آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

إطلالة على المعجم الإثنوغرافي للمصطلحات الدارجة

المستخدمة في البيئة العمرانية التقليدية في محافظة الأحساء

الشيخ حبيب آل جميع *

عرض وقراءة: حبيب آل جميع

اسم الكاتب: د. سعيد بن عبد الله الوائل

اسم الكتاب: المعجم الإثنوغرافي للمصطلحات الدارجة

الناشر: دارة الملك عبد العزيز - الرياض - المملكة العربية السعودية

سنة النشر: ط 1 1446 هـ - 2024 م

عدد الصفحات: 572

صفحة، قياس ”20×28 سم“

اللهجة في الاصطلاح العلمي الحديث هي مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات، لكل منها خصائصها؛ ولكنها تشترك جميعاً في مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض، وفهم ما قد يدور بينهم من حديث، فهماً يتوقف على قدر الرابطة التي تربط بين هذه اللهجات [1] .

تأخذ المعاجم والدراسات اللغوية في عالمنا المعاصر أهمية بالغة؛ فهي الخزائن اللغوية التي تحفظ كنوز اللغة، وهي المرجع الأول لطلاب العلم وعامة الناس حيث يستوعبون معها هذه الكنوز ويقفون عند معانيها. وتختلف المعاجم اللغوية وكتب المعاني من حيث هدفها أو الأسلوب المتبع فيها لترتيب المصطلح، والمؤلف في دراسته هذه إزاء مصفوفة متكاملة من المصطلحات التي كانت دارجة في البيئة العمرانية في الأحساء، شرقي المملكة العربية السعودية.

حيث يشرح في هذا الكتاب التسميات الدارجة في البيئة العمرانية في محافظة الأحساء، والتي تتعلق بالأبنية وأنواعها بين بيوت وقلاع وحصون ومساجد والأدوات المستخدمة في بنيانها، وعناصرها الزخرفية وأثاثها، والمهن المتعلقة بها، ووحدات القياس ووسائل الإضاءة، ومصادر المياه ومجاريها، والمزارع والبساتين، والمساجد والطرق والأحياء، وقد تضمن الكتاب صوراً ورسوماً توضيحية لمعظم تلك المصطلحات، وجاء مرتباً ألفبائيًّا، ويذكر الأصول اللغوية لتلك المصطلحات ويشرح معانيها، ويعدد بعض الأمثلة الموضحة لتلك المعاني.

وقد رأت أهمية نشر هذا المجمع دارة الملك عبد العزيز انطلاقاً من رسالتها في العناية بتاريخ المملكة العربية السعودية والمحافظة على تراثها وما يتضمنه ذلك الإرث الحضاري من مصطلحات وتسميات تحتاج إلى العناية والاهتمام بها، لتسجيلها وحصرها ودراستها، وبيان أصولها وتوثيقها.

أهمية المصطلح:

اللغة ظاهرة اجتماعية، بل هي أكبر الظواهر الاجتماعية، وثمرة من ثمرات المجتمع التي تتخذها وسيلة للإفصاح والإبانة والفهم والتعبير، وهي التي تذخر في كلماتها أخلاق أهلها وعاداتهم ونشاطهم الأدبي والفكري وآثار الحياة العامة وحياة الدور والمنازل [2] ، ويشير الباحثون عادة إلى اللغة وتطورها على مرور الزمن، بأنها كائن حي، يخضع للتطور والتغير من جيل إلى آخر، فاللغة دائمة التطور مهما أحيطت بسياج من الحرص عليها، والمحافظة على خصائصها [3] . وتندرج أهمية المصطلح ضمن سياقها التاريخي والبحث عن تواتره وأصوله أهمية بالغة في التواصل التاريخي الحضاري بين مختلف الشعوب والأجيال، ولقد كان وقوفنا على هذه المصطلحات والمفردات المستخدمة إدراكاً لأهميتها، وهو ما استوجب الكثير من الجهد والبحث في الوصول لأصل المفردة ودلالاتها ومعانيها.

وأفراد المجتمع يتوارثون لغتهم جيلاً عن جيل عن طريق التعلم والمحاكاة، وتختلف الألسن باختلاف الشعوب والثقافات. ويتعلم الإنسان لغته كما يتعلم عناصر الثقافة الأخرى. غير أن اللغة تختلف عن غيرها من عناصر الثقافة؛ إذ بدونها لا يمكن أن تتحقق الثقافة أصلاً. فاللغة هي الوعاء الذي يحمل الثقافة والوسيلة التي تنقلها عبر الأجيال [4] .

دخلت دراسة اللهجات ”اللكنة Accent“ مرحلة علمية متقدمة، كأحد العلوم الهامة التي تصدى لها علماء اللغة والمفكرون ومنحوها دلالات أكثر من كونها كلمة ومعناها، فاللهجة ذات بعد اجتماعي ومعرفي، ودالة من دلالات جغرافية الزمان والمكان؛ لذا كانت اللهجات هي المنطلق الأول في المنهج الإثنوغرافي، اعتمد فيها الباحث الأنثروبولوجي على فهم المجتمع محل الدراسة.

المنهج الإثنوغرافي:

ترتبط علوم اللغة واللهجات بعلم الإثنوغرافيا، التي من إحدى وظائفها دراسة لغة ولهجة المجتمع موضع الدراسة، حيث تهتم الإثنوغرافيا بالدراسة ”الوصفية“ لأسلوب الحياة ومجموعة التقاليد، والعادات والقيم والأدوات والفنون، والمأثورات الشعبية لدى جماعة معينة، أو مجتمع معين، خلال فترة زمنية محددة.

ويتحدد مفهوم الإثنوغرافيا بأنه الوصف الدقيق والمترابط لثقافات الجماعات الإنسانية، والمنهج الإثنوغرافي يركز على الدراسة الميدانية العلمية للظواهر الاجتماعية يقوم فيها الباحث الأنثروبولوجي باتصال مباشر بالمجتمع المراد دراسته.

وقد بنى الباحث دراسته هذه معتمداً على أهم الأساليب الإثنوغرافية، لكون الباحث من نفس المجتمع موضع الدارسة، ما أتاح له فرصة كبيرة وطويلة المدى لوضع الخطط والبرامج في مجال الجمع الميداني والرصد والتحليل، كان أهمها إجراء المقابلات المستمرة مع أصحاب العلاقة أو الحرفيين، حيث تخلل تلك اللقاءات عرض نماذج وصور للطرز والأنماط العمرانية، والوقوف المباشر في مواقع العمل، ومتابعة التطورات المستمرة خلال ما يربو على ثلاثين سنة، إذ يعد ذلك من أهم الأساليب في البحث الإثنوغرافي، حيث يمثل أسلوب الملاحظة جانباً هاماً في الدراسة الإثنوغرافية.

إن المادة الإثنوجرافية تؤكد على وجود طاقات وقوى أخرى غير منظورة كامنة ليس فقط في الكون بل أيضاً في المجتمع وفي الإنسان أو الشخص، لقد تحولت الاتجاهات الحديثة في الأنثروبولوجيا من مجرد الاهتمام ببناء نظرية عامة عن الثقافة، والتي كانت تعتمد على مناهج شتى مختلفة تتدرج بين الوظيفة التجريبية إلى البنيوية التجريدية، إلى الاهتمام بالعمل الإثنوغرافي أو الكتابة الإثنوغرافية المكثفة والنظر إلى الثقافة أو المجتمع على أنه نص ”Text“ يمكن قراءته وتأويله؛ إذ لا ينحصر مفهوم الثقافة على أنها مجرد التصورات والأفكار والجوانب المعرفية في عقول الأفراد، بل تتصف بأنها عامة وخارجية وتخضع للدراسة العلمية. فالثقافة تكون متضمنة ويعبر عنها في رموز عامة، وهذه الرموز العامة تشير ليس فقط إلى الجوانب السلوكية والمعرفية ”من أفكار وتصورات ورؤى للعالم“، بل تشير أيضاً، وفي وحدة واحدة، إلى الجوانب المعيارية والقيمية والوجدانية [5] .

إن الاستخدام المجازي للثقافة على أنها نص حولت الإثنوغرافيا من مجرد تجربة ميدانية تقليدية تعتمد على جمع المادة الإثنوغرافية إلى كونها نتاجا مكتوباً للدراسة الميدانية، بمعنى أن الأنشطة الاجتماعية والثقافية يمكن أن تقرأ لمعانيها من خلال الملاحظة الإثنوغرافية. باختصار شديد فإن المنهج الإثنوغرافي المكثف يسعى إلى استنتاج وجهة نظر وآراء أو رؤى المواطنين أو الأفراد موضع الدراسة، مع توضيح كيفية تأثير الأبنية الثقافية المختلفة على الفعل الاجتماعي. ذلك أن ما يواجه الإثنوغرافي ليس مجرد ظواهر متفرقة، بل عدد كبيرٌ من الأبنية التصويرية المعقدة المتداخلة فيما بينها والتي تتطلب نوعاً خاصاً من الوصف الإثنوغرافي المكثف [6] .

ينظر إلى اللهجة المحلية في كثير من الأحيان على أن مفرداتها والمصطلحات المستخدمة فيها غريبة ودخيلة، وهذا أمر غير صحيح ويحتاج إلى دراسة وتدقيق قبل إصدار الأحكام، وقد كانت دراسات اللهجات المحلية والاطلاع على خصائصها وأسرارها فيما مضى ينظر إليها على أنها معول لهدم وتقويض قواعد الفصحى ودعائمها المتينة، ولكن بعد أن وعى الباحثون وعرفوا قيمة هذه الدراسات، آمنوا بأهميتها في الوصول إلى فهم ما استغلق من أسرار وخفايا عديدة في الفصحى [7] .

لننظر - مثلاً - إلى بعض المفردات التي ينظر إليها اليوم على أنها غريبة؛ حيث استطاع الكثير من الباحثين تحقيق أصولها ومصادرها وإرجاعها إلى أصلها في اللغة العربية الأم، فاللغة العربية ومفرداتها غنية جداً بالألفاظ والمعاني والمرادفات التي تتصف بالدقة، والتعبير عن المعنى المراد بحرفية بشكل دلالي تصل بالمستمع إلى فهم المقصود مباشرة.

ويرتبط علم التطور الدلالي باللغة، التي هي وسيلة للتواصل. وقد تبلور مصطلح الدلالة في صورته الفرنسية Semantike لدى اللغوي الفرنسي ”بريال“ في أواخر القرن التاسع عشر 1883 م، ليعبر عن فرع من فروع علم اللغة هو ”علم الدلالات“ ليقابل ”علم الصوتيات“ الذي يعنى بدراسة الأصوات اللغوية. وينبه دارسون دلاليون محدثون إلى ضرورة تحديد المصطلح وتأطيره بالدلالة اللغوية؛ ذلك أن الدلالة دخلت مجالات عديدة فيها عموم، قد يجعل ذلك الباحثين يحملونها إلى اللغة، وهي ألصق بعلم الرموز Semiologie [8] .

إن تطور الدلالة أو تغير معاني الكلمات، ظاهرة شائعة في جميع اللغات، أكدها الدارسون لمراحل نمو اللغة، وأطوارها التاريخية، فاللغة ليست هامدة، أو ساكنة بحال من الأحوال، على الرغم من أن تقدمها قد يبدو بطيئاً في بعض الأحيان. وقد أثبت اللغويون المحدثون، أن اللغة في تطورها الدلالي - كتطورها الصوتي مثلاً - تسير وفق اتجاهات عامة، وفي نماذج رئيسة تمكن الدارسون من تحديد معالمها والتعرف على خطوطها.

ومما لا جدال فيه أن هذا التطور الدلالي قد وقع في اللغة العربية قديماً وحديثاً، كما وقع في غيرها من اللغات، فمعاني الألفاظ التي كانت مستخدمة في العصر الجاهلي لم تبق جامدة بعد الإسلام، بل لحقها تغير قليل أو كثير، وهو ما حدث في العصور التالية نتيجة لتطور المجتمعات، والحاجة إلى التجديد، وإضفاء معان جديدة على كلمات قديمة وفاء بحاجات الحياة المتطورة [9] .

وفي لهجة الأحساء العامية العديد من الأمثلة على هذه الظاهرة، وفي المصطلحات العمرانية على وجه الخصوص، مثل كلمة خوخة التي تعني ثمرة الخوخ المعروفة لكنها في المصطلح العمراني تعني الباب الصغير الموجود في الباب الكبير. ومثال آخر على ذلك كلمة منزل التي لها عدة دلالات، فهي إضافة لدلالتها على البيت أو المسكن، فإنها تعني غرفة. وكذلك كلمة فِرش بكسر الفاء أو ضمها جمع فراش، وهي تعني عند البنائين حجارة كبيرة منتظمة الأبعاد كما سوف نرى في التعريف بهذه المصطلحات.

الألفاظ الفارسية المعربة:

كان لسكنى الكثيرين من الفرس في بعض مناطق الجزيرة العربية أثر في نشر ألفاظهم، التي أخذت عنهم، ولا شك أنهم كانوا يتكلمون الفارسية وهم يسكنون بين العرب. يقول الجاحظ: ألا ترى أن أهل المدينة لما نزل فيهم ناس من الفرس في قديم الدهر علقوا بألفاظ من ألفاظهم، ولذلك يسمون البطيخ الخِربز، ويسمون السميط الرزدق، ويسمون المصوص المزور [10] . ويجب أن لا ننسى أن هذا التعايش بين العرب والفرس قد اتسع وزاد بعد الفتوح، فأقام العرب في بلاد فارسية، وأثروا فيها وتأثروا بها. كما أن الكثيرات من الفارسيات كن يأتين إلى البلاد العربية عن طريق السبي، أو الزواج، وهذا التزاوج بين العرب والفرس عرف في العصر الجاهلي أيضاً [11] .

يستدل على أعجمية بعض الكلمات من اجتماع حروف لم تجتمع في كلمة عربية البتة، مثل اجتماع الجيم والقاف والصاد والجيم، مثل كلمة الجص - الصنجة - الصولجان [12] ، إذ يستدل على أعجمية كلمة الجص من خلال عدم اجتماع الجيم والصاد، كذلك مصطلح ”الكندوج“، فهي أعجمية؛ لأن الكاف والجيم لا يجتمعان في كلمة عربية [13] ، كذلك ”الآجُر“ هي أعجمية إذ ليس في العربية فاعُل بضم العين [14] .

فالجوهري في الصحاح يقول: تعريب الاسم الأعجمي: أن تتفّوه به العرب على منهاجها تقول: ”عَرّبْتُه وأعْرَبْتُه“ [15] .

ويرى الجواليقي أن اللغات التي جاءت منها معظم الكلمات الدخيلة هي: الفارسية واليونانية واللاتينية والسريانية والعبرية والحبشية [16] ، وقد دخلت في اللغة العربية في العصر العباسي عشرات من الكلمات اليونانية عن طريق ترجمة الكتب في الطب والفلك والفلسفة، كالقولنج والقيفال والإطريفل والسقمونيا والبلغم والاسطرلاب والفلسفة، وهذه الكلمات من اللغة اليونانية الكلاسيكية المدونة في الكتب وليس من لغة التخاطب [17] .

اللهجات العامية:

اللهجة في الاصطلاح العلمي الحديث - كما ذكر المؤلف - هي مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، والكثير من لهجات العوام مستمد من الفصحى، والصلة بينهما لا تختلف عن صلة الفرع بالأصل، فهي تستمد معظم مفرداتها من اللغة الأم، وتراعي في تراكيبها وأحكامها ما تبنى عليه الفصحى، ولقد استقصى علماء العربية لهجاتها جميعاً، فما وجدوا بينها خلافاً إلا ما يسمونه ”تلتلة بهراء“ و”كشكشة ربيعة أو أسد“، و”طمطانية حمير“ و”كسكسة هوازن“ و”شنشنة اليمن“ [18] .

عندما نزل القرآن الكريم بلغة قريش التي هي أفصح لغات العرب كلها، كانت هناك عدة لهجات في سائر أنحاء الجزيرة العربية، مخالفة بعض المخالفة للغة قريش ومنها لهجة أهالي نجد، فقد كانت للقبائل النجدية لهجات خاصة بها، وإن كان بعدها لا يصل إلى البعد الذي يفصل بين بعض اللهجات العربية في المغرب وكذلك اللهجات العربية الأخرى في المشرق في الوقت الحاضر [19] ، ولو تتبعنا الكثير من الكلمات العامية في الأحساء لوجدنا لها أصول من اللغة العربية أو مما ورد في القرآن الكريم، وهو ما حاولنا تأصيله وإثباته من خلال هذا البحث.

في هذا الوقت الذي زادت فيه دخول ألفاظ غريبة وغير محلية، وتم فيها الخلط بين ما هو محلي وغير محلي، ولم تعد للألفاظ العامية التي كانت مستخدمة تلك القيمة والأهمية؛ أصبح لزاماً على المهتمين بالشأن الثقافي والتراثي من عمل موسوعي يهتم برصد المصطلح التراثي والعمراني على وجه الخصوص، فلدراسة المصطلح أهمية كبيرة في تأصيل كلمات اللغة وأساليب صوغها ومدى تطورها الدلالي [20] .

اللهجة الخليجية:

أخذت اللهجات المحلية في الوطن العربي حيزاً من الاهتمام والعناية من قبل بعض الباحثين واللغويين والمهتمين بهذا الجانب، من الكتاب العرب والرحالة والمستشرقين الأجانب، ومن ضمنها اللهجات المحلية في منطقة الخليج، منها دراسة عبدالعزيز مطر ”الأصالة العربية في لهجات الخليج“. وهي جهود تؤصل لجوانب هامة للهجة الخليجية التي فقدنا الكثير من مفرداتها نتيجة عوامل التطور الاجتماعي، والثورة الصناعية والاقتصادية.

تشترك لهجات الخليج في كثير من الظواهر، مع ما تنفرد به كل منطقة من الخصائص، فصلات الجوار والقربى كانت كفيلة بذلك التقارب، ولعل الصيغ متساوية في دلالتها التاريخية بالنسبة لكل اللهجات؛ لكن العوامل المؤثرة في تطور اللهجات مختلفة بوضوح في كل لهجة. فاللهجة الكويتية متأُثرة بالعراقية، والبحرينية متأثرة بالسكان الأصليين السابقين العنزيين، ولهجات الساحل المتصالح متأثرة بالعمانية وربما بالحضرمية، ولهجة قطر متأثرة باللهجات العنزية الموجودة في داخلها [21] .

وهنالك اختلاط ملحوظ، فاللهجات الساحلية تحتوي على اصطلاحات بحرية تجارية متطورة وعدد كبير من المفردات المعجمية المقترضة من البرتغالية والفارسية والأردية وأخيراً الإنجليزية [22] .

ويشير ”ت. م. جونسون“ إلى أن اللهجات الساحلية من الكويت إلى خورفكان لها من الخصائص المشتركة فيما بينها أكثر مما بينها من الاختلافات، ويمكن أن تتميز بوضوح كمجموعة تختلف عن لهجة عمان وجنوب غرب الجزيرة ووسط نجد والعراق والصحراء السورية [23] .

ما من شك في تقارب لهجة أهل الأحساء بلهجات الخليج، لكن اللهجة الأحسائية من أكثر اللهجات في الخليج التي ظلت محافظة على أصالتها وجذورها العربية، فلم يمكن هناك خلط كثير من جنسيات وعربية وأجنبية، فقد حدث في فترات تاريخية هجرات وتنقلات عربية وأجنبية في مناطق خليجية مثل الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، وهو ما أشار له ”ت. م. جونسون“ بقوله: ”كما أن الوضع اللغوي في دبي أكثر تعقيداً فهنالك عنصر أجنبي كبير بين السكان، من فرس وبلوش، وهنود وآخرون، ومن الممكن في السابق أن تسير خلال السوق ولا تسمع أية لغة عربية إلا بالكاد، واللغة العربية لها تأثير ملحوظ جداً في كلام المتعلمين“ [24] .

إن من الظواهر الهامة التي أثرت في لهجة الخليج ظاهرة ثنائية اللغة عن بعض الخليجين ”monolingual“، حيث كان البعض يتحدث بلهجة أخرى غير لهجته الخليجية، كذلك الوافدون يتحدثون مع بعضهم بلغتهم ثم ينتقلون للغة العربية في حالة وجود شخص عربي، رغم وجود الكثير من السكان العرب من يبادر الأجنبي بالتحدث معه بلغته لتأكيد معرفته بها،

فقد أوجد الاختلاط بين السكان الأصليين والقادمين من المهاجرين والأيدي العاملة إلى انتقال بعض المصطلحات والمفردات في لهجات أجنبية لأهل الخليج وإجادتهم لها، ومنها انتقلت بعض المصطلحات في الحياة العامة والأدوات.

اللهجة الأحسائية:

يمثل الرصيد اللغوي من اللهجة الأحسائية جانباً مهماً وثرياً من المخزون الثقافي والحضاري للمنطقة، وتدل الكثير من الكلمات القديمة وبعض الألفاظ المحلية التي لا زالت مستخدمة على عراقة لغة أهل الأحساء العامية ومنبعها وأصولها في اللغة العربية الفصحى، ويمكن تأكيد ذلك من خلال الوقوف على اللهجة الأحسائية تاريخياً، هذا بالإضافة إلى تحليل ما ورد في كتب المؤرخين واللغويين العرب، فقد أورد الأزهري الذي عاش في الأحساء أسيراً خلال حكم الدولة القرمطية في القرن الرابع الهجري، في كتابه ”التهذيب“ الذي أصبح من أهم المراجع العربية في اللغة؛ أورد فيه الكثير من المفردات الهجرية التي كان يسميها أو يقول عنها سمعتها من الهجريين مثل قوله: ”والشَّريع من اللِّيف: ما اشتدَّ شوكُه وصَلَح لغِلظه أن يُخرَز به، سمعتُ ذلك من الهَجَريِّين“ [25] . وهو ما يمكننا من تأصيل المفردة الأحسائية، وتتبع أصولها ومنابعها ضمن سياقها التاريخي وارتباطها باللغة العربية، ومتابعة ما لحقها من بعض التغيرات في الحروف مثل ظاهرة قلب الحرف، أو تلك التغيرات التي لحقت بتصريف المفردة اللغوية ونحو ذلك.

في العصر الحديث نجد بعض الملاحظات اللغوية في لهجة الأحساء المدونة في كتابات الرحالة الأجانب خلال تجوالهم في مدن وقرى الأحساء، ومحاولاتهم لوصف أو كتابة اللهجة التي كانوا يسمعونها من السكان، بين المصداقية في التدوين، وبين الخطأ أحياناً في كتابة المفردة، وهي كثيرة، كما عند بلجريف: ”النعاثار“ أي حي النعاثل، و”الرفيعة“ أي حي الرفعة. أو أخطاء المترجمين خصوصاً إذا كان المترجم من خارج المنطقة، مثل ترجمة ”عين الحارة“ وهي من أشهر عيون الأحساء في مدينة المبرز إلى ”السخنة“ حسب فهم المترجم من جمهورية مصر العربية [26] ، لكن معظم تلك الكتابات لا ترقى لعمل متكامل عن اللهجة الأحسائية، فقد وجدت لهجات بعض مناطق الجزيرة العربية عناية أكبر، خاصة لهجات جنوب الجزيرة العربية، مثل المستشرق النمساوي رودوكاناكس Nikolaus Rhodokannkis ”1945-1876 م“، والمستشرق السويدي كارلو لاندبرج Carlo Landberg 1924-1848 الذي كان مهتماً بلهجة حضرموت وجنوب الجزيرة العربية.

على الرغم من أنه قد كتب الكثير عن تاريخ شرق الجزيرة العربية وسياساتها، إلا أن ما نشر عن الجانب اللغوي فيها قليل نسبياً. ومعظم ما نشر عن لهجات شرقي الجزيرة العربية هو عبارة عن كتب مدرسية أو دليل أعد بواسطة شركات الزيت لاستعمال موظفيها؛ فقد نشرت شركة نفط الكويت دليل: A handbook of Kuwaiti Arabic عام 1951 م، كذلك نشرت شركة أرامكو بعض الأدلة والمطبوعات المشابهة، إضافة لهذه الكتب:

”Spoken Arabic“ Dhahran, 1957 ”Basic Arabic and Conversational Arabic“ Beirut, n.d. وفي الحقل المعجمي أصدرت شركة أرامكو كتابها:

”English Arabic Word list“ Beirut 1958

ولكن هذا المعجم - فيما عدا بعض المواد - ألف باللغة العربية العامة. وأكثر منه فائدة الكتاب الذي طبع حديثاً للشيخ جلال الحنفي بعنوان معجم الألفاظ الكويتية، ”بغداد 1964 م“ وهو يسجل ألفاظاً ليست موجودة في العربية العامة [27] .

والغريب أن الكتاب الذي اهتم بلهجات شرقي الجزيرة العربية ”دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية“ للكاتب ”ت. م. جونسون“، لم يتعرض فيه للهجة أهل الأحساء، على الرغم من أن عنوان الكتاب يشملها، واعترف الكاتب في ثنايا بحثه بأنه لم يبحث في لهجة الأحساء، إذ نجده يقول: ”إن المادة المقدمة في صفحات الكتاب هي نتيجة لبحثي الميداني في الكويت والبحرين وقطر، ومشيخات الساحل المعاهد خلال الفترة سنة 1958 - إلى أكتوبر سنة 1909 م“ [28] .

يذكر الباحث الأمريكي ”ف. ش. فيدال“ حول بعض المصطلحات الزراعية: ”وعلاوة على كثرة أسماء الأماكن والأساطير المرتبطة بالماء والبساتين، فقد طور سكان الأحساء مفردات خاصة ليست مشتقة دائماً من اللغة العربية الفصحى يطلقونها على أنواع متعددة من أعمال الزراعة وأدواتها“ [29] .

ويرى الرحالة الإنجليزي ويليام جيفورد بالغريف ”William Gifford Palgrave“ الذي زار الجزيرة العربية حسب قوله: ”إن لغة التخاطب العادية في الأحساء، هي دون اللغة السائدة في الأراضي العليا الداخلية من حيث الغزارة، والنقاء والمرونة. واللهجة السائدة على هذا الساحل الشرقي، لا هي باللهجة الإسماعيلية السائدة في نجد، أو اللهجة القحطانية السائدة في عمان، وإنما هي خليط من اللهجتين، الأمر الذي يضر بهذه وتلك، زد على ذلك أن الأذن المدربة تستطيع أن تميز في هذه اللجة شيئًا طفيفاً من الامتزاج الفارسي، ذلك العنصر الفاحش من عناصر الكلام في الأفواه العربية، والذي يتجلى بشكل واضح في كل من القطيف والبحرين. وعلى كل حال فإن انحطاط لغة الأحساء يعوضه تفوقها من ناحية الفكر، كما تفوق أهل الهفوف على أهل الرياض وأهل حائل في ذلك؛ الذي يمكن أن نسميه الحديث المنطقي وكذلك التفكير المرتب. وإذا كان اتصال أهل الأحساء بالأجانب قد تلف قدرتهم النحوية، إلا أنه ارتقى بفكرهم، وربما كانت دقتهم هذه شيْ فطري وراثي فيهم“ [30] .

ملاحظات على بعض المصطلحات:

1- المتغيرات في لهجة الأحساء:

من الظواهر اللغوية الحديثة التي دخلت على اللهجة العامية في الأحساء، مفردات جديدة لم تكن متداولة، وأغلبها يختص بالمستحدثات العصرية من مكائن وآلات وأدوات وأجهزة مستوردة، حيث وفدت تلك الأدوات مع مفرداتها، ولحق بتلك المفردات شيْ من التعديل كي تتناسب مع سياق اللهجة العامية وتصبح سهلة النطق، مثل كلمة ”ليت“ بمعنى الإضاءة الصناعية من light في الإنجليزية. كما وجدت في المجتمع طبقة اجتماعية جديدة تتنظم بدوام يومي محدد وراتب محدد وتحتك بجنسيات أجنبية وعربية، ودخلت في قاموسها مصطلحات جديدة وكلمات لم تكن معروفة مرتبطة بالوقت والعمل والسلوك مثل كلمة ”التيم“ أي الوقت من Time في الإنجليزية.

هناك بعض الكلمات الدخيلة التي دخلت مع دخول فعل مستحدث، فيكون دخول الكلمة بدخول الفعل، مثل كلمة كَوّكْ، ويكوك أي يقوم بتعبئة الساعة، فهذه الكلمة دخلت من بعض اللغات مع دخول الساعة التي يتم تكويكها، ثم انتقل المصطلح للأفعال التي تتطلب نفس الفعل حتى وإن لم تكن ساعة، مثل ”فر“ أو تدوير الآلة، حتى وصلت إلى وصف الإنسان المشحون بفكرة معينة بأنه مكوك، وكوكه أي ملأ رأسه بهذا الحديث، كما أن بعض المصطلحات انتهت بنهاية الفعل أو العمل المرتبط به، مثل الكثير من مصطلحات البناء التقليدي.

يمكن الحديث عن التحولات لبعض الألفاظ من كونه يستخدم لشيْ، ثم تحول لشيْ آخر، أو تطور اللفظ مع الزمن كاقتباس نفس المعنى للفظ المستورد مثل ”طربال“، بما أنه أغلب ما يغطى به سقف أو شيْ مرتفع، لذا استعير من طربال التي هي في اللغة البناء المرتفع كالصومعة [31] .

من الأمور التي تسترعي الاهتمام في لهجة الأحساء، هي اللهجة المحكية عند أهل الحرف والصنايع، وهو موضوع مستقل لوحده يحتاج لبحث خاص، لثرائه بالألفاظ والمفردات والمعاني، ونكاد نجزم بأن هناك مصطلحات ومفردات يختص بها أهل كل حرفة، مثل اللهجة المحكية عند الصاغة، والمفردات التي يستخدمها النجارون، وكذلك مخايطة البشوت، وعند البنائين أيضاً مصطلحات تختص بالأعمال التي يقومون بها.

وأكثر الأسباب التي أدت إلى اختفاء وتلاشي تلك المفردات هو تغير أنماط البناء، وتغير أدواته وأساليبه، فلم يعد هناك ”روازن“ ولا ”رواشن“ في الجدار، ولا ”جنادل“ في السقف، ولا ”وجاغ“ في المجلس، كما أن بعض المفردات المحلية أصبحت قديمة ومتخلفة حسب وجهة نظر البعض، ولا تواكب لغة التخاطب العصرية، مثل البناء الذي يهدم ليقام مكانه بناء جديد.

2- الفروق بين لهجات أهل الأحساء:

سوف نجد من خلال الكتاب بعض الكلمات المختلفة بين المجتمع المدني والمجتمع القروي، وهذا ناتج بطبيعة الحال من تعدد الثقافات في مجتمع الأحساء ومنابعه الفكرية والتاريخية.

يمكن الجزم بالتنوع الكبير للهجات المحلية في الأحساء بين لهجة أهل القرى وسكان المدن ولهجة أهل البادية، فهي ظاهرة واضحة في المجتمعات العريقة، حيث تنحدر بعض اللهجات والمصطلحات ممن سبقهم من السكان الذين عاشوا على هذه الأرض، لكن قلة الدراسات حول هذا الموضوع يجعل من الصعب الجزم ببعض الآراء، والوصول لأصول بعض المفردات، وقد وصل التعدد والتنوع لدرجة، وجود سمات لغوية وصوتية خاصة في نطاق سكاني ضيق، كقرية من بين بقية القرى، أو حتى عند بعض العوائل من بين كافة أفراد المجتمع المحيط بها.

ويمكن التمييز بسهولة في لهجات أهل الأحساء، بين المدينة والقرية وأهل البادية، فلهجة أهل القرى تتميز باختلاف مخارج الحروف وطريقة نطقها وتشكيل الكلمات تختلف بشكل واضح، فكلمة ”عِنْدِنا“ على سبيل المثال، يتم نطقها في القرى ”عِنِدْنا“ بكسر أوله وثانيه، كما في بلدة القارة، بينما هي لهجة أهل المدن تنطق بسكون النون ”عِنْدِنا“، كما ينطق حرف الكاف في بعض القرى كما هو في اللغة العربية مثل قولهم ”الحكي حكينا“ بينما في الهفوف والمبرز تنطق الكاف مثل الكاف الأعجمية ”الحگي حگينا“، كذلك تتميز لهجة سكان المناطق الصحراوية في بادية الأحساء بما يميزها عن المدينة والقرية.

وقد حاول الباحث الدكتور الوائل في هذا المعجم رصد أكبر ما يمكن من الكلمات المستخدمة في العمارة المحلية والعمل على سهولة الوصول للكلمة وفهم معناها وطريقة لفظها إضافة للصورة والمخطط التي تغني أحيانا أو تختصر الكثير مما يمكن كتابته. قد توجد بعض الكلمات التي لا ترتبط بشكل مباشر بالبناء والعمارة لكنها ذات علاقة بالبيئة العمرانية أو أنها مشابهة لمصطلح من نفس الحروف، لكن بلفظ وتشكيل مختلف وتحتاج لتوضيح خصوصاً لمن هم ليسوا من المنطقة، مثل كلمة ”هَدْم“ بمعنى إزالة المبنى، و”هِدِم“ جمع بشت وهو الرداء الرجالي.

3- الاقتباس من اللهجات الأخرى:

قد يتنامى إلى فكر البعض من أن ظاهرة وجود كلمات دخيلة على اللهجة الأصلية هي من أسباب ضعف اللهجة وقلة أهميتها، وهو نفس السبب الذي ذهب إليه البعض حين رمى العمارة المحلية بعدم الأصالة بتأثرها بأنماط عمرانية مجاورة، وهي آراء عقيمة ومحدودة الرؤى، فاللغة والفنون إنما تتطور وتزدهر في ظل الاختلاط بالآخر وعمق الصلة والتواصل، وهل هناك لهجة أو فن نشأ وتطور بمعزل عن ما يحيط به!.

فاللهجة المحلية لغة حية وذات تفاعل متنام مع من حولها، فمن الطبيعي أن تحدث تفاعلات واقتباسات تؤدي إلى ثراء هذه اللهجة، فالأحساء كانت تعيش حالة حضارية وحراك ثقافياً واجتماعياً متواصلاً مع محيطها أخذت منه وأعطته.

إن الكثير من المفردات التي يشار إليها اليوم بأنها إنجليزية، هي في الأصل ليست كذلك، فقد أخذ الإنجليز الكثير من الكلمات والمفردات من الشعوب التي استعمروها، وأضافوها إلى لغتهم، لكن باعتبار اللغة الإنجليزية اليوم من أكثر لغات العالم انتشاراً، أصبح يشار لتلك المفردات بأنها إنجليزية، وهذا يحدث في كثير من لغات العالم وليس العربية فقط، لذا من الخطأ أن ننسب الكلمة للإنجليزية فقط لكونها موجودة في ذلك القاموس، فمن الواضح أن اللغة الإنجليزية أخذت الكثير من العبارات والمصطلحات من مختلف اللغات العربية والهندية والأوروبية عبر مراحل تطورها، إذ من المعروف أن اللغة الإنجليزية مرت بمراحل تطور معروفة على مر تاريخها.

4- الدقة في مصطلحات وألفاظ اللهجة الأحسائية:

يظهر في مصطلحات وألفاظ اللهجة الأحسائية العامية بشكل عام والمصطلحات العمرانية بشكل خاص، الدقة في وصف الأماكن والأشياء والظواهر المختلفة، فعلى سبيل المثال: كانت توجد مزارع صغيرة محدودة الزراعة ملحقة ببعض المساجد داخل النطاق العمراني، وكانت معروفة باسم بستان ولا يقال لها نخل، وعندما نرجع للغة نجد أن البستان معناه جنينة فيها نخل متفرقة يمكن الزراعة بينها، وإلا كانت حديقة أو نخلاً أي كثير النخيل والأشجار [32] .

الجغرافيا والمكان

تختلف لهجة أهل الأحساء في مدنها وقراها بشكل لا يقبل النقاش عن أهل البادية على الرغم قربهم الجغرافي نسبياً، ومنشأ هذه الظاهرة حسب رأي علماء اللغة يعود إلى مؤثرات عدة منها: تأثير البيئة الجغرافية على اللغة، واختلاف أعضاء النطق، والحالة النفسية. وتعد ظاهرة اختلاف النطق في بعض الكلمات بين أفراد المجتمع بين مدينة وأخرى، أو بين المدينة والقرية ظاهرة طبيعة، فعلى سبيل المثال بركة الماء تنطق في مدينة الهفوف بكسر الباء، بينما تنطق في مدينة المبرز بفتحها.

وقد ترتبط اللهجة والصوت فيها بطبيعة المجتمع وأسلوب معيشته، حيث توصف لهجة أهل الأحساء بأنها ”لهجة غنج“ لما فيها من تروِ ومد ومط وسحب للحروف والكلمات، وهي ظاهرة صوتية معروفة تميزت بها العديد من اللهجات، وبالأخص المجتمعات الأكثر استقراراً مثل المجتمعات الزراعية.

ويذهب بعض اللغويين لتأييد هذا الرأي وهو تأثير الطبيعة الجغرافية لبيئة اللغة في نوع التطور الذي قد يصيب اللغة، وعلى رأس هؤلاء ”H.collitz“، فقد عزا تطور الأصوات الشديدة في اللغة الألمانية إلى نظائرها الرخوة، للطبيعة الجغرافية في بعض جهات ألمانيا، وقد أشار في مقالاته إلى أن البيئة الجبلية تتطلب نشاطاً كبيراً في عملية التنفس، ويتبع هذا الميل بالأصوات من الشدة إلى الرخاوة [33] ، ويعزو بعض العلماء الأصوات من شدة إلى رخاوة، أو العكس إلى الحالة النفسية التي يكون عليها الشعب، فالشعب حين يميل إلى الدعة والاستقرار، تميل أصوات لغته إلى الانتقال من الشدة إلى الرخاوة. فإذا اعتز الشعب بقوته وجبروته مال إلى العكس [34] .

اللفظ بين المفهوم والتحديد الواضح:

وعند التوقف عند ظاهرة المفهوم في تناول المصطلح أو اللفظ نجد أن بعض المصطلحات لا يمكن تحديدها بشكل واضح أو منحها معنى واحداً، وهي المصطلحات التي ترتبط بمفهوم معين، مثل كلمة ”أقاسي“، فهي تعني السياج الخشبي الذي تخترقه أسياخ الحديد، فهي قد تكون ”إرسي“، أو سياج محدد لسور خارجي، أي بحسب المكان الذي توضع فيه.

وفي الرموز المستوحاة من الطبيعة والإنسان، يمكن أن نجد بعض المصطلحات المستخدمة في العمارة التقليدية التي ترتبط بمفهوم يقترب من أشياء في الطبيعة كالأشجار والثمار أو أعضاء جسم الإنسان، مثل مفردة ”راس“ وهو الشيء العالي الذي يحتل القمة أو البداية، مثل رأس الإنسان، والخشم الذي يتوسط الباب، مثلما يتوسط الخشم الوجه البشري، وغيرها من المفردات التي سوف يتعرض لها الكاتب في سياق البحث.

كذلك في المسميات التي تطلق على الوحدات والزخارف الجصية والخشبية، هناك تماهِِ واضح بين الاسم ودلالته ومفهومه، مثل زخرفة ”الشجري“، إلى حد كبير يندرج مفهوم أو مسمى هذه الزخرفة ”شجري“ الذي يعتمد في تكوينه على امتداد لعناصر زخرفية تتفرع في عدة اتجاهات، على التفرع والامتداد، أكثر من كونه عنصراً محدداً بذاته، لقربه من فكرة الشجرة وليس شكلها [35] ..

بعض الظواهر في لهجة الأحساء:

تميل معظم اللهجات إلى سهولة اللفظ مع ما يتناسب من التكوين البيولوجي والجسمي لمخارج الحروف، الأمر الذي يفسر العديد من الظواهر اللغوية في اللهجات العربية، وهو ما يهتم علم ”Dialectology“ بدارسته من خلال المتغيرات الصّوتيّة والتّركيبيّة والدّلاليّة في حدود نطاقها الجغرافي، فهناك الكثير من الظواهر في لهجة الأحساء مما يصعب حصره، فنحن هنا إزاء تخصيص الحديث عن مصطلحات البيئة العمرانية، مع ما نحاول إجماله من التعرض لبعض الظواهر.

إن لهجة الأحسائيين، على مر العصور لم تكن لهجة جامدة، بل كانت لهجة حية ومتطورة نتيجة لعدة عوامل، وليست لهجة الأحساء غريبة عن معظم الظواهر التي عرفت في اللغة العربية ولهجاتها، وسوف نرى أن أكثر تلك الظواهر والخصائص موجودة ومعروفة في اللغة العربية ولهجاتها، مع تميز لهجة الأحساء بحكم الجغرافيا والتاريخ والاحتكاك، وقد عرفت في لهجة الأحساء الكثير من الظواهر اللغوية التي كانت سائدة في معظم الأقطار العربية مثل ظاهرة الإبدال وقلب بعض الحروف والكشكشة والتصغير.

ظاهرة الإبدال في اللغة:

الإبدال هو إقامة حرف مكان حرف آخر قد يقاربه مخرجاً، وربما لا يقاربه، وقد عد علماء اللغة الإبدال في العربية الفصيحة سنة من سننها، فابن فارس يقول: ”من سنن العرب إبدال الحروف، وإقامة بعضها مقام بعض“ [36] ، والإبدال الصوتي عند العامة يرجع معظمه إلى أصول فصيحة في اللغة التي تتكلم بها العرب، وسرى ذلك في لهجات العامة، وتتبدل بعض الحروف سعياً وراء ما يخف نطقه على اللسان، تخلصاً من الكلفة والغموض، ومعظم الحروف التي تطاوع الإبدال هي الحروف المتقاربة في المخارج، سواء في الألفاظ العربية أو الألفاظ الأعجمية [37] . ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة في اللهجة الأحسائية مثل إبدال السين إلى صاد في كلمة صكة التي أصلها سكة.

ونرى أن العامة تميل إلى أن تلفظ السين صاداً، إذا وقعت قبل هذه الحروف في كلامها، فتحول الصراط والصطر والصحوة والصبخة، وكل ذلك بالسين لا بالصاد، وسر ذلك يرجع إلى أن اللسان ينحدر من الأعلى في الصوت إلى ما هو دونه، لكي يتخلص من الكلفة والمجهود الذي يبذله في نطق الصوت الشديد إلى ما هو أخف منه، وفي هذا يقول البطليوسي: ”إنما قلبوها صاداً مع هذه الحروف، لأنها حروف مستعلية، والسين حرف مستسفل، فثقل عليهم الاستعلاء لم يكره وقوع السين بعده، لأنه كانحدار من العلو، وذلك خفيف لا كلفة فيه، من هنا فإن ظاهرة الإبدال الصوتي يرجع معظمه إلى أصول فصيحة في اللغة التي تتكلم بها العرب، وسرى ذلك في لهجات العامة“ [38] .

إبدال الحروف والكلمات:

قال الجواليقي: ”الإبدال لازم لئلا يدخل العرب في كلامهم ما ليس من حروفهم، وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب، وهذا التغيير يكون بإبدال حرف من حرف، أو زيادة حرف أو نقصان حرف، أو إبدال حركة بحركة أو إسكان متحرك أو تحريك ساكن“ [39] .

في لهجة الأحساء يظهر إبدال بعض الحروف، كإبدال الغين بالقاف، مثل ”وجاغ“ إلى ”وجاق“، وإبدال القاف بالجيم، مثل ”قليل“ إلى ”جليل“، ”العقير“ إلى ”العجير“، و”الجيم“ إلى ياء مثل ”مسجد“ إلى ”مسيَد“.

إن نطق الجيم ياء ظاهرة صوتية تشترك فيها لهجات سواحل جنوب الجزيرة العربية مع لهجات شرقي الجزيرة العربية، وهذه الياء المنقلبة عن الجيم يمكن أن تظهر عند الاتصال بأي من أصوات اللين الأمامية أو الخلفية. وهي تظهر أيضاً في لهجات سرحان، والسكان المستقرين في الجوف، وفي بعض لهجات وادي الفرات الأدنى والبصرة وفي اللهجة العربية للأهواز [40] .

وهنا أيضاً حرف الجيم الأعجمية، مثل ”جابي“ كالمنشار والسكين والمقص الذي لا يقص بشكل جيد، كذلك حرف الكاف الأعجمية، مثل سمك ”سمگ“.

الهمزة:

من الخصائص اللغوية المعروفة في لهجة الأحسائيين قلب الهمزة الساكنة إلى صوت لين من جنس حركة ما قبلها مثل كلمة بئر إلى بير، رأس إلى راس، رئيس إلى ريس، كذلك اسم بعض الأماكن مثل ”يبرين“ التي تنطق في العربية إبرين وقلبت الهمزة ياء، ومعناها رمل لا تدرك أطرافه [41] ، كذلك قصر الممدود في آخر الكلمة المهموزة نحو ”الهوا والعشا والسما“، وهو ما نجده كذلك في لهجة أهل نجد، من حذف الهمزة من أواخر الكلمات المهموزة مع المد مثل السما والما ”الماء“، الجوا الجواء [42] .

والهمزة من أكثر الحروف في اللغة العربية ولهجاتها في حركتها وقلبها، وهو لتسهيل الهمزة مثل قوله تعالى ﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاه [43] ، أصلها أرجئه بمعنى أخّره. من يرجع إلى اللهجات العربية في العصور الإسلامية، يرى أنها مالت إلى تخفيف الهمزة والفرار من نطقها محققّة، لما يحتاج إليه في تحقيقها من جهد عضلي، وتكاد تجمع الروايات على أن التزام الهمز وتحقيقه من خصائص قبيلة تميم، في حين أن القرشيين يتخلصون منها بحذفها أو تسهيلها، أو قلبها إلى حرف مد، على أنه قد روي أيضاً أن بعضاً من تميم يقلبون الهمزة الساكنة إلى صوت لين من جنس حركة ما قبلها فيقولون ”راس - بير - لوم“ في مكان رأس وبئر ولؤم [44] .

وقد مالت كل اللهجات السامية الحديثة إلى التخلص من الهمزة في النطق، فليس غريباً أن يتخلص منها أيضا الحجازيون، وبعض التميميين [45] .

حرف القاف:

تقلب القاف إلى جيم أحياناً مثل ”قِدر“ إلى ”جِدر“ و”مقسوم“ تصبح ”مجسوم“، وفي أحيان أخرى تقلب القاف إلى ما يشبه نطق الجيم القاهرية، مثل ”قيمر“ فلا يقال جيمر، أو كلمة ”قبر“ فلا يقال ”جبر“، كذلك ”رقيات“.

ولا يمكن أن نعلل ما نراه في لهجتنا الحديثة من نطق القاف جيماً بأنه محض صدفة، بل هو دليل قاطع على أن هناك بعض القبائل العربية نطقت القاف نطقاً قرآنياً، ونطقها البعض الآخر جيماً شديدة، فأهل الصعيد في مصر وسكان الخميسات في المغرب، وسكان وسط العراق، كل هؤلاء يشاركون إخوانهم عرب السعودية في نطق القاف جيماً [46] .

تغيير الحروف والحركات:

وفي ظاهرة تغيير الحروف والحركات نجد الباء الأعجمية ويرمز لها في الكتابة الصوتية الدولية بحرف p, وتكتب في الفارسية الباء بثلاث نقاط، وهي من الناحية الصوتية الباء المهموسة، سماها ابن دريد الحرف الذي بين الباء والفاء، وسماها غيره الباء المشبعة [47] .

أما الجيم الأعجمية، فهي توجد بالفارسية وتكتب جيماً بثلاث نقط وهي من الناحية الصوتية الجيم المهموسة، تبدل منها الصاد في الغالب كما في صاروج - جاروك بالفهلوية [48] .

ظاهرة التصغير:

في لهجة الأحساء التصغير للكلمة غالباً مبعثه أمران: الأول من أجل تصغير الشيْ كونه صغيراً، والأمر الآخر من أجل التحلي والاستمتاع والتندر بذكر الشيء، والأمثلة كثيرة مثل كلمة بيت تصغر إلى ”بويت“، وحجرة إلى ”حجيرة“، وغرفة إلى ”غريفة“، ودهريز إلى ”دهيريز“، وسكة إلى ”سكيجة“ ودروازة إلى ”دريويزة“، وفي المأكولات تفاحة إلى ”تفيفيحة“، وتمرة إلى ”تميرة“، وسمكة إلى ”سميكة“.

والتصغير معروف في العربية، وأوزانه لا تغيب عن أي دارس، وهي تصغير الثلاثي والرباعي والخماسي، فيصغر الثلاثي بتحويله إلى فعيل، فنهر يصغر إلى نهير، وقفل إلى قفيل، ويصغر الرباعي بتحويله إلى فعيل، فيصغر مبرد إلى مبيرد، وبلبل إلى بليبل، ويصغر الخماسي بتحويله إلى فعيعيل، ويصغر قنديل إلى قنيديل، وعصفور إلى عصيفير [49] .

الكشكشة:

من الظواهر الصوتية ”الكشكشة“ وهي ظاهرة صوتية لغوية قديمة، يتم فيها إبدال كاف المخاطبة بصوت ”تش“ مدغمًا يماثل الصوت الإنجليزي ”ch“، هذه الظاهرة كما جاء في المزهر والاقتراح للسيوطي في ربيعة ومضر، يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيئا، فيقولون: رأيتكش، بكش، وعليكش، فمنهم من يثبتها في حال الوقف فقط وهو الأشهر، ومنهم من يثبتها في الوصل ويسكنها في الوقف، فيقول: منش وعليش. وإنما فعلوا ذلك حرصاً على البيان، لأن الكسرة الدالة على التأنيث تخفي في الوقف، فاحتاطوا للبيان بأن أبدلوها شيئاً [50] .

في المعجم الوسيط الكشكشة لهجةٌ لبني أَسد وربيعة، يجعلون الشين مكان الكاف في خطاب المؤنث فيقولون في عليك ومنْكِ ”عَلَيْش“ و”مِنْشِ“؛ وقيل أَن يزاد بعد الكاف المكسورة شُينٌ، يقولون في عليكِ ”عَليكِشْ“ [51] .

في المقابل تأتي ظاهرة الكسكسة، وهي استعمال كسكسة تميم والتي لا تزال باقية دون تغيير في القصيم وفي سائر بلاد نجد، إذ يقولون للمذكر: هذا ولدك بكاف صحيحة ساكن ما قلبها، ويقولون للأنثى نفس الكلمة بالحركات الموجودة في المذكر دون أي اختلاف فيها، إلا أنهم يميزون بينهما بأن ينطقون الكاف بما يقرب من السين [52] .

وهناك الكثير من الظواهر في لهجة الأحساء التي قل استخدامها أو تلاشى، مثل التحدث بصيغة الآخر، مثل قولهم ”وقم يا فلان، أو قم أنت يا فلان وحط البيض في السلة“، وهو عندما يتحدث الشخص عن آخر، ويصف فعله بأنه قام بوضع البيض في السلة.

إن أهمية هذا الكتاب تأتي من حاجة ماسة لمعاجم متخصصة في مجالات العلوم المختلفة، ومنها البيئة العمرانية التراثية، وهي مادة مساندة ورئيسة تواكب عملية الحفاظ العمراني والتوجه السياحي والثقافي، فتعريف مفردات وأماكن وأشياء لم تعد موجودة أو معروفة بشكل كبير مطلب ضروري كي يتسنى الحفاظ عليها بأسس علمية دقيقة، وتصل للأجيال القادمة بأمانة تامة.

يمكن ملاحظة أن بعض المصطلحات كان فيها البدء بالمصطلح بصيغة الجمع وذلك لأنه الأكثر شهرة، وقد لا يستخدم المفرد كثيراً، أو لأن المعنى في الغالب يفهم منه شيْ آخر مثل خوازرين مفردها خيزرانة.

إن أغلب المصطلحات والمفردات التي تم رصدها هي حصيلة الجمع الميداني، وهو جانب مهم، وقد تنبه الكثير من الباحثين واللغويين في تدوين اللهجات إلى صعوبة وصف اللهجة والمفردة بشكل حي كما هي أثناء وصفها في عملية الجمع الميداني، ومما يزيد عمل تدوين النص الشفهي صعوبة وتعقيداً، ويضيف إلى العقبات التي تعترض من يريد قراءته قراءة صحيحة، وفهمه فهماً سليماً، هذا البون الشاسع بين الحديث أو المخاطبة التي هي وسيلة نقل النص الشفهي إلى السامع، وبين الكتابة التي هي وسيلة نقل النص التحريري إلى القارئ. فالنص الشفهي على لسان الراوي أو المؤدي يكتسب حياة وحركة وأبعاداً إيحائية، تساعد على فهمه وتذوقه، ولكن حالما ينقل إلى كلمات مكتوبة يمسي نصاً جامداً لا حراك فيه [53] .

في اللهجة الأحسائية كلمات يصعب وصفها إما لسهولتها مثل: ”جا“ أي جاء، و”ما“ أي ماء، أو تلك الكلمات التي بها حروف غير معروفة في العربية، مثل الحروف الفارسية الجيم ”چ“ في ”جندل“، والكاف ”گ“ والباء ”پ“، والحروف التي بها إسكان الحرف الأول مما جاء على وزن فعال بكسر الفاء أو ضمها، مثل كتاب وحمار وجدار وغبار. إذ ينطقونها كلها بإسكان الحرف الأول، مع الإتيان بكسرة لينة متقدمة عليه بحيث لو أردنا أن نرسم هذه الكلمات كما كانوا ينطقون بها رسمناها كما يلي: إكتاب، إحمار، إجدار، إغبار. ويذكر الكاتب محمد العبودي أن بعض الأساتذة المعنيين بالدراسات اللغوية السامية يرون أن إسكان أوائل الكلمات أمر مألوف في الآرامية، وأنه لا يزال موجوداً في السريانية، وما عرف من الآرامية، على أن الأمر ليس من السهولة بأن يبت فيه بأمر جازم إلا بعد دراسات مستفيضة ومقارنات بين عدة لغات قديمة وحديثة [54] .

وفي مصطلحات البيئة العمرانية التقليدية الدارجة في الأحساء الكثير من الكلمات التي من هذا النوع أوردها المؤلف من دون ألف أو همزة الابتداء التي يأتي بعدها حرف ساكن، مثل: عتبة ”اعْتِبة“، ودرجة ”ادْرِجة“، وخشبة ”اخْشِبة“، وبعيد ”ابْعِيد“، وحجا ”احْجا“، وحقاف ”احْقَاف“.

اعتمد منهج المؤلف في البحث على أسلوب الملاحظة والمقارنة والوصف في دراسة المصطلح، كمنهج علمي إثنوغرافي، فهو يعطي بعداً أوسع في وصف المصطلح والمفردة والانتقال، بها إلى مرحلة وصفية متطورة، توضح شكل الكلمة والمصطلح بفهم أدق مع مقارنة المصطلح في بيئة المدينة والقرية والبادية، وتبيان الاختلاف بين تلك البيئات، مع محاولة الرجوع بالمصطلح أو المفردة لأصولها قدر الإمكان، ومحاولة تتبع الصوت في الكلمة، واكتشاف دلالات المصطلح اللغوية والمعمارية والاجتماعية في ظل علم الأنثروبولوجيا، كما أن استخدام الصورة والرسم يؤدي مباشرة للربط بين المصطلح وشكله، وهو ما يشكل قاعدة أساسية وهامة تدفع نحو دراسات أنثروبولوجية أكثر عمقًا حول الفنون والحرف والصناعات المحلية، وتدعم البحث الأنثروبولوجي.

ويضاف إلى ذلك أن الباحث قضى فترة طويلة من حياته، مع الحرفيين في العديد من الحرف والصناعات التقليدية، وبخاصة في حرفة البناء والنجارة، في مشاريع توثيق البناء التقليدي والطرز المعمارية التاريخية، عبر الإصدارت المختلفة التي قام بنشرها وتضمنت مجموعة كبيرة من المفردات والمصطلحات الحرفية والمهنية والمعمارية.

وكانت محاولات الباحث الوايل لتأصيل المفردة والمصطلح الأحسائي من خلال أهم المصادر العربية في اللغة، حيث استعان بأهم المصادر والمراجع اللغوية، منها كتاب ”تهذيب اللغة“ للإمام أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري ”ت 370 ه“، حيث يعد هذا المعجم موسوعة لغوية ضخمة رام مؤلفه تنقية اللغة من الشوائب التي تسربت إليها كالتصحيف والتحريف ونحوهما، ويدل على ذلك عنوانه للكتاب، وما أشار إليه في مقدمته، وحرص فيه على التزام الصواب والتوثق من الصحة، ويعد هذا الكتاب أحد الموارد الخمسة لابن منظور في ”لسان العرب“، وأيضاً الصاغاني في ”العباب“، واستفاد منه الرازي كثيراً في ”مختار الصحاح“ [55] ، كذلك استعنا كثيراً بكتاب ”لسان العرب“، و”المعجم الوسيط“ و”معجم الصحاح“ للجوهري و”مختار القاموس - على مختار الصحاح“، والعديد من المصادر ومعاجم اللغة واللهجات العامية.

تقدم المؤلف بجزيل الشكر لدارة الملك عبدالعزيز التي لا تألو جهداً في حماية وصون التراث الثقافي السعودي، على تبنيها طباعة هذا الكتاب، ولمعالي الدكتور/ فهد بن عبدالله السماري الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز المكلف، كما شكر كل من ساهم معه في إتمام هذا المشروع، وخص بالشكر الأستاذ القدير المهندس عبدالله بن عبدالمحسن الشايب، الذي كان متابعاً له في خطوات هذه المشروع، والدكتور مشاري بن عبدالله النعيم الذي شغل المشرف العام على مركز التراث العمراني بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وكافة الإخوة والأخوات الذين سهلوا له المهمة، كما أثنى بالشكر الوافر للمصدر الأهم الذي اعتمد عليه في رحلة الجمع الميداني الطويلة، وهم نخبة من الحرفيين والإخباريين في حرفة البناء وحرفة النجارة وباقي الحرف الأخرى ذات الصلة، حيث استطاع معهم رصد أغلب المصطلحات المذكورة في هذا المشروع.

نرجو أن تكون الفائدة من هذا المشروع كبيرة ومفيدة لتراث وطننا الغالي المملكة العربية السعودية، وأن يستفاد من الجهد الكبير المبذول في هذه الدراسة في مختلف الفنون والحرف التي تطرق إليها الباحث الدكتور الوائل.

[1]  إبراهيم أنيس، في اللهجات العربية، ط 3، مكتبة الأنجلو المصرية، 2003 م، ص 15.

[2]  إسماعيل بن حماد الجوهري، معجم الصحاح، تحقيق أحمد عبدالغفور، ط 4، دار العلم للملايين، 1990 م، المقدمة، ص 2.

[3]  إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة نهضة مصر،، ص 160

[4]  سعد عبدالله الصويان، اللغة الإنسانية - طبيعتها وخصائصها، مجلة العصور، م 8، ج 1، القسم العربي، يناير 1983 م، دار المريخ، لندن، ص 94.

[5]  السيد الأسود، الدين والتصور الشعبي للكون، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، ط 1، القاهرة، 2005، ص 23 - 25.

[6]  المرجع السابق، ص 26.

[7]  السيد شبر علوي القصاب، اللهجات المحلية في الخليج «اللهجة في القطيف مثالاً»، مجلة الواحة، ع 22، مارس 2011 م.

[8]  فايز الداية، علم الدلالة العربي، دار الفكر المعاصر، ط 2، بيروت، 1996 م، ص 6.

[9]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، الألفاظ العامية ذات الحقيقة والأصول العربية، مكتبة الخانجي بمصر، ط 2,1972 م، ص 92.

[10]  صلاح الدين المنجد، المفصل في الألفاظ الفارسية المعربة، ج 2، زبان شاسي إيراني، انتشارات بنياد فرمنك إيران، ط 1,1978 م، ص 22.

[11]  المرجع السابق، ص 22.

[12]  أبومنصور الجواليقي، المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم، تحقيق ف. عبدالرحيم، ط 1,1990 م، دار القلم، دمشق، ص 22.

[13]  المرجع السابق، ص 23.

[14]  المرجع السابق، ص 31.

[15]  إسماعيل بن حماد الجوهري، مرجع سابق، ص 179.

[16]  أبومنصور الجواليقي، مرجع سابق، ص 18.

[17]  المرجع السابق، ص 54.

[18]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 62.

[19]  محمد العبودي، لهجة أهل القصيم، مجلة العرب، ج 1 و 2، س 13، يوليو/ أغسطس 1978 م، ص 344.

[20]  هدى محمدي السيد عبدالفتاح، معجم مصطلحات الحرف والفنون في كتاب تخريج الدلالات السمعية للخزاعي، دار بلنسية للنشر، ط 1، القاهرة 2008 م، ص 47.

[21]  ت. م. جونسون، دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية، ترجمة أحمد محمد الضبيب، ط 2,1983 م، الدار العربية للموسوعات، ص 121.

[22]  المرجع السابق، ص 79.

[23]  المرجع السابق، ص 80.

[24]  المرجع السابق، ص 44.

[25]  أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب، ج 1، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001 م، ص 273.

[26]  وليام جيفورد بلجريف، وسط الجزيرة العربية وشرقها، ج 2، ترجمة صبري محمد حسن، المجلس الأعلى للثقافة، 2001، القاهرة، ص 201.

[27]  ت. م. جونسون، مرجع سابق، ص 37.

[28]  ت. م. جونسون، مرجع سابق، ص 40.

[29]  ف. ش. فيدال، واحة الأحساء، ترجمة عبدالله ناصر السبيعي، ط 1، مطابع الجمعة، 2990 م، الرياض، ص 192.

[30]  وليام جيفورد بلجريف، مرجع سابق، ص 189.

[31]  محمد الأمين بن فضل الله المحبي، قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل، تحقيق عثمان الصيني، ج 2، ط 1,1994 م، مكتبة التوبة، الرياض، ص 256.

[32]  المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، جمهورية مصر العربية، ط 4,2004 م، مكتبة الشروق الدولية، ص 56.

[33]  إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مرجع سابق، ص 164.

[34]  المرجع السابق، ص 165.

[35]  سعيد عبدالله الوايل، النقوش الجصية الأحسائية، الهيئة العامة للسياحة والآثار، الرياض، 2015 م.

[36]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 39.

[37]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 66.

[38]  المرجع السابق، ص 67.

[39]  أبومنصور الجواليقي، مرجع سابق، ص 65.

[40]  ت. م. جونسون، مرجع سابق، ص 63.

[41]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 31.

[42]  محمد العبودي، مرجع سابق، ص 344.

[43]  القرآن الكريم، سورة الأعراف، آية 111.

[44]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 27.

[45]  المرجع السابق، ص 27.

[46]  المرجع السابق، ص 23.

[47]  أبومنصور الجواليقي، مرجع سابق، ص 68.

[48]  المرجع السابق، ص 69.

[49]  عبدالمنعم سيد عبدالعال، مرجع سابق، ص 98.

[50]  محمد رياض كريم، المقتضب في لهجات العرب، التركي للطباعة، طنطا، 1996 م، ص 133.

[51]  المعجم الوسيط، مرجع سابق، ص 789.

[52]  محمد العبودي، مرجع سابق، ص 351.

[53]  سعد عبدالله الصويان، في دراسة اللهجات الحديثة، مجلة العرب، ج 11,12، س 18، مارس 1984 م، ص 1048.

[54]  محمد العبودي، مرجع سابق، ص 349.

[55]  أحمد بن عبدالله الباتلي، المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها، دار الراية، الرياض 1992 م، ص 21.
رئيس تحرير مجلة الساحل