آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

تمهيد الطريق للقطاع الخاص.. ليقود

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

مستهدف وطني للرؤية أن تصبح مساهمة القطاع الخاص 65 بالمائة في العام 2030. تحدي كبير أمام الاقتصاد السعودي أن يحقق ذلك كماً وتحدي أكبر أن يحققه نوعاً، فتحقيقه نوعاً يعني تحقيق قفزة في القدرة التنافسية كذلك.

وهكذا، فتحقيق مستهدف 65 بالمائة لا يُختَزَل في مجرد تحقيق ارتفاع في النسبة رغم أهمية ذلك، بل كذلك الارتقاء في مستوى التنافسية من خلال التحسين المستمر في مكاسب الإنتاجية «productivity gains»، والانتاجية تعني كفاءة السعودية في انتاج السلع والخدمات، وهذه لها عناصر أهمها العنصر البشري، الذي تقاس من خلال مؤشر قيمة الناتج المحلي الإجمالي لكل ساعة عمل، والأعلى إنتاجية بين اقتصادات مجموعة العشرين هو الاقتصاد الأمريكي، وإذا أخذنا قيمة هذا المؤشر نجد أن الدراسات رصدت تراجعاً في الإنتاجية في السعودية في بداية الألفية. وتحسين القدرة التنافسية هي الفيصل بين الاقتصادات القادرة على مدافعة الاقتصادات الأخرى والتقدم عليها، ووفقاً لنموذج البرفسور مايكل بورتر واسع الانتشار، فهي ترتكز إلى امتلاك الدولة لعناصر الإنتاج، وللطلب، وللصناعات والخدمات المكملة والمساندة، والتوجه الاستراتيجي. أما كيف تحسن الإنتاجية القدرة التنافسية فهي من خلال امتلاك زمام التقنية والابداع والحرص على الجودة والتميز.

السؤال: هل يستطيع الاقتصاد السعودي فعل ذلك؟ لنتذكر أن المنطلق الذي ارتكزت عليه رؤية المملكة 2030 هو أنه ينبغي عكس التراجع في الإنتاجية ليتحول إلى التحسن الإيجابي، إذ أن التراجع في الإنتاجية يعني افتقار الاقتصاد السعودي للقدرة على المنافسة، وتحديداً في الأنشطة غير النفطية، وظهرت دراسات عديدة تتمعن في ذلك وتحلله وتسعى لوضع الحلول. وعند الحديث عن الأنشطة غير النفطية فنحن نعني - بامتياز - القطاع الخاص بمشآته المجهرية والصغيرة والمتوسطة والعملاقة، بأن تكون قادرة على تحسين انتاجيتها بامتياز حتى تسطيع أن تبز المنافسين، ويستطيع المنتجون المحليون المنافسة محلياً ودولياً.

ومن السهل الحديث عن أهمية تحسين تنافسية القطاع الخاص، لكن تحقيق ذلك ليس أمراً سهلاً إذ يتطلب استزراع عوامل تحسين الإنتاجية واستنبات عناصر تعزيز القدرة التنافسية. لكن كيف؟ الإجابة التي وضعتها رؤية المملكة 2030 هو استحداث برنامج تنويع الاقتصاد السعودي بقيادة صندوق الاستثمارات العامة، الذي وضع خارطة طريق غير تقليدية، رسمت معالمها حزمة من المبادرات والجهود.

لم يكن يسيراً زحزحة مساهمة القطاع الخاص لتبدأ في أخذ دور قيادي يحل محل النفط، ليتحول من الاعتماد على العقود الحكومية إلى صنع واغتنام الفرص للاقتصاد السعودي. - لا اقول إن هذا أمرٌ قد تحقق بالكامل، لكن لا شك أن ثمة خطة وجهد يؤديان إلى نتائج، ومن شواهد ذلك ان مساهمة القطاع الخاص أخذت تتحرك نحو الأعلى في طريق تحقيق مستهدف 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ولعل من المناسب الاشارة إلى أن مساهمة القطاع الخاص نسبة للناتج المحلي الاجمالي لم تتجاوز 29 بالمائة خلال العقد الأول من الألفية، ولم تتجاوز 39 بالمائة خلال الفترة 2010-2017، أي خلال الفترة السابقة لإطلاق رؤية المملكة 2030، فضلاً عن أن نمو مساهمة القطاع الخاص متواصل بوتيرة متصاعدة على مدى 5 ارباع، بالأسعار الثابتة، وأن مساهمة القطاع في توليد القيمة المضافة الاجمالية بلغت 50% في الربع الثالث 2024 «محتسبةً من الاحصاءات الرسمية»، وهي قمة جديدة غير مسبوقة لمساهمة القطاع الخاص، وتعادل «من حيث القيمة» 170 بالمائة من مساهمة القطاع النفطي.

كيف تحقق ذلك؟ من حيث مكونات الناتج المحلي الإجمالي فقد تحقق ذلك نتيجة لنمو كبير في «1» الاستهلاك الخاص «150 بالمائة مقارنة بالربع النظير من العام 2016» وفي «2» اجمالي تكوين راس المال الثابت «140 بالمائة مقارنة بالربع النظير العام 2016». أما من حيث الوصول لذلك، فكان محصلةً لتكاتف جملة من المبادرات الممكنة والتنفيذية، أما الممكنة فكانت المساهمات المتراكمة التي كان من بينها إطلاق برامج الرؤية كماً كبيراً من المبادرات المتعاضدة أزالت انسدادات وعوائق تنظيمية وإجرائية وتمويلية من طريق القطاع الخاص. وعلى وجه التحديد فقد كان التحرك كذلك على محاور من أبرزها: مبادرة“شريك”للشركات الوطنية العملاقة، واستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة وإعادة توجيه بوصلة الاستثمارات لتتجه نحو الداخل من خلال جهد متسق لفتح منافذ جديدة لمساهمة القطاع الخاص عبر وضع بذور للمشاريع العملاقة وبنيتها التحتية والعناصر التطويرية التي لن يقدم القطاع الخاص بدونها على تحمل مخاطر الاستثمار في مناطق نائية أو أنشطة غير مطروقة محلياً، وبالتأكيد كان لصندوق التنمية الوطني وتوليده لحزمة من الصناديق تتماهى مع الأنشطة المستجدة للسياحة والثقافة والفعاليات وللبنية التحتية أثر بالغ.

فضلاً عن ذلك فقد أحدثت شركات الصندوق ال 99 حراكاً لا يهدأ، استزرع بذوراً وممكنات في مفاصل وهيكل انشطة القطاع الخاص، ليقلبها من تقليدية إلى الاقدام على استثمارات ومبادرات“خارج الصندوق”وخارج عن المعتاد، بما يؤهل القطاع ليأخذ طريقه في رحلتهِ نحو قيادة الاقتصاد الوطني.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى