تفتيش سيدة في مركز تجاري من المسؤول؟
تناقلت العديد من مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مؤثر لسيدة سعودية تروي فيه أحد أسوأ المواقف التي واجهتها في حياتها، فقد كانت في زيارة لأحد المراكز التجارية للتسوق، وعندما كانت تستعد للخروج، سمعت صوت جرس الإنذار يرن عند البوابة، قرر الموظفون في المركز منعها من الخروج، ليس ذلك فحسب بل طلبوا منها الخضوع للتفتيش اليدوي، الأمر الجيد والملفت في القصة هو أن هذه السيدة تعد من النساء المثقفات المهتمات بمسائل حقوق الإنسان إذ رفضت بشجاعة هذا التفتيش غير الشرعي. نعم إنه أمر مخالف للأنظمة في المملكة.
فوفقًا لنظام الإجراءات الجزائية وتحديدًا في مادتها الثانية نصت على أنه لا يجوز القبض على أي إنسان، أو تفتيشه، أو توقيفه، أو سجنه، إلا في الأحوال المنصوص عليها نظامًا، ولا يكون التوقيف أو السجن إلا في الأماكن المخصصة لكل منهما وللمدة التي تحددها السلطة المختصة. ويُحْظَر إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًّا، ويُحْظَر كذلك تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة. وعليه القانون سمح فقط لرجال الضبط الجنائي والإداري والنيابة العامة وبعض الجهات المعنية بل أكثر من ذلك حتى رجال الأمن المسوغ لهم التفتيش لا يمكنهم التفتيش إلا في أمور ضيقة جدًا بحيث يسمح لهم النظام في مواد محددة. فما بالك بموظف أو كاشير مركز تجاري يقوم بالتفتيش!
إذن نحن هنا أمام أمرين فيه انتهاك لحقوق السيدة، أولًا: التفتيش غير القانوني والذي يعد انتهاكًا صريحًا لنظام الإجراءات الجزائية، الذي يحمي خصوصية الأفراد ويحدد الجهات المخولة بإجراء التفتيش. ثانيًا: انتهاك الخصوصية: إذ إن تفتيش شنطة السيدة دون وجود مبرر قانوني أو إذن قضائي يعد اعتداءً على خصوصيتها وكرامتها.
إنني أتساءل هل انتهت كل التدابير من قبل المركز حتى وصلوا للتفتيش! كان من الأجدر أن يستأذنوا السيدة ويطلبوا منها بكل لباقة وأدب أن تفتح هي الشنطة، تمامًا كما يحصل في السفر وبالذات عند تمرير الحقائب من الجهاز؛ نجد أن رجل الأمن لا يفتش الشنطة بل هو من يجعلك تفتحها، وأما إذا حصل وفتش أحدهم في المركز التجاري فمن حق السيدة المطالبة بحقوقها المعنوية ورفع دعوى تعويض عن الضرر المعنوي إذ تنص الفقرة «1» من المادة 138 من نظام المعاملات المدنية:
«يشمل التعويض عن الفعل الضار التعويض عن الضرر المعنوي»، والفقرة «2» من نفس المادة: «يشمل الضرر المعنوي ما يلحق الشخص ذا الصفة الطبيعية من أذى حسيٍّ أو نفسيٍّ، نتيجة المساس بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي». والفقرة «3» لا ينتقل حق التعويض عن الضرر المعنوي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى نص نظامي أو اتفاقٍ أو حكمٍ قضائيٍّ. والفقرة «4» تقدر المحكمة الضرر المعنوي الذي أصاب المتضرر، وتراعي في ذلك نوع الضرر المعنوي وطبيعته وشخص المتضرر.
ختامًا: الحادثة التي تعرضت لها السيدة في المركز التجاري يجب ألا تمر مرور الكرام، من الأهمية بمكان توعية المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بمسائل القانون وحقوق الإنسان وهي تقع أولا وبالذات على عاتق هيئة حقوق الإنسان الحكومية، هذه المحلات والمراكز يجب أن تكون على دراية تامة بالأنظمة القانونية، وأن تعمل ضمن الإطار الذي يحمي حقوق الأفراد. فقط من خلال الالتزام بالقانون يمكننا بناء مجتمع يحترم الحقوق ويحافظ على الكرامة الإنسانية.