رفقاً بنا أيتها الحياة… كفانا وداعات
هول مصيبة الموت عندما يأتي فجأة من دون أن يمهلنا وداع الأحبة، يزيد من ألم الفاجعة، بالرغم من أنه حق مطلق، وفي كل الأحوال لا بد لنا من الصبر على المصيبة والإيمان بقضاء الله وقدره قال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ».
*ألم خذلان الموت يمر بين جدران البيوت فهناك آهات تحاصر الأرواح، فالموت بأمرٍ من الله تعالى يتعامل مع جميع المخلوقات بمساواة ويحدد أقدارهم دون تحيز، ولا يميز بين الغني والفقير، ولا بين الكبير والصغير، ولا بين الرجل والمرأة، إنه يضع البشر والحيوانات وسائر مخلوقاته بجوار بعضهم البعض في قبورهم المظلمة.
كما هي عادتي عندما أخلد إلى النوم أغلق جهازي الذكي وأرميه جانباً، وبينما أنا في عز نومي، وإذا برسول يطرق الباب مكلفاً بإبلاغي برحيل أختي من هذه الدنيا يرحمها الله، فتريثت قليلا مع تنهيدة الفجر، ووجع هذا الخبر المؤلم الذي أصابني، فسلمت الأمر إلى الله تعالى فهو الذي لن ينساها من رحمته الواسعة، وأن يحشرها مع النبي محمد وآله، وإلى روحها التحية والسلام، وسلاماً على قبرها تلك التي سدلت ستار الحياة، وتركت لمن حولها صدمة المشهد.
مسيرة الإنسان في هذه الحياة شئنا أم أبينا لن تمر دون أن يتألم، ولن يتعلم دون أن يخطئ، ولن ينجح دون أن يفشل، ولن تبقى صحبة من نحب دون نهاية، ولا بدَّ لكل اجتماع من خليلين فرقة، ولهذا عَوِدْ نفسك على خسارة الأشياء وأعتمد عليها وصادقها، فح?مة القدوم للحياة وحيداً يضحك من حولك وأنت تصرخ، ومغادرتها بالطريقة نفسها، لكنه يبكيك من حولك وأنت تبتسم لم تأتي من فراغ!
اعتدنا على أن لا نخاف الموت ما دام قدراً مقدوراً وأمراً محتوماً على كل حي لا يمكن تجنبه، وما عدنا نشكو ونتذمر، لقد ابتلعنا غصاتنا ومضينا، بعد أن ظننا بأن هناك من يعيننا، لكن ظننا كان مخالفاً؛ لأن خذلان الموت كان مُختبئًا خلف جدران المستشفيات التي يئنّ فيها المرضى، ولم يرحم القلوب المتعبة بالآلام، ويا للمرارة أن تنكسر على يد من كنت تراهم ملاذك الأخير لانقاد حياتك!!
فرِفقا بنا أيتها الحياة، فلم أعرفْ بأن لقلبي المسكين نصيبًا من خذلانِ الموت بفراقِ الأحبابِ، وأصبح الألم يلازمنا ويبعثر دموعنا التي أصبحت لا تغادر عيوننا، بعد أن رحلوا عنا، وبقيت ذكرياتهم الجميلة، وتجمدت مشاعرنا لما نراه ونسمعه، فكل يوم يموت شيء داخلنا لكثرة الوداعات التي تمر علينا، وسلاماً على روحك الطاهرة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.