آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 5:22 م

العادات المجتمعية بين التجذر والتغيير

عماد آل عبيدان

عندما تتحول العادات إلى قيود، تصبح الحياة أكثر تعقيدًا وتحديًا، ففي حين أنها تمثل جوهر الهوية، قد تصبح أحيانًا سجنًا للروح. لطالما كانت العادات المجتمعية جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي، متوارثة عبر الأجيال حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية. ومع ذلك، ليس كل ما توارثناه بالضرورة إيجابيًا، فكثير من العادات تحتاج إلى إعادة نظر وتطوير بما يتناسب مع متطلبات العصر وحاجات الأفراد والمجتمع. غير أن تغيير هذه العادات ليس بالأمر السهل، إذ تصطدم الرغبة في الإصلاح بجدار العرف والتقاليد المتجذرة، لكن ذلك لا يعني أنه مستحيل.

العادات الراسخة وتأثيرها

العادات التي ترسخت في مجتمعاتنا كالسلاسل غير المرئية التي تربط الأفراد ببعضهم، تجد نفسها أحيانًا ثقلًا يُضاف إلى أعباء الحياة، كما في مناسبات الحزن التي تتحول من ساعات صمت إلى ساعات انتظار، ما يجعل الألم يمتد إلى وقت أطول. ومن بين العادات التي لا تزال متجذرة في مجتمعاتنا تلك المتعلقة بالمناسبات الاجتماعية، سواء كانت مناسبات حزينة كالفواتح أو سعيدة كحفلات الزواج. فالاصطفاف الطويل في الفواتح مثلاً، والذي كان سابقًا يمتد على ثلاث فترات يوميًا «صباحًا وعصرًا ومساءً»، أرهق أهل العزاء وفرض عليهم استقبال المعزين لساعات طويلة مما زاد من معاناتهم في لحظات الحزن. ومع ذلك، شهدت بعض البلدات في القطيف تغييرًا تدريجيًا لهذه العادة، حيث أصبحت الفواتح تُقام في فترتين فقط أو حتى فترة واحدة مستقبلاً، مما خفف العبء عن أهل المصاب.

أما في الأفراح، فهناك عادات أخرى مثل البذخ في الحفلات والإصرار على إقامتها بأسلوب معين رغم ما قد يترتب على ذلك من أعباء مالية ونفسية على أصحاب المناسبة. ومع أن البعض يتمنى التغيير نحو البساطة، إلا أن الخوف من مخالفة المألوف يبقي الأمور على حالها. فهل علينا الاستمرار في تزيين أحزاننا بالأنماط الموروثة أم أن الوقت قد حان لنشر بساطة تعكس الروح الحقيقة للفرح؟

تحديات التغيير

إقناع الناس بتغيير العادات المتجذرة في المجتمع ليس بالأمر السهل، بل هو تحدٍّ صعب يتطلب الصبر والتخطيط. فالتغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، خاصة عندما تكون العادة مرتبطة بالشعور الجماعي والانتماء الاجتماعي. وكثيرًا ما يخشى الأفراد أن يكونوا أول المبادرين بالتغيير، خشية الانتقاد أو عدم القبول. وفي أحيان أخرى، تجد أشخاصًا يعارضون التغيير ظاهريًا، لكن في قرارة أنفسهم يتمنون حدوثه.

كيف نحدث التغيير؟

رغم الصعوبة، إلا أن التغيير ممكن، بل وضروري، وذلك عبر خطوات مدروسة:

• البداية بمبادرات فردية جريئة: كما حصل في تغيير توقيت الفواتح، حيث بدأت بعض العائلات في تعديل العادة، فتبعها الآخرون تدريجيًا حتى أصبح التغيير واقعًا.

• التوعية والتثقيف: عبر الحديث عن أضرار بعض العادات وبيان الفوائد التي يمكن تحقيقها من تغييرها، سواء عبر الخطب أو وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.

• تقديم نماذج ناجحة: عندما يرى الناس أن التغيير أدى إلى نتائج إيجابية دون أن يُنظر إلى أصحابه بسلبية، فإنهم سيكونون أكثر استعدادًا لاتباعه.

• دعم المجتمع الصامت: فغالبًا ما يكون هناك نسبة كبيرة من المجتمع تتقبل التغيير لكنها تخشى التصريح بذلك، وعند دعمها وتشجيعها تصبح جزءًا من عملية التغيير بدلًا من مجرد متفرج عليها.

• تدريجية التغيير: فليس المطلوب أن تنقلب العادات رأسًا على عقب فجأة، بل يمكن العمل على تغييرها بشكل تدريجي حتى تصبح أمرًا معتادًا.

خاتمة

كما نخطو أولى خطوات التغيير، لن تقتصر المبادرة على إحداث ثورة في العادات، بل على استعادة البساطة التي قد تُعيدنا إلى جوهر الإنسانية نفسها. التغيير ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب شجاعة المبادرة وصبر الاستمرار، فكل عادة نراها اليوم متجذرة كانت في يوم من الأيام مجرد فكرة جديدة قبل أن تصبح عرفًا سائدًا. وما دامت هناك إرادة حقيقية للإصلاح، فإن التحول نحو الأفضل سيظل ممكنًا، حتى لو تطلب الأمر وقتًا. المهم أن يدرك الجميع أن العادات وُجدت لخدمة الإنسان، وليس العكس، وإذا كانت تسبب له المشقة، فمن الأجدر تعديلها بما يحقق المصلحة العامة للجميع.