آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

مأذون وقصة

ظروف قاهرة أجّلت العقد

الشيخ محمد الصفار

يوم الأربعاء مساءً طلبت من العريس أن يرسل لي جميع الوثائق المطلوبة لإنجاز العقد، ثم سألته إن كان يعلم بشروط مخطوبته، فقال: "إنها طلبت أمرين، ترغب تثبيتهما في العقد.

الأول: توفير السكن المستقل، والأمر الثاني: السماح بالاستمرار في الوظيفة"، وانتهت المحادثة بيني وبينه إلى هذا الحد.

ثم يكمل أحد أصدقائي المأذونين القصة، كتبت المعلومات المرتبطة بالعريس والعروس والشاهدين في دفتر الضبط، ومن عادتي ألا أكتب شيئًا من الشروط بين الزوجين، حتى أتحقق وأسمع ذلك من العروس مباشرة.

كانت الدعوة للعقد واسعة، تتعدى الأقارب إلى الأصدقاء وزملاء العمل، وكان مكان العقد في منزل والد العروس، ففيه قبو كبير، أتصور أنه يتسع لأكثر من مائة وعشرين شخصًا، أما الوقت فهو الثامنة مساء الخميس.

ثم يكمل صديقي المأذون، صباح الخميس اتصل بي والد العروس، وبعد السلام والتحية قال: إن البنت تشترط شروطًا في عقدها، فقلت له: ”نعم أعرف ذلك، وذكرت له الشرطين“ فقال: ”هناك شرط ثالث، وهو أن تكون حرة التصرف في راتبها وأموالها، فهي موظفة منذ سنوات في سلك التعليم، وتود الاحتفاظ براتبها ملكَا خاصًا لها“، قلت له: ”لا داعي لهذا الشرط، فأموالها لها“، لكنه طلب مني توضيح الأمر للزوج.

اتصلت على الفور بالزوج، وسألته عن الأمر، فكان رده أن هذا هو الزواج الثاني لي، ولا أتمكن من الصرف على زوجتين، وفتح منزلين، ورغبتي أن تتكفل هي بالصرف على نفسها، سكنًا ومعيشة وعلاجًا، وقد تحدثت معها في ذلك.

تواصلت مع والد العروس، وأخبرته بالأمر، وطلبت منه الحديث المباشر مع الفتاة، فأوصلني بها، أخبرتها عمّا قاله خاطبها، وقلت لها: ”إن قبلت بالشرط فهو صحيح“، فردت: تحدثنا في الأمر ولكن لم نتفق، وأنا لا أستطيع الزواج بمن يتخلى عن مسئوليته تجاهي باكرًا ومن أول الطريق.

أعدت الاتصال بالعريس، وطلبت منه أن يتفاهم مع عروسه حول الأمر، وأن يزودني بالنتيجة، لأن الوقت ليس في صالحهما، فالعقد سيكون مساء، أي بعد ساعات معدودة.

أتذكر أن الوقت كان الحادية عشر صباح الخميس، وقبيل صلاة المغرب من نفس اليوم وصلتني رسالة مفادها ”نعتذر لكم عن تأجيل عقد الزواج لظروف قاهرة“، بعد وصول الرسالة اتصل بي والد العريس، ليخبرني أن التوافق بينهما حول المصرف والمعيشة لم يتم.

مستوحيات القصة:

1/ في الأصل أموال المرأة ملك لها، ولا يحق للزوج الاقتراب من أموالها إلا برضاها، سواء اشترطت هذا الشرط في العقد أم لا.

2/ توفير المسكن والمأكل والمشرب والعلاج، وكل ما هو متعارف عليه هو من واجبات الزوج، وعليه أن يصرف من ماله على زوجته، ولا علاقة للزوجة بها وإن كانت موظفة ومقتدرة ماديًا.

3/ يمكن للخاطب أن يشترط على مخطوبته أن تتكفل هي بسكنها ومعيشتها وملبسها وعلاجها وغير ذلك، فإذا وافقت، فقد أسقطت حقًا من حقوقها عليه، وحينها عليها أن تتكفل بكل هذه الأمور.

4/ إذا أبدت المرأة استعدادها للصرف على نفسها فعلى الزوج أن لا يكون متبلد الإحساس.

إنّ مساهمة الزوج في شؤون الأسرة تشكّل فارقًا كبيرًا تدركه أحاسيس المرأة، ويترك أثرًا وازنا لمعنى الزوجية.

هذا الشعور النفسي والعاطفي للمرأة لا بد من مراعاته، فالحياة ليست مأكلًا ومشربًا وفراشًا فقط.

5/ إذا قبلت المرأة بزوج لتكمل نصف دينها، ولتحفظ نفسها، وتلبي رغبة الأمومة عندها، فهذه أهداف مقدسة، وإذا كان الطريق لتحقيقها هو الوقوف مع الزوج وحمل بعض أو كل الأعباء عنه فالأمر عقلائي ومقبول، وهو دليل على عفة وكرامة تلك المرأة.

فوائد:

1/ يحصل ”أحيانًا“ أن الزوجة الثانية لا تقبل أن تكون أقل حظوة من الأولى، وقد تتنازل - حين العقد والارتباط بها - عن بعض حقوقها، لكنها بعد أن تستقر بها الحياة سترى أن الأولى تتمتع بعطاء الزوج، وهي لا ترى منه سوى الفراش، وحينها ستبدأ الأفكار تتقاذفها ذات اليمين وذات الشمال.

2/ لقد حضرنا بعض المشاكل التي ترى الزوجة الثانية أن الفراش ليس خدمة يقدمها الزوج لها، بل هو خدمة تقدمها هي له، ومعنى ذلك أنه لا يقدم لها شيئًا أبدًا.

3/ الكرم في الحب، والإكثار من المشاعر الدافئة، والمزيد من الحنان، ربما يكون تعويضًا مقبولًا من الزوج اتجاه مثل هذه الزوجة، أن الشعور بسخاء العطاء من الطرف الآخر يزيد من التمسك به.

3/ هذا لا ينفي أن بعض الزوجات يتحمّلن ويقبلن بهذا الأمر، لطيبٍ وخلقٍ حسن فيهن، أو لطلب الستر والعيش في كنف زوج، أو لظروف ضاغطة عليهن، أو لأي سبب آخر.

وعلى كل تقدير الأفضل ألا يرفع الزوج يده عن الصرف.