التنشئة الأسرية
كثيرا ما يشار إلى الأسرة كمصدر ومنبع لما يمتلكه الأبناء من أفكار وسلوكيات، فالطفل مرآة كاشفة عما يدور في البيت من طريقة تفكير وتعامل حيث أنه يحمل ما يؤمنون به، فالتنشئة الاجتماعية والتعامل مع أفراد المجتمع والأعراف والتقاليد والقيم السائدة فيه، تسبقها التنشئة الأسرية وإعداد الفرد للخروج إلى بيئة أكبر، فيطبق ما يحمله من مبادئ وطرق تعامل تحقق له الانسجام والتوافق مع الآخرين، فالعلاقات الاجتماعية في خط سيرها نحو الاستقرار والتفاعل والحيوية والنجاح نتاج القيم والأسس التي تلقاها الفرد على نطاق أسرته، فالبداية تكون من أساس الاحترام والتقدير للآخر في شخصيته وأفكاره وخصوصياته بغض النظر عن القناعة بها، كما أن روح التعاون والمساعدة تبني علاقة جيدة ورصينة، فالاحتياج إلى الآخر والركون إليه في الأوقات الصعبة أمر طبيعي وهذا العون سيخلق روح المحبة، وفي المقابل فإن روح الأنانية ستجعل منه فردا لا يحب إلا نفسه ولا يتحرك باتجاه مساعدة الغير، فيبخل عن إعطاء جزء من وقته وجهده للاستماع للآخر والتخفيف عنه، كما أن العلاقات لا تستمر إن كان أحد الطرفين يقف بالمرصاد أمام أي خطأ غير مقصود، فيواجهه بالتعنيف والتغليظ في الكلام ولا يمكنه أن يتسامح مع أي تقصير في حقه، بالتأكيد أنه سيواجه المتاعب الاجتماعية والتوترات في علاقاته وما يشوبها من نفرة وانسحابات من حياته.
فما هي تلك القيم الاجتماعية التي يمكن أن تقدمها الأسرة لأبنائها والتي من خلالها يستطيع الابن أن ينشأ نشأة سوية؟
أولا: العدالة والمساواة بين الجميع: من أهم المبادئ التي يجب على الوالدين تحقيقها في الأسرة تطبيق العدل والمساواة بين جميع الأبناء، فلا بد من التعامل مع الجميع بهذا المبدأ وتوزيع المهام والفرص بينهم دون تمييز لفرد عن الآخر حتى وإن اختلفوا في التفكير أو المستوى الديني والعلمي والثقافي والاجتماعي، نحن نقدم لهم جميعا - بالتساوي - الفرص وبعد ذلك كل فرد ينمي تلك الفرص ويستغلها، ونحن في المقابل نبقى على مبدأ العدل والمساواة بينهم في المحبة وتعزيزهم والرفع من شأنهم، فهذا جدير بصناعة شخصياتهم نحو الأفضل.
وثانيا: الاحترام المتبادل: ويقصد به التقدير واحترام خصوصية كل فرد وآرائه مع تعديل ما يحتاج للتعديل والإصلاح دون انتهاك حرمة أي فرد من أفراد الأسرة، ومتى ما سعى الوالدان لتحقيق هذا المبدأ وغرسه وزراعته في نفوس أبنائهما من الصغر، سيكون طريقا سهلا لتطبيق الأبناء هذا السلوك مع الوالدين أولا وثانيا مع بقية أفراد الأسرة، لذا لا نغفل عن هذه القيمة الاجتماعية إن أردنا أن نحظى بأبناء أسوياء في سلوكهم وطرق تفكيرهم.
وثالثا: روح التعاون: من أجمل القيم التي تزرع روح العمل الاجتماعي والعيش بروح المساعدة المتبادلة والأخذ مقابل العطاء، هو زرع عنصر التعاون بين الجميع من خلال العمل الجماعي والقيام بمساعدة من يحتاج للدعم والمساندة سواء في الواجبات أو تعديل التفكير والسلوك، دون الانتقاص من الفرد المحتاج للمساعدة أو اتكال الأفراد على غيرهم في القيام بواجباتهم؛ لأن هذا يورث الكسل والبعد عن تحمل المسؤولية، فالتعاون المقصود به هو المساعدة والمشاركة لتحقيق النجاح وإلغاء مبدأ الأنانية وليس الاتكال على الغير وترك ما عليه من واجبات وحقوق.
وأخيرا: التسامح: وهو من أهم القيم والمبادئ الإسلامية التي حث عليها الشارع المقدس مع الجميع، لذا يجب على الوالدين غرس هذه القيمة الجميلة بين الأبناء مهما صدر منهم من أخطاء وسلبيات، فلا بد أن تكون هناك مساحة من المسامحة وإعطاء الفرصة لهم للتقدم وتصحيح أخطائهم، ولكن ليس معنى ذلك أن نتجاوز عن أخطائهم ومسامحتهم دون توجيه وتعديل لسلوكهم الخاطئ، فهذا من أخطر الأمور التي تأخذ بالفرد نحو الوقوع في المهالك، ولكن المسامحة هي تقديم النصح والإرشاد للأبناء وفي المقابل تقبل الطرف الآخر للنقد البناء وقبول الآراء التي من شأنها تعديل سلوك الفرد.