الأحساء في تدوين المؤرخ المتخصص
تتسم الكتابة المتخصصة بأنها تتعمق في تفاصيل المعلومات في موضوع مادة البحث، وتطرق جوانبه الجزئية، لكنها لا تتوسع ولا تتشعب في موضوعات أخرى فهي مبصرة في محتوى البحث المستهدف وعمياء، وتجهل الكثير من الجوانب الأخرى المختلفة للموضوع.
بخلاف الاتجاه والكتابة الموسوعية، فهي تتبع منحى التوسع الأفقي في كل اتجاه للمعرفة بعيدا عن احتمالية التسطيح ونقص العلوم أو الانغماس في التخصص الذي يهمل الإلمام بأي شيء خارج نطاق التخصص.
وشكل التحول في الكتابة الموسوعية إلى الكتابة التخصصية مرحلة انتقالية من العلم التقليدي الذي يحبذ الموسوعية إلى العلم العصري الذي يشترط التخصص مرحلة متطورة؛ مما دفع الكثير من الكتاب، ومدونو التاريخ لخيار الكتابة المتخصصة وهو اتجاه يحد ويأطر المعارف المتوسعة، ويدفع للاستعانة بأدوات بحث تؤدي لتسطيح الثقافة الفردية والانزلاق في التخصص وتحويله إلى سمة لا تجيد إلا صنعة واحدة.
وفي ظلّ التخصصيّة المعاصرة رصد تحوّل في مفهوم ”العلوم المعاصرة“ التي فرضتها تطوّر العلوم الحديثة وتوسعها المتسارع مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، حيث صار بإمكان المتخصص أن ينجز في التقنيات العلمية إنجازات جديدة من المعارف المتقدمة والمتسارعة لم تتحقق في زمان انتشار اتجاه العلوم الموسوعية.
وقد أشار إيفان إليش في كتابه «مجتمع بلا مدارس» إلى أنّ أخطر ما في النظم التعليمية الحديثة أنّها مبنية على مبادئ ”الامتيازات الهرمية“، ذلك أنّ الذي يقضي زمنا أطول في النظم التعليمية التخصصية، ويحصل على شهاداتها يتبوأ مكانة أرقى في المجتمع، وفي سوق العمل بمعنى أن التخصصية متعلقة بالصعود الهرمي الذي يعطي الامتياز لمن يصعد أسرع من غيره.
وضمن التوجه العلمي المتخصص والكتابة في مجالها، فإن أحد الإشكالات التي تثار على المؤرخ المختص أن معلوماته متخصصة ومحددة في جانب معين فلا يمكنه أن يجيب على تساؤلات في جوانب تاريخية مختلفة عن موضوعات التخصص لعدم اطلاعه عليها، وقيل فاقد الشيء لا يعطيه.
ويمكن معالجة هذه الإشكالية من خلال الانطلاق من التخصص كقاعدة معرفية، والانفتاح على العلوم والمعارف الأخرى باعتبارها مساندة للأصل التخصصي؛ إذ لا يكون الإنتاج المعرفي الموسوعي بغير تخصصٍ دقيق، والاتجاه لقراءات خارج التخصص توسّع المدارك، وتثري القرائح بآفاق واسعة للمعرفة.
وفي دائرة الكتابة المتخصصة فقد كتب الكثير من الباحثين والمؤرخين المتخصصين عن تاريخ الأحساء الكثير من الكتب المتخصصة، وشملت هذه التدوينات المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية والأدبية.
فمن هذه الكتابات المتخصصة القديمة عن تاريخ الأحساء ما كتب في عام 1955 م للكاتب «فيدركو شمد فيدال» في كتابه ”واحة الأحساء“ ويحوي الكثير من التفاصيل الاجتماعية والاقتصادية والآثار لمنطقة الأحساء وفي بداية الستينيات الميلادية صنف الكاتب محمد العبدالقادر مؤلف ”تحفة المستفيد“ عام 1960 م، وكتب علي ابن المقرب العيوني ديوان ابن المقرب، وشكل أحد المصادر القديمة المهمة والرئيسة لتاريخ المنطقة.
وفي عام 1988 م صدر كتاب منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ لمؤلفه خالد جابر الغريب، وفي عام 1989 م صدر كتاب صفحات من تاريخ الأحساء، ويحوي مقالات تتحدث عن الأحساء في بعض أدوارها التاريخية لكاتبه عبد الله بن أحمد الشباط وفي عام 1992 م صدر كتاب الحياة الإدارية في سنجق الإحساء العثماني «1871-1913» لمؤلفه محمد حسن العيدروس وكتاب تاريخ الأحساء السياسي «1818 - 1931» للدكتور محمد عرابي وكتاب الإدارة العثمانية في متصرفية الأحساء «1288 - 1331 ه/ 1871 - 1913 م» للدكتور محمد بن موسى القريني وكتاب من وثائق الأحساء في الأرشيف العثماني للدكتور سهيل صابان وكتاب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إقليم الأحساء «1288 - 1331 ه/ 1871 - 1913 م» للدكتور حمد محمد القحطاني.
وفي عام 2002 م صدر كتاب ”المختار من الأمثال الشعبية في الأحساء“ للكاتب إبراهيم بن عبدالمحسن آل عبدالقادر وصدر عام 2003 م كتاب ”الشعر الحديث في الأحساء، 1301-1400 ه“ للدكتور خالد بن سعود الحلبي ونشر في عام 2017 م كتاب الأحساء ذاكرة التعايش للدكتور محمد الغامدي وصدر في عام 1431 هـ كتاب ”نبع الذاكرة“ للكاتب مساعد الشعيبي، ويحوي رصد للحالة الاجتماعية والاقتصادية في الأحساء خلال الفترة 1340 / 1390 هـ - 1920 / 1970 م وكذلك صدر في عام 1431 هـ كتاب مدينة الهفوف للدكتور محمد جواد الخرس، ويحوي مدخلًا حضارياً لدراسة مظاهر الحياة في مدينة الهفوف بمحافظة الأحساء وكتابي جواثى تاريخ الصمود وهجر وقصباتها الثلاث للكاتب عبد الخالق الجنبي وكتاب ماضي القارة وحاضرها للكاتب أحمد العيثان وكتاب ”أحسائيون مهاجرون“ للشيخ محمد الحرز وكتاب تاجر الأحساء إبراهيم بن صالح المهنا «1316 - 1397 هـ» تأليف يوسف بن عبد العزيز المهنا.
وفي نطاق الكتابة المتخصصة صدر حديثًا كتاب ”الأحساء كما شاهدها الغربيون“ وتحوي دراسة عن الأوضاع الاجتماعية والصحية في الأحساء كما جاءت في كتب الرحالة والمستكشفين الغربيين 1331-1373 هـ/ 1913-1953 م”للكاتبة العنود محمد الخليف وكتاب ”من الذاكرة الأحسائية“ ويحوي صفحات من تراث الأحساء في القرن العشرين للكاتب أحمد البقشي وكتاب ”قرامطة الأحساء بين واقعية الحدث ونمطية التوصيف“ قراءة تحليلية نقدية لوصف الأحساء للمؤلف حسين الملاك وكتاب أعلام الأحساء في القرن الثالث عشر تأليف عبدالله الذرمان وكتاب ”المعجم الإثنوغرافي للمصطلحات الدارجة في البيئة العمرانية التقليدية في الأحساء للدكتور سعيد بن عبدالله الوايل وكتاب“ الطبابة والأوضاع الصحية في الأحساء ”ويحوي ملامح تاريخية للكاتب محمد علي الحرز و“ قاموس الأمثال والكلمات السائرة في الأحساء" إصدار جديد للمهندس عبدالله الشايب، ويحوي 8 أجزاء، وهذه نماذج للكتابة المتخصصة القديمة والحديثة عن الأحساء، ولا يسع ذكر جميع الإصدارات المتخصصة في هذا المقال.
وختاماً نشير إلى أن الاتجاه المتخصص والكتابة المتخصصة لا تغني من أن يسعى المؤرخ لتوسيع اطلاعه وقراءاته واكتساب المعارف التاريخية المتنوعة والانطلاق من التخصص كقاعدة معرفية إلى تحقيق القدر الممكن من الموسوعية.