فسُرّني بلقائك
إلهي فسُرّني بلقائك يوم تقضي فيه بين عبادك» «المناجاة الشعبانية - الصحيفة السجادية ص 481».
عندما تشرق الحقيقة وبواطن الأمور في القلب يستظهر نصب موازين الأعمال والحساب على ما قدّمت يداه أمام عينيه حاضرا وماثلا، فتتحرّك مشاعره نحو ذلك اليوم الذي يقف فيه بين يدي محكمة العدالة الإلهية، في يوم لا خداع فيه ولا تمويه ولا تزييف للحقائق بل يكون الإنسان مكشوفا في سيرته وأعماله، وتحذوه الرغبة الأكيدة بأن يكون في مصاف من تكون أعمالهم مرضية ومقبولة فيسعد بالنجاة من العقاب الأليم، ويتألّم من مجرد تخيّل حالة المقصرين والمذنبين وقد لحقتهم الندامة والعذاب النفسي، في يوم الفصل سينقسم الناس بين من ينال الثواب على أعماله الصالحة وسعيه الدنيوي في ميدان الطاعة للمعبود والورع عن محارمه، وأما من أساء واجترح المعاصي فسيقضي عليه رب العالمين بالعذاب جزاء ما صنع في دنياه دون أن يُظلم شيئا.
وبالتأكيد لن يجدي شيئا أن تبقى هذه الرغبة بالسرور والنجاة في يوم القيامة والقضاء بين العباد في فضاء التفكير النظري ومداعبة الأحاسيس، بل التأثير الحقيقي لها أن تخرج إلى أرض الواقع لتتجسّد بالأعمال الصالحة والتعامل الحسن مع الآخرين بعيدا عن تغلغل الكراهية والأحقاد.
السرور بلقاء الله تعالى يبعث الطمأنينة في القلب ويحرك النفس نحو بوتقة التقوى والخوف من الله تعالى ويقظة الضمير أمام المغريات والشهوات المتفلّتة، وهذا السرور مصباح هدى أمام ظلمات الدنيا ومحطات الاختبار، فالبصيرة والنظر في عواقب الأمور والحكمة في اتخاذ الخطوات سيجنبه ارتكاب الآثام وما يغضب الله تعالى، وهذا الخوف الإيجابي يتوازن في قلبه مع حالة الرجاء والأمل بأن تسعه رحمة الله تعالى، فهذا التوازن يحفّزه نحو الاستعداد والتهيؤ للقاء الله تعالى.
السرور بلقاء الله تعالى ليس مجرد مشاعر وأمنيات، بل هو حصاد ونتاج لمسيرة حياته وعصارة عمره الذي خاض فيه جهاد النفس وتهذيبها وسار في ميدان العمل الصالح ومحاسبة النفس، فيّتوّج ذلك السعي بتحقيق الهدف الأسمى وهو رضوان الله تعالى، ففي ذلك اليوم العظيم الذي يقضي فيه الرب الجليل بين عباده بالعدل، يمتاز بعده أصحاب البصيرة والهمة العالية وعمل الطاعات عمن قصّروا وعاشوا الغفلة والانغماس في الشهوات، وهذا ما يحفّز الإنسان على تحقيق أسس السعادة والنجاة والسرور في يوم القيامة، من خلال اغتنام الأوقات وتركيز الجهود على إتيان الصالحات وتجنب موارد الزلل والمعاصي.
جهاد النفس وتهذيبها الذي مارسه المؤمن طوال حياته مسلطا بصيرته وضميره لاستكشاف الظلمات والشبهات ومواطن الزلل هو بداية الطريق، فتكون ثمرة تلك الرحلة الإيمانية هو الطمأنينة والفوز برضوان الله تعالى، ويحرّكه الرجاء والأمل نحو السعي إلى رضا المعبود والقرب منه في ميدان العمل الصالح والخلق الحسن في التعامل مع الآخرين، فالسعادة الحقيقية هي لقاء الله تعالى نقي النفس من أغلال الأهواء وإغراءات الشيطان، وهذا الرجاء والأمل هو ما يمده بالطاقة الروحية والصبر على الطاعات وفي مواجهة الابتلاءات والصعوبات، وكذلك ينمو دافعه نحو الترقي وتحسين الأخلاق والتقدم المعرفي والسلوكي.