آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 5:22 م

مأذون وقصة

المأذون في خطر

الشيخ محمد الصفار

حسب الموعد الذي اتفقنا عليه هاتفيًا لإجراء عقد الزواج، انتظرت العريس في منزلي كي نذهب سويا، كنت أحمل معي دفتر ضبط العقود التابع لدائرة الأوقاف والمواريث بالقطيف، وصل الرجل - وكان في العقد الثالث من عمره - وبيده الوثائق والأوراق اللازمة، تقاسمنا المشوار بالحديث حتى وصلنا إلى منزل عروسه، وكالعادة استُقبلنا بترحيب وفرح من أصحاب المنزل.

كان المجلس واسعًا والحضور متواضعًا، يكاد عدده لا يتجاوز الخمسة أشخاص، أحدهم والد الفتاة، الذي همّ بجلب المكسرات والفاكهة والقهوة والبخور ومستلزمات الضيافة لمثل هذه المناسبة، بينما بادر أحد أبنائه بتقديم الماء والشاي لنا.

بدأ والد الزوجة بضيافته بينما بدأت أنا بالتأكد من الوثائق واستكمالها، وكتابة ما يلزم منها في دفتر الضبط الذي أحمله، في جوٍ ودّيِ جميل، تتخلله كلمة من هنا وبسمة من هناك ودعاء للزوجين بالحياة السعيدة والاستقرار.

في هذا الجو الفرح دخل علينا أخو الزوج، وسلّم سلامًا عامًا دون أن يصافح أحدًا، ثم طلب أخاه ليحدثه، كان الأمر طبيعيًا بالنسبة لي حتى تلك اللحظة، عاد الرجل بعد دقيقتين تقريبًا، والتغيّر على ملامح وجهه غير خاف، فهناك ما يكدّر الخاطر ويشغل البال.

جلس إلى جانبي، وهو يقول بصوت خافت: ”الله يستر، الله يمرر هذه الساعة بأمان“ بدأت الأسئلة تدور في ذهني، وأنا أحاول طردها والتركيز على تسجيل الوثائق في الدفتر، اقترب مني، وقرّب فمه من أذني وقال: ”شيخنا حاول إجراء العقد بسرعة، الله يخليك“ مازحته بغرض استفزازه ليخرج ما عنده، وقلت له: ”لا تستعجل، القاضي متواجد هذه الليلة، وخلال ساعة بإذن الله سترى زوجتك“.

لم يكترث لرؤية زوجته، بل كرر عليّ حاول أن تنهي الموضوع بسرعة لنخرج من هنا، شعرت ببعض الوجل والخوف، سألته ما الأمر؟ فقال لي: ”أنا لست خائفًا على نفسي، أنا سأتحمل لكني خائف عليك، فعجّل الأمر شيخنا“، بعد هذه الكلمات لم يبق مجال للشك، فهناك خطر، وهناك أمر سيئ قد يقع، ولا بد من السرعة والعجلة، ولكن ما هو الخطر؟ وما هي المشكلة؟ أخبرني بدقة ووضوح ما الأمر؟

أجابني إن منزله قريب من هذا المنزل، وأن أخاه جاء ليخبره أن زوجته الأولى سمعت بخبر ومكان العقد قبل قليل، واتصلت بإخوانها، وأنا أخاف من تصرفاتهم، ففي أكثر من خلاف بيني وبينها كان أحدهم يتدخل برفع اليد والاشتباك معي، وأخشى أن يصلوا ويُحدِثوا مشكلة كبيرة هنا.

أجريت العقد سريعًا وخرجت، صعدت سيارتي وأنا أكرر ما كان يقوله الرجل، الله يستر، الله يمرر هذه الساعة بأمان، وقبل أن تنطلق سيارتي رأيت العريس وأخاه يهمان بالمغادرة والانصراف.

مستوحيات من القصة:

1/ لا بد أن تكون قرارات الإنسان مدروسة بشكل دقيق قبل أن يُقْدم على تبنيها، والاندفاع لتنفيذها، فكل قرار غير مدروس هو كارثة في حق الإنسان ومن يدور في فلكه من أسرة وأولاد.

2/ الوضوح والصراحة خير من ممارسة الأمور والإقدام على التصرفات، بشكل متخف وملتبس، وكأن الإنسان يقدم على جريمة شرعية، ومعصية من معاصي الله، صحيح أنه لا يجب عليك شرعًا أخبار زوجتك الأولى، لكنّ إخبارها ليس حرامًا ولا خدشًا في الرجولة، وعليك موازنة الأمور.

3/ لا يحق لأحد من أقارب الزوجة أن يتدخل مع طرف ضد طرف آخر، وكل ما عليه هو أن يكون ناصحًا مصلحًا، يعالج المشكلة بحكمة وروية وعقل، أما التدخل باليد وبالكلام النابي فليس من حقه أبدًا.

4/ الأبناء كذلك لا يحق لهم التدخل في مثل هذه الأمور بالاصطفاف إلى أحد الطرفين وتعنيف الآخر، فليست لهم الولاية ولا الهيمنة على أبيهم، وقيامهم بأي تصرف أهوج هو حماقة تبعدهم عن الأخلاق، وتفصلهم عن رضا الرب.

نعم يمكنهم الحديث مع أبويهما بلسان طيب وخلق حسن ليصلحوا وليرمموا وليحدوا من توسع المشكلة وتشظيها.

5/ أعلم أن مصارحة الزوجة بالرغبة في الزواج من أخرى ستحدث مشكلة كبيرة، لأن المرأة لا تريد شريكة معها في زوجها، لكنّ الإقدام على الزواج دون علمها لن يخلصك من تلك المشكلة، بل سيزيدك مشكلة أخرى مع زوجتك الجديدة، التي ستأتي إلى بيئة غير ودودة، والله المستعان.

فائدة:

يرى الفقهاء أن من كان متزوجًا من امرأةٍ وأراد الزواج من ابنة أخيها أو ابنة أختها فإنَّ زواجه منهما لا يصح إلا بإذن زوجته.