آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 12:22 م

رحلة الوعي العربي بين الواقع والطموح

الشيخ حبيب آل جميع *

قراءة وعرض: حبيب آل جميع

اسم الكتاب: رحلة الوعي العربي

الكاتب: جلال صادق العلي

الناشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

سنة النشر: ط 1-1446 هـ -2025 م

عدد الصفحات: 102 صفحة، قياس «12117 سم»

ترعرع الوعي العربي منذ لحظة تشكله بين ثلاثة أحضان: حضن القبيلة حضن الدين حضن السياسة. وكانت القبيلة هي الحضن الأطول احتضاناً للوعي العربي حتى حينما انتصر الدين على الوعي الجزئي؛ بل وحتى في هيمنة السياسة وتشكيلها الولاءات والأيديولوجيات، وطرأت على السطح الأحزاب؛ فالحداثة التي شهدتها المنطقة العربية، فيما يتعلق بالانتقال من القبيلة إلى الدولة، لم تستطع إزالة القبيلة من الخريطة؛ فكانت القبيلة هي الملجأ الأخير في حال اهتزازات الدولة؛ فالخلافة الراشدة بنيت على أساس القرشية. والأمويون بنوا دولتهم على أساس الولاء للبيت الأموي، وكذلك العباسيون والعثمانيون.

حتى في العصر الحديث، العصر الذي اختفت فيه سلطة القبيلة بعد قوة الدولة وقيادتها لها وللمجتمع؛ بقيت القبيلة احتياطاً إستراتيجياً للدول ذات الأحزاب؛ وتحديداً الجمهوريات. فاليمن جمهورية وبقي واقع القبيلة حاضراً. والعراق جمهورية وبقي واقع القبيلة حاضراً. وكذلك في ليبيا. وأيضاً في الأنظمة الملكية؛ فاستقرار الأردن، مثلاً، مرهون بخلق التوازن مع العشائر، بالإضافة إلى الدعم الدولي المتوازن لضمان استقراره، بما أنه على تماس مع إسرائيل. فالأنظمة العربية على اختلاف مسمياتها، جمهورية أو ملكية تضع في حسبانها استقرار القبيلة والتحالف معها وكسب ولائها.

أما الدين الذي هو المحدد الثاني فقد أعطى الدولة هوية منحتها الشرعية من جهة والاستقرار من جهة أخرى؛ والمقصود هنا الدين بصفته هوية للجميع الحاكم والمحكوم وليس انتماء لبعض الأحزاب. ولتجذره في نفوس حامليه استطاع في مرحلة تشكله أن يخترق القبيلة وتكون له الأولوية؛ حتى انقسم أبناء القبيلة الواحدة بين رافض له وبين مؤمن به، مما اضطر الطرفان إلى ساحات المواجهة ليتسلم زمام المبادرة ما يقرب من أربعين سنة ثم يعود المشهد إلى سلطة القبيلة.

أما الحضن الثالث الذي هندس الوعي العربي وتحكم في مساره فهو الولاء السياسي؛ فلم تعد المجتمعات العربية والإسلامية رهن ثقافة القبيلة أو الانتماء الديني، وإنما رهينة الولاء السياسي. فقد يكون ابن العقيدة وابن الدين نفسه مبعداً من دائرة السلطة ويكون أبناء الديانات الأخرى مقربين وفي صلب الدولة. لذا تحالفت الدول العربية مع الدول المسيحية وعاشت فترات قطيعة وحروب مع دول عربية وإسلامية. فالذي يحقق استقرار الدولة هو المتاح له للدخول في وعي الدولة وعنايتها. ومن هذا المنطلق لم يستقر الوعي العربي على أرضية ثابتة بل ظل يتأرجح بين القبيلة والدين والعقل السياسي.

يتكون الكتاب من ستة فصول، تطرق في الفصل الأول إلى كيانات عربية صغرى مسلطاً الضوء على ثنائية عدنان - قحطان، وفي الفصل الثاني عالج موضوع الدولة الاستثناء وتجنيد الوعي لصالح دولة العائلة، وناقش في الفصل الثالث الوعي الخاص والصراع العلماني - الإسلامي، والوعي لصناعة الدولة، أما الفصل الرابع فخصصه لمعركة الوعي في ساحة ولي الأمر، مبيناً إشكالية الوعي تحت ذريعة الأمر الواقع، وانقسام الوعي العربي، وفي الفصل الخامس سلط الضوء على مسألة العودة إلى الكيانات الصغرى وأورد موضوع العشيرة ومقاومة الاحتلال البريطاني في العراق كنموذج، وختم الفصل السادس بعنوان تقدم وعي وتراجع وعي آخر، وفي حقيقة الأمر لم تكن الأمة، عبر تاريخها الطويل، قادرة على أن تستظل تحت راية وعي واحدة، لذا يتدخل الوعي القادم من الخارج ليشعل انتكاسة الوعي المتربعة على صدر الأمة العربية والإسلامية منذ قرون!

ومن الإنصاف القول: إن معركة الوعي والوعي المضاد صنيعة الأمة نفسها واستفاد أعداؤها من هذه المعركة، ليحققوا انتصاراتهم دون أن يخوض معركة؛ فمعركة السلاح لها بداية ولها نهاية؛ ومعركة الوعي بلا نهاية، ولذا استمرت فكرة تحريض الوعي ضد الوعي الآخر لتبقى الأمة في ضعف دائم، وفي حاجة دائمة لمن ينقذ بعضها من بعض، حتى لو كان المنقذ عدواً لجميع أطراف الأمة، ومن مصلحته ألا ينتصر وعي على آخر ليضمن تجدد المعركة.

رئيس تحرير مجلة الساحل