصقل الضمير المجتمعي، وتجعله أكثر حيوية وأكثر عطاء. أن حجم وعدد وتأثير المبادرات الاجتماعية هي من عناصر التميز التي تميز مجتمعاً عن غيره، فالمبادرات المجتمعية بطبيعتها تنتج مبادرات أخرى أكثر نضجاً وأعمق إبداعاً، فتجعل المجتمع وفي مضمار للعمل الاجتماعي.
على المستوى الثقافي أعجبتني مبادرة“أكثر كتاب أث?ر عليك في 2024 م”وهي مبادرة وليدة بدأت عام 2023 م للكاتب والإعلامي والمدون أحمد رضي من البحرين، هي على بساطتها، إلا أنها من المبادرات الخلاقة، التي جمعت عناصر النجاح المطلوبة لأي مبادرة فردية.
فهي مبادرة سنوية تستهدف اكتشاف ونشر التجارب الملهمة للقراء الذين يتم اختيارهم لتسجيل تجاربهم وانطباعاتهم بأنفسهم عن كتاب كان له تأثير عليهم خلال العام الماضي. المنتج النهائي لهذه المبادرة السنوية عبارة عن تسجيل مرئي لعدد من القراء الذين اختارهم وهم يقدمون مادة تعريفية موجزة عن الكتاب الذي كان له تأثير عليهم بعد قراءته.
المبادرة الأخرى وهي أدبية هي مبادرة فتاة النرد لمهندسة معمارية مغتربة من فلسطين مرام عايش، وهي تحمل درجة الماجستير في العلوم الإنسانية وهي شاعرة ومهتمة باللغة العربية.
مبادرتها التي لاقت اهتماماً إعلاميًا قائمة على تلقي المشاركات الشعرية للمتصلين بها عبر برامج التواصل، وبدورها تقوم بتسجيل وبث هذه المشاركة والإشادة بالمشاركات المميزة، كما تقًوم ما يحتاج لتقويم عبر لفت انتباه المتصل بنقاط الضعف وتوجيهه بمقترحات لتحسين مشاركاته الشعرية القادمة.
اكتسبت هذه المبادرة شهرة واسعة في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما حدا ببعض القنوات التلفزيونية استضافتها للتعريف بهذه المبادرة والتعرف على صاحب المبادرة عن قرب.
هذه نماذج من المبادرات التي تهتم بالشأن الثقافي، وتستهدف الجميع ليس فئة محددة، وقد بدأنا نرى مبادرات أخرى تقتفي أثر مثل هذه المبادرات.
مثل هذه المبادرات الفردية الرشيقة في الأسلوب وغير المتكلفة والبعيدة عن أي تعقيدات أو إجراءات تؤثر سلبا على المحتوى، وهي غير قائمة على تشجيع أو دعم مؤسسات أو غير غيرها، هي التي تضمن استمرار أثرها وتشعب عطاءها. أن هذه المبادرات تثبت بالتجربة أنه يمكن تقديم مبادرات فردية ذات محتوى خلاق وثري ومبدع بدون الدخول في زحمة من البيروقراطيات أو الاعتماد على دعم من هنا أو هناك.
ومن الجانب الآخر لا يمكن التقليل من أثر المبادرات المؤسسية التي تحتاج إلى فريق أو أكثر، وإلى دعم وتنسيق من مختلف الجهات، فكلاهما حاجة مجتمعية يكمل أحدهما الآخر، وبالتالي فإن مساحة المبادرات المجتمعية هي مساحة واسعة تسع مختلف النماذج والأساليب، وليست محصورة أو مختزلة في إطار محدد.