آخر تحديث: 16 / 3 / 2025م - 1:56 م

”الدرعية الأولى“.. كيف ساهمت القطيف في تأسيس الدولة السعودية؟

جهات الإخبارية

شهدت الدرعية الأولى بمحافظة القطيف إحدى المحطات التاريخية البارزة بزوغ فجر الدولة السعودية الأولى، حيث كانت مركزًا محوريًا للحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

ارتبطت هذه البقعة بمراحل التأسيس الأولى للدولة، وساهمت في تشكيل ملامح الوحدة والاستقرار في الجزيرة العربية، ما جعلها شاهدًا حيًا على مجريات حقبة مفصلية في تاريخ المملكة.

الدرعية الأولى.. النواة الأولى لتأسيس الدولة

تكتسب الدرعية الأولى في القطيف أهمية خاصة نظرًا لدورها في دعم الإمام محمد بن سعود خلال مرحلة التأسيس، حيث كانت جزءًا من الامتداد الجغرافي والسياسي الذي شهد تحولات كبرى أسهمت في ترسيخ قواعد الدولة السعودية الأولى.

وشكلت الدرعية الأولى نقطة التقاء للقبائل والتجار والعلماء، ما عزز مكانتها كمركز للحكم والتخطيط السياسي، وساهم في نشر مبادئ الوحدة والتكاتف بين أبناء الجزيرة العربية.

وتذكر المصادر التاريخية أن أجداد أسرة آل سعود قد هاجروا من اليمامة ”نجد“ إلى القطيف الممتدة من حدود الكويت إلى جنوب الظهران في القرن الثالث الهجري، فاستقروا في ”درعية القطيف“ ردحًا من الزمن، حتى عاد مانع المريدي الجد السابع للإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى في عام 850 هـ لليمامة وأقام درعية اليمامة - وفق ما أكده الملك سلمان.

وكشف أستاذ التاريخ المعاصر د. سعيد آل عمر عن تفاصيل تاريخية مثيرة تتعلق بالدرعية الأولى، الموقع الذي استوطنه مانع المريدي، الجد الثاني عشر للملك عبدالعزيز، قبل نحو 600 عام.

وأوضح أن الدرعية الأولى تقع على بعد 40 كيلومترًا من مدينة الدمام، جنوب غرب محافظة القطيف، وشمال شرق محافظة بقيق، مشيرًا إلى أنها تختلف تمامًا عن الدرعية المعروفة اليوم في مدينة الرياض، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة الدولة السعودية الأولى.

وكانت الدرعية الأولى موطنًا لقبيلة الدروع بقيادة مانع المريدي، حيث استقروا فيها لسنوات طويلة قبل أن يهاجروا إلى وادي حنيفة.

وأشار آل عمر إلى أن المراسلات التي جرت بين مانع المريدي وابن عمه ابن درع، حاكم حجر والجزعة ”الرياض حاليًا“، كانت السبب الرئيسي في انتقاله إلى وادي حنيفة، حيث رحب به ابن درع وأقطعه موقعين استراتيجيين هناك هما غصيبة والميت، واللذان أصبحا لاحقًا نواة لتأسيس إمارة الدرعية.

وفقًا للباحثين، فإن الدرعية الأولى لم تعد بلدة قائمة اليوم، بل أصبحت موقعًا أثريًا مختفيًا تحت كثبان الرمال، يقع على تماس مع طريق الدمام - الرياض، وتبلغ مساحتها نحو 14 مليون متر مربع، مما يجعلها موقعًا ذا قيمة تاريخية مهمة يحتاج إلى المزيد من الأبحاث والتنقيب.

وبيّن آل عمر أن دارة الملك عبدالعزيز بدأت جهود البحث عن الدرعية الأولى منذ 19 عامًا، حيث تم تحديد الموقع بدقة والبدء في دراسة آثاره.

وأشار إلى أن بعض الأشجار التي لا تزال موجودة في المنطقة قد تكون من بقايا رحيل مانع المريدي ورفاقه إلى وادي حنيفة عام 850 هـ، وهو الحدث الذي تزامن مع عهد الدولة الجبرية، التي تأسست عام 820 هـ، وسيطرت على المنطقة في ذلك الوقت.

القيمة التاريخية للدرعية الأولى

تمثل الدرعية الأولى إرثًا تاريخيًا مهمًا للمملكة العربية السعودية، حيث تعد إحدى المحطات التي سبقت تأسيس الدولة السعودية الأولى.

وتضم المنطقة 14 موقعًا أثريًا بارزًا تسلط الضوء على العمق التاريخي للدولة السعودية، وهو ما دفع الجهات المختصة إلى تكثيف الجهود لحماية هذه المواقع وتوثيقها ضمن الإرث الوطني.

الموقع الاستراتيجي وأهميته في بناء الدولة

تقع الدرعية الأولى في القطيف ضمن منطقة تمتاز بموقعها الحيوي على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، ما جعلها مركزًا نشطًا للتجارة والملاحة البحرية.

ولعبت هذه الميزة الجغرافية دورًا مهمًا في ازدهار الأنشطة الاقتصادية وتعزيز التواصل بين مختلف المناطق، حيث كانت ملتقى للقوافل التجارية والمسافرين، الأمر الذي ساعد في انتشار الفكر الإصلاحي والمبادئ التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى.

دور الدرعية الأولى في الاستقرار السياسي والاجتماعي

مع انطلاق الدولة السعودية الأولى، كانت الدرعية الأولى بالقطيف أحد المراكز التي دعمت الجهود الرامية إلى توحيد المنطقة تحت راية واحدة، حيث ساهمت في بناء نظام إداري متماسك عزز الاستقرار وأرسى قواعد الحكم الرشيد.

وكانت مصدر إلهام لكثير من المدن والبلدات المحيطة بها، ما أدى إلى ازدهار النشاط الثقافي والعلمي، وإرساء أسس العدالة والأمن.

رغم تعاقب الأزمان، لا تزال الدرعية الأولى بمحافظة القطيف تحتفظ بمكانتها التاريخية وتراثها العريق، حيث تُعد جزءًا من الذاكرة الوطنية التي تعكس جهود الأجداد في بناء دولة قوية وموحدة.

ولا تزال الجهود مستمرة للحفاظ على هذا الإرث، من خلال المشروعات التي تهدف إلى ترميم المواقع التاريخية وإبراز القيمة الثقافية للمنطقة، بما يعزز الهوية الوطنية ويفتح المجال للأجيال القادمة لاستلهام الدروس من التاريخ.

تمثل الدرعية الأولى بالقطيف أكثر من مجرد موقع تاريخي، فهي رمز من رموز التأسيس الأولى للدولة السعودية، وشاهد على مرحلة مفصلية في مسيرة التوحيد والاستقرار.

وبينما تستمر المملكة في نهضتها الحديثة، تبقى هذه المحطات التاريخية جزءًا من روح الوطن، تحكي قصة مجد صنعه الأجداد، وتلهم الأجيال القادمة لمواصلة البناء والتطوير.