آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

الوهم وتأثيره على الأفراد والمجتمعات

عيسى العيد *

تنتاب كل إنسان تصورات داخلية تكمن في نفسه، هذه التصورات في العادة غير مطابقة للواقع، بل خادعة لصاحبها. يُطلق على هذه التصورات“الوهم”، وله صفات مختلفة؛ بعضها مرتبط بالأشياء الحسية، وأخرى غير ذلك. ينشأ الوهم من أخطاء في الإدراكات الحسية أو من تأثيرات عقلية ونفسية.

أفلاطون وصف كيف أن البشر يعيشون في عالم من الظلال، وهو ما يمثل الأوهام، بينما الحقيقة المطلقة موجودة في عالم الأفكار أو“عالم المثل”. اعتبر أن ما نراه في الحياة اليومية هو مجرد نسخ غير مكتملة للحقيقة، وأن الوهم هو جزء من هذه التجربة، حيث يظل الناس أسرى له حتى يتحرروا من خلال الفلسفة والعلم. الأوهام تعطل الحركة العقلية، وينتج عن ذلك تأخر في السلوك الإيجابي لدى كل من يبتلى بتلك الأوهام، بل أن البعض عندما يستسلم لتلك الأوهام يقع في مصيدة الأمراض النفسية التي تنعكس على سلوكه وتعطل حياته الاجتماعية.

في بعض الأحيان، يرتبط الوهم بالخداع الذاتي، حيث يتبنى الفرد أفكارًا وتصورات غير حقيقية لكنه يجد نفسه غير قادر على التخلص منها. في الدين الإسلامي، هناك تحذيرات من الأوهام باستخدام مصطلحات قد تختلف عن تلك المستخدمة في عصرنا الحاضر. مثال على ذلك قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: آية 41].

أنواع الأوهام

1. الوهم الحسي: كأن يرى الشخص أشياء أو يسمع أصوات لا مصدر لها، مثل أن يتوهم رؤية شخصية عامة في ضوء القمر أو سماع صوت مخيف في مكان ما. كل ذلك ناتج عن تأثيرات نفسية على صاحبه. 2. الوهم النفسي: هو اعتقاد الشخص بشيء غير حقيقي بسبب اعتقاداته النفسية. وأبرز مثال على ذلك هو الغيرة بين الأزواج أو زملاء العمل.

الوهم الاجتماعي

أما الوهم الاجتماعي، فهو أحد أخطر الأوهام. يحدث عندما يؤمن المجتمع بأفكار معينة غير قائمة على الحقائق، وتنتشر بين الناس حتى تصبح جزءًا من تفكيرهم الجمعي. من الصعب التخلص من هذه الأوهام، لأنها غالبًا ما تصبح جزءًا من الهوية الاجتماعية والثقافية.

مثال حي على الوهم الاجتماعي: في بعض المجتمعات، يسود اعتقاد بأن قيمة الشخص تتحدد من خلال امتلاكه لماركات فاخرة من الملابس أو السيارات. هذا الوهم يؤدي إلى ضغط اجتماعي كبير على الأفراد، مما يجعل الكثيرين يسعون لامتلاك تلك الماركات الفاخرة، حتى وإن كان ذلك على حساب دخولهم المادية أو رغباتهم الشخصية. يتبنى الأفراد هذا السلوك بناءً على توقعات مجتمعية وهمية تعزز من فكرة أن السعادة والمكانة مرتبطة بامتلاك مظاهر الرفاهية، بينما في الواقع قد تكون هذه الأمور غير ذات صلة بحقيقة رضا الفرد وسعادته.

نيتشه رأى أن الأوهام يمكن أن تكون مفيدة في بعض الأحيان، حيث اعتبر أن بعض الأوهام قد تمنحنا معنى وقوة للحياة. لكنه أيضًا انتقد الأوهام الاجتماعية والدينية التي قد تُفرض على الأفراد كمعتقدات غير قابلة للتساؤل، معتبرًا أن التحرر من هذه الأوهام يتطلب نوعًا من“الإنسان الفائق”القادر على خلق قيمه ومعانيه الخاصة.

الأوهام وعلاقتها بالنمو الاجتماعي

تأخر النمو الاجتماعي والعقلي هو نتيجة حتمية للأوهام، حيث يتسبب الوهم في تأخير التطور الفكري، وإعاقة المبادرات الإيجابية، بل وقد يؤدي في حالات شديدة إلى انتشار الأمراض النفسية والعزلة الاجتماعية. هذه الأوهام غالبًا ما تكون نتيجة للهروب من المسؤولية والخضوع لحالة من الكسل والخوف من مواجهة الحقائق.

الوهم، سواء كان فرديًا أو اجتماعيًا، هو تحدٍّ يعطل مسيرة العقل والفكر، ويؤخر النمو الاجتماعي. التحرر منه يحتاج إلى شجاعة وإرادة، وتوجيه الجهد نحو التفكير النقدي والعلمي بدلاً من الخضوع للتأثيرات النفسية والاجتماعية.

الأوهام ليست مجرد تصورات فردية، بل هي عوائق جماعية قد تتطلب أحيانًا إعادة تقييم شاملة للنظرة المجتمعية والقيم السائدة لتحرير الفرد والمجتمع من قيودها، والسعي نحو بناء واقع يعتمد على الحقائق والوقائع.