آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 5:22 م

دعاء مكارم الأخلاق مصداق لشخصية المؤمن

حكيمة آل نصيف

من يقرأ ويتمعن في مفردات دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد يتعرف على حقيقة الشخصية الإيمانيّة الحقة للإنسان المؤمن، لما يشتمل عليه هذا الدعاء من مضامين عالية من الصفات والسمات الأخلاقية التي ينبغي للفرد أن يتحلى بها، ويتصف بما ورد فيه من مفردات ويطبقها سلوكا وعملا على نفسه، من أجل إبراز شخصيته الإيمانية المرضية من قبل الله عز وجل والتي من شأنها أن تجعله في حالة اتزان مع نفسه ومع الآخرين، فيخرج بشخصية متزنة روحيا واجتماعيا تسعى للكمال وتكوين شخصية مصداق للشخصيات التي يُقتدى بها.

وهنا نستعرض من خلال هذا الدعاء العظيم أهم سمات الشخصية الإيمانية:

1 - التواضع: حيث يبدأ الدعاء بقول الإمام «ولا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلاّ حطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَها وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظاهِراً إِلاّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً باطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِها»

هنا الإمام يعلم العبد أسس التواضع الحقيقي الذي يبني شخصيته، ويبعده عن التعالي والغرور والتكبر على غيره، فمن خلال التأمل والتفكر في مفردات هذا الدعاء العظيم يتعلم الفرد كيف يبني شخصيته السوية التي تستحقر نفسها مهما بلغت أمام قدرة الله عز وجل ولا تنظر بتعالي على الغير، ويرى نفسه أفضل الموجودات ولا يوجد من يشابهه في ذاته وصفاته، كما يؤكد الدعاء على جانب الترفق واللين في المعاملة مع الآخرين وعدم الغلظة.

2 - الصدق والأمانة: في الرواية عن الإمام علي «الصدق أقوى دعائم الإيمان»

الإنسان الذي يتعامل بصدق في جميع أموره العبادية والمعاملاتية يكون موضع الثقة والاحترام من قبل الجميع، وهنا من مضامين الدعاء نطلب من الله أن يرزقنا الصدق في قولنا وعملنا وسلوكنا إن أردنا تطهير هذه النفس الأمارة بالسوء والحفاظ عليها من الوقوع في المهالك، ومع الصدق لا بد من الاتصاف بصفة الأمانة وتأدية الحقوق على أكمل وجه بدأ من الأمانة مع الله ومع النفس ومع الآخرين.

3 - الصبر والتحمل: الدنيا دار ابتلاء وامتحان في كل مجرياتها وأمورها، والإنسان يعيش حالة من الجهاد في هذه الدنيا في كل تفاصيل حياته جهاد في العبادة وجهاد في مقارعة فتن الزمان، جهاد في التعامل مع الآخرين وهنا يحتاج إلى التحلي بالصبر واحتمال الأذى في سبيل الله، ونرى ذلك واضحا جليا في مضامين هذا الدعاء العظيم حيث يدعو الإمام أن يرزقنا الله التحلي بحلية الصابرين من أجل الثبات على مبادئ الحق والفضيلة والاستقامة.

4 - العفو والحلم: صفتان من أجمل الصفات التي لا بد للإنسان أن يتصف بها، ويتدرب على ضبط نفسه عند أي موقف من المواقف التي يتعرض لها، فهذه الدنيا فيها الكثير من المنغصات والتي قد يخرج الإنسان من خلالها عن دائرة العقلانية ويفقد صوابه ويتسارع في إصدار الأحكام ضد الغير مما يشينه بعد ذلك ويقطع علاقاته مع الآخرين، فكم من لحظة غضب رافقتها الندامة طول العمر بسبب موقف لم يستطع الإنسان أن يضبط أعصابه فيه،

وفي هذا الدعاء نطلب من الله عز وجل كظم الغيظ وإطفاء النائرة وإصلاح ذات البين بتعقل ومصداقية وتصالح مع النفس ومع الآخرين والعفو عند المقدرة والاستطاعة على ذلك، متمثلين بقوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: آية 134]

هذه صفات الله عز وجل فمن الواجب الاتصاف بها والتقرب لله من خلالها،

ولنعرف بأن الحلم وكظم الغيظ والعفو ليس ضعفا وإنما هي من صفات المؤمن القوي.

5 - الكرم والجود: صفات يدعو الإمام في هذا الدعاء العظيم أن تكون من صفات المؤمن، وقد يتبادر للذهن بأن المقصود به هو الكرم المادي «بذل المال» فقط، وهو وإن كان شيئا جميلا فينفق على نفسه وأهله ومجتمعه مما أنعم الله عليه دون إسراف ولا تبذير؛ لأن الكرم وإظهار نعم الله من الأمور المطلوبة والتي تحبب الآخرين، ولكن لا ننسى الكرم المعنوي وهو بذل الوقت والجهد في الوقوف مع الآخرين من أهل بيته وأقاربه وجيرانه ومجتمعه ودعمهم نفسيا ومعنويا وقت حاجتهم، لذلك نرى الشخص المعطاء الكريم مساندا لغيره وقت الحاجة.

6 - المحافظة على العلاقات الاجتماعية: كل الصفات التي ذكرناها سابقا متى ما طبقها المؤمن بأسسها الصحيحة ومعاييرها المطلوبة، سيكوّن لنفسه قاعدة اجتماعية فنراه صاحب كريزما «محددات شخصية» محبوبة ومحترمة، والكل يأمل في تكوين علاقة قوية وصادقة معه، فمتى ما كان يعيش هموم مجتمعه ويشاركهم في أمورهم ويحسن التعامل مع الصغير والكبير، أصبح ذا مقبولية من الجميع.

ومتى ما داومنا على قراءة هذا الدعاء العظيم والتفكر في مفرداته ومضامينه وطلبنا العون والمدد من الله في إصلاح أنفسنا وتغيير كل ما يعيب شخصياتنا، وكنا صادقين في ذلك وأقبلنا على الله تعالى، أقبل الله تعالى علينا وأمدنا بالتوفيق والسداد.