آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

الجانب الاجتماعي في رواية راهب الموت

حسام منصور آل سيف

رواية مفاتيح الموت الأربعة «راهب الموت»، للكاتب الشاب محمد الربح الصادرة عن دار مركز الأدب العربي، الدمام ط 1 عام 2024 م، رواية غموض ذات حبكة متماسكة، تأسرك الكلمات التي في طيها لحل اللغز طوال الرواية.

ابتعد الكاتب عن المجتمع المحلي وذهب بعيدا عن المجتمع إلى المجتمع الغربي ليكون أكثر انطلاقا في فضاء بناء الشخوص وحبكة الرواية. وتناقش الرواية طبقية من نوع آخر، ولكي يأخذ مساحة أكبر من الحرية في سرد الحبكة جعل المكان قرية بعيدة، وعلاقتها بالأماكن الأخرى الجذب السياحي.

وتشكل المجتمع في هذه القرية من طبقتين: طبقة سكان القرية، وطبقة ما أطلق عليها بالموسومات وهي من النساء الآتي ولدن خارج نطاق الزواج ووسمن على أيديهن برمز يجعلهن بائعات هوى عند «بتريوس» الذي يحميهن من أهل القرية ويشرف على عملهن.

أثناء السرد ومن البداية يظهر اللغز «سفاح الجبل الأسود» الذي يشكل العمود الفقري للرواية وبؤرة التشويق من بدايتها حتى قبل نهايتها بقليل حيث يحل اللغز وينقلنا إلى الجزء الثاني من الرواية.

لن أدخل في تفاصيل الحبكة لكي لا أفسد المتعة على من يريد قراءتها، ولكنني سوف أعرض الحالة الاجتماعية في التناقض الذي يتشكل في الكثير من المجتمعات، وليس المجتمع المتخيل الذي بنى الكاتب الرواية عليه وجعلها أرضا خصبة للخيال.

فنجد أن الرواية تناقش تعامل المجتمع مع طبقة الموسومات، فرجال المجتمع يحاربونهن في النهار ويكونون زبائنهم في الليل وبأسعار أغلى. ”أتصل جيرارد بالموزع، هذا اللقب يطلقونه على من يقوم بالحجوزات، فهناك طريقتان لتحديد موعد، الأولى رسمية عن طريق المكتب الخاص ببروتوس، الثانية سرية عن طريق الموزع الذي يأخذ مبالغ إضافية مقابل الحجز، معظم طالبي خدمات الموزع من أهل القرية، لرغبتهم في الحفاظ على السرية، فهم يدينون أفعال الموسومات علنا ويطلبون خدماتهن سرا“ ص 49.

وفي قطعة سردية على لسان بروتوس في نقاشه مع جيرارد ”نحن متناقضون يا سيد جيرارد فأهل القرية يكرهون الموسومات لما اقترفنه في ذنوب سابقا، وللعمل الذي يمارسنه حاليا، وأنا أقوم بموسمهن للحفاظ على أرواحهن فالوسم علامة تدل على المالك، وهو أنا، لكنني في حقيقة الأمر أتاجر بهن وأكسب الكثير من المال بفضلهن. وأهل القرية يجعلون تجاراتي مزدهرة. كم نحن منافقون!“ ص 116.

وكذلك نلاحظ أن الطابع العام في القرية هو كره أهل القرية لهؤلاء النساء «الموسومات» فأهل القرية يسمون هذا الوحش الذي يقتل الصغيرات بالمطهر ”لأنه، في الواقع، معروف عن السفاح أنه يكره الموسومات كرها شديدا، ويرغب في تطهير القرية منهن. لذلك يلقبونه بالمطهر، إنه لا يترك قطرة دم واحدة تسيل من أجساد الفتيات كي لا يدنس الأرض بدمائهن، فكما تعلم، لم يسبق أن قتل طفلة بأداة حادة، حتى أن البعض أخذ يفترض أنه ينزع أرواحهن بيديه. أعلم يا سيد جيرارد أن هذا محض خيال، لكن كثيرين مقتنعون بصحة هذه الادعاءات، من أجل أن تتحقق، عليك زيارة مقبرة القرية عند خروجك من هذه المدرسة، أعبر بين القبور وانظر إلى شواهدها، ستجد علامة وسم على بعض القبور، يقال إنه حفرها بنفسه، كي يقدّر الناس صنيعه، يقال أيضا أن ذلك يكون عمل بعض أبناء أهل القرية، ليفرقوا بين الطاهر والخبيث. أما الآن، وقد بدأ باختطاف الأبرياء، فهذه مصيبة كبيرة..“ ص 100 - 101.

واللافت أن هذه الفئة في المجتمع كانت خاضعة لنظام القرية إلا في النهاية الدموية التي أحرق فيها جميع من في القرية. وهي النهاية والمدخل للجزء الثاني، ومن هذه المواقع نستشف هذا الضعف من عدة أماكن أثناء سرد الرواية منها:

على لسان جيرارد: ”أنا أعلم أنكن تعانين، لكن حجم المعاناة جديد علي، وللأسف، نحن تقاعسنا عن مد يد العون لإخراجكن من الحفرة، وعوضا عن ذلك دفناكن حيات. جميعنا بشر يا هانا ومن طبيعة البشر ارتكاب الأخطاء، ومن الظلم أن يحكم عليكن فتقاسين أمر أنواع العذاب النفسي والجسدي، وأن يخضع أبنائكم للعقاب ذاته، نحن أهل القرية، محكوم علينا بالهلاك جزاء على إجرامنا بحقكن“ ص 68 - 69.

الغريب في الأمر أن الكاتب رغم اختياره مجتمع غربي والحدث المحرك للرواية بمعية الغموض هو وضع «الموسومات الاتجار بأجسادهن» إلا أن الكاتب أبى على نفسه أن يصف مشهد من تلك المشاهد كأن الكاتب أراد احترام مجتمعه القارئ للرواية ضاربا بما اشتهر في القراءات السابقة «إذا أردت الشهرة للرواية فاضرب في الثالوث المحرم»، ولعل هذه النقطة تحسب للكاتب.