آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 1:45 م

دوام الحال

ورد عن الإمام علي: من وثق بالزمان صُرع» «أمالي الصدوق ص 532».

الحياة لا تسير بوتيرة واحدة مما يسر القلب ويريح النفس ويورث هدوء البال والراحة النفسية، بل جبلها الله عز وجل على طبيعة التغير والتقلب والتفاوت بين الأوقات والظروف، والإنسان العاقل لا يسير عكس عقارب الساعة فيبتغي أن تسير أيامه وفق آماله وطموحاته، بل هو من يتكيف مع الواقع ويرسم خطاه بثبات وبصيرة ويتحرك وفق المقتضيات والإمكانيات، وأما من وضع ثقته التامة بالعامل الزمني وأراد تكبيله عن التغيرات فهو واهم، بل وستلحقه الخيبة والخسارة وتتالى عليه الصدمات من واقع لا يفهمه ولا يريد أن يدرك حقيقته فيتعامل وفق تلك المعطيات، ومن لم يدرك حقيقة الزمان وتموجاته سيصاب بالصدمات المتتالية مع كل محطة اختبار وتحديات، فإن دوام الحال من المحال - كما يقال - فلا ثبات واستقرار لوضع معين، فالتغيرات طبيعة الحياة ومتى ما تصالح الفرد مع نفسه وتمسك بمبدأ التكيف مع الأوضاع والتعامل معها بحسب قدراته والإمكانيات المتاحة له، استطاع أن يمتلك زمام الأمور باتجاه النجاة من عواصف الزمن، فالموقف وإن كانت تسير مجرياته بحسب رغبته فهذا لا يعني استمراره على ذلك، إذ يتغير الموقف بشكل مفاجيء إلى وضع صعب لا يرغب فيه وعليه التعامل معه بحسب الواقع لا الأماني.

مبدأ الثقة بالنفس وبما نشرع فيه من مشاريع وتخطيط ومواقف لابد أن يكون في نطاق المعقولية ولا يتخطاه إلى السقوف العالية، فالثقة الزائدة قد توقعنا في مطب أو صدمة تغير المشهد وتقلب الأمور رأسا على عقب، والعاقل من تعامل مع الواقع بحسب معطياته ومجرياته لحظة بلحظة دون أن يثق بدوام الحال، فليكن عنده استعداد وتخطيط لكل الاحتمال في دائرة الأسوأ والأفضل، فالوعي بحقيقة التغيرات والمفاجآت يعطيه سمة القوة في التعامل مع المحطات الصعبة، والحذر من العثرات والعراقيل يقيه من الصدمة بحدوث إحداها، فيتعامل بكل مرونة مع الواقع مهما كانت ظروف دون أن يصاب بالإحباط، فتغير الأحوال واتجاهها نحو الأسوأ لن يفيد في التعامل معه إلا من خلال التأقلم مع الصعوبات والآلام والتعايش مع الظروف الصعبة.

الحياة مراحل ومحطات متعددة والنجاح في إحداها وتحقيق الأهداف لا ينسحب ذلك عليها جميعا، بل قد تأتي من الظروف ما يعكر المزاج ويصيب الرأس بالصداع بسبب الاتجاه العكسي لما يريده، والأمر لا يقتصر على جانب معين بل يشمل كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها، ومتى ما تعامل الفرد مع الأمور بواقعية وافتراض الاحتمالات المتعددة لمسارها واتجاهاتها، كان ذلك كفيلا بتمسكه بضبط النفس والاتزان الفكري والانفعالي والعمل وفق ما تقتضيه المرحلة وأبعادها، وأما الواثق في زمانه ثقة مطلقة وزائدة فيسقط أرضا أمام أول صدمة زمنية ويفقد معها اقتداره، وتلحقه الهزيمة النفسية والشعور بالإخفاق والضعف أمام الظروف الصعبة التي يواجهها، فالمبالغة في التوقعات توقع الفرد في ارتباك وضعف وتشتت قد يتحول إلى انهزام نفسي، فالحكمة والعقلانية تدعو للتعامل مع الحاضر والفرص المتاحة فيه بواقعية بعيدا عن التفاؤل المفرط.