آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

محمد آل قاسم قصة وفاء

عيسى العيد *

عندما يتصف أحد الأشخاص بصفات أخلاقية في تعامله مع الناس من مجتمعه، فإن تلك الصفات تعكس حب الناس له. قد لا يظهر هذا الحب بشكل واضح في حياته، لكن بعد وفاته يشعر من حوله بالخسارة، حيث إن صدمة خبر رحيله تجعل المتلقي يستدعي كل مشاعره وأحاسيسه المخزنة في عقله الباطن. لذا، فإن رحيل هؤلاء يحزن من يعرفهم، ويؤلمهم فقدهم، فهم من إذا ماتوا، حنّ عليهم من عرفهم.

الأخ والصديق محمد آل قاسم مثال لمن يحمل تلك الصفات الأخلاقية التي جعلت من يعرفه يحزن لفقده، بل لا يستوعب الخبر الصادم برحيله. كنت واقفًا في انتظار وصول جنازته رحمه الله، وبجانبي سماحة الشيخ فيصل العوامي، الذي كان يقول لي: إن خبر رحيل أبي جواد كان مفاجئًا لجميع من حضر تشييعه، وطوال التشييع كان يترحم عليه ويستذكره. وهذا مجرد مثال واحد بين حضور غفير من مختلف الطبقات، حيث كان كل من حضر يلمس ما ذكرته. وربما يتساءل البعض: لماذا كل هذا الحزن وهذا الحضور الكبير في وداع الفقيد؟

أبو جواد كان يتمتع بصفات كثيرة، أبرزها ابتسامته الدائمة، وهدوء طبعه، وتدينه الواضح، الذي كان يتجلى في تواجده المستمر في المسجد والحسينية، وارتباطه الوثيق بالمشايخ، خصوصًا سماحة الشيخ حسن الصفار والشيخ فيصل العوامي.

لكنني أود التطرق إلى صفة بارزة فيه، رحمه الله، وهي الوفاء بكل معانيه.

وفاؤه للأصدقاء

تعرفت على المرحوم أبي جواد قبل عقود من الزمن، وكان ملازمًا لرفيق دربه السيد حسين المقبل، حيث كانا يأتيان معًا إلى جزيرة تاروت في فترة الصغر. ظلّا صديقين حتى آخر يوم في حياته، فكنت أمازحهما وأقول: منذ عرفتكما وأنتما لا تفترقان!، فيرد عليّ محمد: لن نفترق إلا بعد الممات! سبحان الله، قلّ من يمتلك مثل هذا الوفاء في زماننا.

ومنذ عودة سماحة الشيخ حسن الصفار، كان أبو جواد ملازمًا له في المسجد وفي مجلسه، لا يتأخر عن الحضور إلا لظرف طارئ. وكذلك كان ملتزمًا مع الشيخ فيصل العوامي، حيث كان يوثق حلقاته المصورة، ولم يكن يتأخر عن موعده أبدًا.

لا زلت أتذكر أحد أيام شهر رمضان، عندما كنت في مكتب الشيخ حسن الصفار في أول يوم من الشهر، وقد شعرت بوعكة صحية وآلام في الرأس. أسعفني أبو جواد إلى المستشفى، حيث تم إعطائي مسكنًا وعادت صحتي إلى طبيعتها. بعد ذلك، طلبت منه أن يوصلني إلى سيارتي، لكنه رفض وأصرّ على إيصالي إلى منزلي.

هذه مجرد قصة واحدة من قصص وفائه، ومن يعرفونه عن قرب قد تكون لديهم قصص مشابهة.

تلك الصفات التي امتاز بها أبو جواد جعلته حاضرًا في قلوب محبيه الذين أحزنهم رحيله. فرحمك الله يا أبا جواد، فقد خسرنا وجودك بيننا، ولكن صفاتك الأخلاقية ستظل خالدة في نفوس محبيك، وستكون شفيعة لك في آخرتك.

وهكذا، تبقى الأخلاق الحميدة والإخلاص في التعامل إرثًا لا يزول، فمن عاش بها، بقي حيًا في قلوب الناس وإن رحل بجسده.