آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 7:17 ص

قراءة في كتاب ”الحداثة كحاجة دينية“ للكاتب الدكتور توفيق السيف

حسين علي الناصر

عنوان الكتاب: الحداثة كحاجة دينية
الناشر: الدار العربية للعلوم - ناشرون مركز آفاق للدراسات والأبحاث
الطبعة الأولى
2006 - 1427

الكتاب من القطع المتوسط ويحتوي على 128 صفحة
حيث بدايته مقدمة ويليها أربعة فصول:

1. الدين والذات
2. الإسلام والنهضة: السؤال الخطأ
3. البداية: نقد الذات
4. سؤال الحداثة

المقدمة

يشير الكاتب في مقدمة الكتاب بأن ما كتبه ليس إلا مرافعة في شكل حوار بين عقلين، ومنه يثير سؤال يحسبه أكثر الأسئلة إثارة للحرج وهو: كيف ينهض المسلمون من سباتهم المزمن، وكيف يعودون إلى قطار الحضارات بعد ما نزلوا أو أنزلوا منه؟ وبالفعل هذا السؤال قد يثير حفيظة من يعتقدون امتلاك الحقيقة المطلقة.

كما أنه يؤكد بأن غرضه ليس تقديم أجوبة نهائية، فاهدؤوا....

حيث يعتبر كل سؤال هو نتاج شك في الواقع، وهذا الشك هو بداية اليقظة وهو دلالة وعي العقل، فيقول نحن لا ننتج العلم، ولا نطور ما نتعلمه من علوم الآخرين والأمر ظاهراً أيضاً في الثقافة الاجتماعية فهي لا زالت محكومة بتقاليد أكل الدهر عليها وشرب، ولا زال دينها مختلطاً بالخرافة والأسطورة.

لذا يرى الكاتب بأن مرافعته لا تزعم أنها تقدم جديداً لم يطرقه طارق من قبل، ولكن هي أقرب إلى سلسلة من الأسئلة تدور حول محور واحد هو تجديد الثقافة الدينية والانضمام إلى مسيرة الحداثة، وربما ما دعا الكاتب إلى هذه المرافعة ما وجده بأن غلبة الأيدولوجيا على البحث قد أعاقت التوصل إلى صيغة مناسبة للعلاقة، كما أنه يوضح شيئاً مهماً جداً من وجهة نظري على الأقل بأنه يفرق بين الدين والتراث، ويؤكد بأنه لا يدعو لإلغاء التراث وحتى لا يكون عندك لبس أيها القارئ جرى التوضيح.

فيؤكد بأنه لا يتحدث عن الدين في صيغته الأصلية ولا الدين الذي نتخيله، بل عن صيغته الموجودة بين أيدينا، ويزعم بأن يمكنه إثبات أن نمط التدين السائد في العالم الإسلامي اليوم معيق للنهضة، وفي اعتقاده أن التفكير في الذات هو الخطوة الأولى نحو تحكيم العقل، لذلك مرافعته تجادل التراث الذي أخذناه عن أسلافنا نعم التراث الذي يرتدي عباءة الدين، ويقدم نفسه كمصدر لكل الإجابات على الأسئلة التي يطرحها عالم اليوم.

الفصل الأول: الدين والذات

يؤكد الكاتب بأنه يجب أن لا نخشى من البوح بما في أنفسنا من أسئلة مهما بدت موجعة، ويجب أن لا نتردد في طرح السؤال الحرج، هل الإسلام مسؤول عن تخلفنا أم لا... وإذا لم يكن مسؤولاً فمن هو المسؤول إذن؟

الإسلام لم يخرج يوماً من نفوس المسلمين، لكنه مع ذلك فقد وظيفته الاجتماعية، ويعبر عن نفسه بصورة محددة في العبادة والأخلاقيات الشخصية، وهذا هو الحد الأدنى الذي ينبغي للإسلام أن يمارس وجوده فيه، لكن هذا الحد لا ينفع كثيراً في تطوير المدنية، لذلك المسلمون الأوائل لأنهم تحرروا نفسياً وثقافياً من الخرافة والأسطورة، وتحرروا من الشعور بالصغار الذي حصر معرفتهم وطموحهم وتطلعاتهم في صحراء محدودة، وكان الإسلام قوة تحرير للذات وقوة إصلاح للنظام الاجتماعي وقوة تطوير للعلم والابتكار، الإسلام الذي فقدناه هو الإسلام الحضاري الإسلام الذي يحيي روح الإنسان، ويثير عقله ويعيد تشكيل القيم الناظمة لحياة الجماعة، وإذا كان ثمة أهمية لتجديد الإسلام، فيجب أن يتجه هذا التجديد إلى هذا الهدف بالذات أعني استعادة دور الإسلام كقوة تحفيز للمسلمين نحو المدنية في شتى جوانبها.

ما لحق بالإسلام من مفاهيم وتقاليد خلال التاريخ

الثقافة ليست ما يقرأه الناس في الكتب، الثقافة في معناها العميق هي ما يملأ داخل النفس من تصورات حول الذات والغير من البشر والأشياء، أي رؤية الإنسان إلى العالم المحيط به وتقديره لموقعه من هذا العالم، الثقافة هي أيدولوجيا كاملة وهي مثل كل الأيدولوجيات محملة بوسائل الدفاع عن ذاتها، لذا علينا أن نقبل بحقيقة أن الدين في معناه المجرد غير موجود في واقع الحياة، ويوضح الكاتب للأهمية ”نحن لا نتحدث في حقيقة الأمر عن الدين كما نزل في الأصل من عند رب السماء“، كما أن الدين الذي تطبقه أي جماعة هو دين ملون بلونها الثقافي الخاص.

كيف تتحول الرغبات إلى مسلمات مقيدة للعقل؟

إن معظم الناس لا يفكرون بالمعنى الدقيق للتفكير أي التأمل في كل أمر وتقليبه على وجوهه المختلفة وتفكيك أجزائه قبل تكوين رأي إجمالي فيه وما نظنه تفكيراً هو بالنسبة لمعظم الناس مجرد انطباعات أولية يحتملونها دون جهد ذهني يذكر، وما نسميه ثقافة سائدة ما يخطر في أذهاننا وما نسمعه من الناس، أو نقرأه في الجرائد يحتاج إلى تقليب، فأكثر ما يخدع العين هي الأشياء التي تحسبها ثوابت أو مسلمات، وهي ليست كذلك إلا لأن العقل أرادها في هذه الصورة والأشياء التي نتصورها معقولات هي في غالب الأحوال أوهام أو لنقل على سبيل التحفظ إنها تصورات عن الحقيقة، لكنها ليست حقيقة بذاتها فجميع الناس ينظرون في وهج الظهيرة، فيرون الضوء منعكساً على وجه الأرض، فيخالونه ماء حتى إذا اقتربوا وجدوه مجرد سراب في بقيع تصفر فيه الريح، إنه وهم الماء رغم أن العيون اعتبرته ماء في النظرة الأولى.

لهذا تجد الناس يسارعون في تقرير الآراء والرد على الأسئلة وتبني المواقف، دون أن ينتظروا دقيقة أو بعض دقيقة ريثما ينتهي العقل من مهمته في تفكيك المسألة وتحليل عناصرها ومقارنتها بغيرها قبل إعلان حكمه فيها.

عقل الفرد وعقل الجماعة

المجتمع بصورة عامة يمارس القهر ضد الضعفاء فيه كالنساء والأطفال والأجانب، ولا يعتبره من مصاديق الظلم، بل على العكس من هذا فالناس يعتبرون الرجل المنصف في بيته العادل بين أهله ضعيفاً ناقص الرجولة ”خاضعاً للحريم“، هذه القدرة على تبديل القيم والحقائق وتحويرها تستند إلى ما يحصل عليه الفرد من مساعدة ثقافية توفرها مسلمات اجتماعية صنفت تحت عناوين من نوع العادات والتقاليد والأعراف.

الدين نسلم بأنه نازل من عند الله وليس صنيعة المجتمع، وفي الوقت نفسه فنحن لا ننكر التأثير الذي يتركه المجتمع على الدين من خلال الأعراف والتقاليد والأوهام المختلفة التي تضاف إلى الدين، فنحن نفصل بين دين الله ودين عباد الله، دين الله كامل ومنسجم المكونات. أما دين العباد فهو في حال تغير بين الأزمنة المختلفة والأماكن المختلفة.

لماذا لا نستعمل أدواتنا الخاصة؟

إن الكلام في التقاليد والمعارف أيسر من الكلام في الدين فهناك لن تجد من يرفع في وجهك سيف الممنوع والمحرم، والكلام في الدين عسير؛ لأن بعض الناس اعتبروا التفكير فيه امتيازاً خاصاً لأشخاص محددين ذوي أوصاف خاصة، أم الفقهاء فقد اعتادوا لا سيما في الأزمان القديمة على إضفاء صفة القدسية الخاصة بالأحكام الدينية على كثير من العادات التي ما أنزل الله بها من سلطان، لعلك قرأت في كتب الفقه مثلاً إن حاسر الرأس لا تقبل شهادته ولا يؤم الصلاة، فالواضح أن هذه ليست من الدين في شيء، لكنها أعراف اجتماعية رغب الفقهاء في بلد محدد في زمن محدد في إدراجها في كتبهم كأعراف محترمة لكنها تحولت؛ من ثم إلى أحكام تنتقل عبر العصور من جيل إلى جيل، دون أن يسائلها أحد والذين يمانعون من الكلام في الدين يمانعون في الغالب من الكلام في المعارف التي قامت في ظله، كما أن كثيراً من التقاليد والأعراف الاجتماعية قد اكتسبت لوناً دينياً.

أما المشكلة اليوم إن هؤلاء وغيرهم من سائر الناس ينظرون إلى هذه الأعراف والعادات باعتبارها مصداق الحقيقة الدينية أو رداءها، وكي يكشف الإنسان عيوب نفسه وعيوب ثقافته فهو بحاجة إلى تعريفها لنقد الآخرين، أما نحن أضحوكة بالفعل، ألا ترى أن العالم كله يستهزئ بنا ألا ترى أننا نباهي صباح مساء بعلو الحق وعظمته ونحن الذين نظن أنفسنا أهل الحق قابعون في الأسافل والدين الذي نؤمن به حري بأن يقيم حضارة عظمى وهو أهل لأن ينقذ أهله مما هم فيه لكن بحاجة إلى تفعيل، ولا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا حررناه من سجنه الذي حبسناه وراء جدرانه.

الفصل الثاني: الإسلام والنهضة… السؤال الخطأ

إن ما في نفوس المسلمين هو إسلام ملون بلون مجتمعهم فهو إسلام متخلف مثلهم، لذلك تجدنا ندور في دائرة مغلقة، فلننظر كيف قمع الكتاب وأهل الرأي حتى بلغ ما أغلق من الصحف والمجلات في بضعة أعوام ما يزيد على المائة، وسخرت دولة علماء الدين أقوى المنابر ووسائل الاتصال من الإذاعة والتلفزيون والصحف ومنابر الجمعة لدعوة الناس إلى الدين طيلة ربع قرن ومع هذا فإن معظم الدراسات والبحوث الميدانية تشير إلى تراجع مستمر في الالتزام بالدين، وأن المزيد من التدين لم يغير من واقع الحال شيئاً ولا دعاة الدين قدموا نموذجاً تختلف عما تعرفه من حال بئيس في شتى الأقطار، وخلاصة الكلام إن ما لدينا من الدين هو في حقيقة الأمر النسخة القديمة من الدين التي تركها لنا أجدادنا وفيها يختلط الجوهري من الرسالة بالصور والإطارات التي هي انعكاس للظرف الاجتماعي الخاص بزمن الأجداد وهي لا علاقة لها بالعصر، وإننا بحاجة إلى نسخة جديدة من الدين نسخة تتناغم مع عصرنا الراهن في حاجاته وتحدياته وهموم أهله.

ما هو طريق النهضة إذن؟ الحداثة

إن فكرة الحركة والنهوض اختلفت من حيث الشروط والمتطلبات والأدوات والمقاييس رغم أن جوهرها لا زال كما كان في تلك الحقبة، والحداثة مفهوم واسع نسبياً فعلى المستوى السياسي تعتبر المساواة وحاكمية القانون وحماية الحريات العامة هي الحد الأدنى من متطلبات التحديث ويتلوها المشاركة السياسية وصولاً إلى الديمقراطية الكاملة وعلى المستوى الاقتصادي فإن الشرط الأول هو توفر البيئة المناخية للاستثمار وحماية الملكية الفردية وعلى المستوى الاجتماعي نجد العقلانية وربط مكانة الفرد بكفاءته الشخصية لا هويته الموروثة وعلى المستوى الثقافي فإن احترام العلم وتحريره من قيود الأيدولوجية والتعويل عليه في تقديم الحلول هو الشرط الأول للحداثة.

والحداثة هي منظومة مفاهيم ومعايير تتعلق بسبل العمل والتعامل ولا بد من ملاحظة ثلاثة أمور:

1. إن تجربة الحداثة قد تطورت في مجتمعات غير مسلمة فتلونت بلونها ولسنا مجبرين على أن نأخذها بهذه الألوان، ما يهمنا في الحقيقة هو مفاهيمها الأساسية.

2. الدين الذي بين أيدينا ليس منزهاً عن العيب ولا بد من النظر النقدي في هذه النسخة من الدين وهذا لا ينقص من شأن الدين الحنيف، بل أراه جوهر فكرة التجديد في الدين، فمعنى التجديد فيما أظن هو استنقاذه من قيود الارتهان إلى الواقع الخاص بحامليه.

3. إن علاقتنا مع الثقافات المختلفة والتجارب المختلفة بما فيها من تجربتنا الخاصة علاقة تفاعل نقدي.

وينبغي أن لا نستسلم لبريقها كما لا ننتفخ غروراً وتكبراً عليها، وإن ما يصلح لنا اليوم هو ما يتناسب مع زماننا وما يستوعب نوعية الحياة التي نعيشها سواء عرفها الأجداد أم جهلها أحيوها أو أبغضوها.

”تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبْتْ وَلَكُم ما كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ“ ”البقرة - 134“

المعاصرة إذن هي إعادة التاريخ إلى مكانه الطبيعي كمصدر للعبرة والمعرفة لا كمثال أو نموذج للحياة الفاضلة.

المعاصرة تعني المشاركة الفاعلة في الثورة العلمية والتكنولوجية الهائلة التي غيرت صورة العالم، وعطفاً على عنصر الثقافة، في أن من الواجب هنا الإشارة إلى حاجتنا الماسة لأنسنة ثقافة المسلمين بمعنى إعادة الاعتبار إلى الإنسان كوعاء للقيمة العليا في هذا الكون.

ولو نظرنا إلى آيات القرآن التي ذكر فيها الإنسان لوجدنا جميع السمات التي عرضها ”هوبز“ ومن سار على نهجه من الفلاسفة والليبراليين اللاحقين إنسان القرآن الكريم كان مستقلا بنفسه مكتف بعقله مسؤول عن فعله مكرم من قبل الله بسجود الملائكة له أو تسخير ما أودعه الله في الكون من أجل رفعته وهو في نهاية المطاف خليفة الله في أرضه، أما إنسان التراث الإسلامي فهو ضعيف مغرور جاهل وعاجز عن تحمل المسؤولية ويحتقر الفرد ويحتقر العامة فلا ينظر إليهم إلا كغوغاء أو همج رعاع.

إصلاح الثقافة يستهدف:

الارتفاع بقيمة الإنسان وتحريره من سطوة السلطة وقمع المجتمع وقيود الخرافة والتقاليد.

إن النهضة تعني المعاصرة أي إعادة الاعتبار إلى الواقع الحاضر باعتبار شروطه والزاماته معياراً لسلامة الأفكار والأعمال.

الفصل الثالث: البداية: نقد الذات

الذي يستحق الفخر هو شيء تصنعه بجهدك أما الذي ورثته فهو جهد الآخرين ولو كانوا آباؤك، فهل يمكن لنا أن نتطور من دون الشك في ما هو قائم ومتعارف عليه؟ لكننا مع ذلك نواجه من يرفض إثارة الأسئلة ويعلل رفضه بكونها مثيرة للفتنة والريب.

الصنف الأول يبرر رفضه للأسئلة بالخوف من أن تودي زعزعة المسلمات البسيطة التي ينطوي عليها الإنسان العادي، ونعرف مثلاً نظام الرق أي استعباد البشر ولا سيما كونه نظاماً محمياً بالقانون لم ينته في العالم الإسلامي إلا بضغط الغربين في منتصف الستينات من القرن المنصرم.

الإسلام معطل عن الفعل في حياة المسلمين لأن فاعليته رهينة بإرادة أهله وإرادة أهله معطلة لأن ثقافتهم تعطيلية، وحياة المسلمين أشبه بمستنقع كبير آسن.

فاليوم هو اليوم وقد حان الوقت للنظر في أسباب ضعفنا الذي أغرى بنا الأعداء وأول هذه الأسباب هو تخلف ثقافتنا الذي أورثنا ضعفاً في التنظيم الاجتماعي وانغماساً في شكليات الحياة الروحية والمادية على السواء وغياباً لحرية الفكر والرأي والتعبير وعزوفاً عن العلم والإنفاق عليه وتبجيل أصحابه واستثماراً للدين والأخلاق في القهر والتسلط وانكماشاً لشخصية الإنسان حتى غدا كَلاً بعدما خلقه الله عدلاً، فعلاجنا ليس في ادعاء القلق من الهزيمة بل في البحث عن أسباب الضعف التي أدت إلى الهزيمة، نحن لا نريد من الغرب ديناً إنما نريد معرفة الطريق الذي يمكننا من إعادة إنتاج العلم وتطويره ضمن الشروط الخاصة لبيئتنا وتطلعاتنا.

فتحول المجتمع المسلم من منتج للمعرفة يتقدم العالم في سعيه لبناء الحضارة الإنسانية إلى وارث لذكريات المجد لا ينتج علماً ولا يتفاعل مع التغيرات التي تترى من حوله، ولعله السبب في جانب كبير من فشل المسلمين جميعاً في استنباط منهج للنهضة والتحرر من هيمنة الغرب الغالب، ويمكن تلخيص هذا السبب في عاملين:

1. اعتقاد المسلمين في ذلك اليوم وفي هذا اليوم أن تراث أسلافهم قادر على تقويم الأجوبة المناسبة على التحديات التي يواجهونها اليوم والحق أن الذي وصلنا من تراث الأسلاف كان جوابهم على تحديات زمنهم وعلينا أن نستنبط الأجوبة المناسبة لتحديات زمننا.

2. المبالغة التي أظنها غير مقصودة في تحميل الإسلام أموراً ليست من سنخه ولا هي مطلوبة منه فالواضح أن على المجتمعات تصميم نموذج المدنية التي تريدها والبحث عن الطرق الضرورية للوصول إليها، وإذا كان للإسلام من دور في هذا الجانب فهو تقديم القيم والمعايير الأساسية وليس نماذج العمل التي تختلف بالضرورة من زمن لآخر ومن مجتمع لآخر.

فكثير من علماء الشيعة المعاصرين وقعوا في الإشكال حين قرروا أن نظام ولاية الفقيه هو الصورة الوحيدة للحكم المشروع، بل أغرق بعضهم فادعى أن للفقيه صلاحية الحكم بما يمليه عليه نظره من دون التزام حتى بالدستور الذي هو بمثابة عقد بينه وبين شعبه ومن هو بين هؤلاء محمد جواد لاريجاني حيث قال صراحةً - إن رأي الفقيه فوق الدستور وإن بإمكانه تغيير الدستور متى شاء.

يقول الدكتور توفيق السيف: إن تحميل الإسلام كل هذا العبء هو تكلف لا طائل تحته بل مآله إلى تقييد عقول المسلمين وكبت تطلعاتهم وتعطيلهم عن إبداع نظام حياتهم وطريق تقدمهم وما يهم الإسلام أولاً وأخيراً هو القيم الأساسية التي يجب الالتزام بها على أي حال مثل قيمة العدل والنظام والرحمة والتعاون والقوة وما إليها.

والذي فعله الإسلام في يومه الأول هو تحرير النفوس والعقول فلما تحررت تحدت وأبدعت وتقدمت واتحدت وعزت وغلبت، ويشير الكاتب أيضا إلى أن الدين كامل وليس شامل وهذا لا يعد نقص بل لعل بيان غير المطلوب يعد تكلفاً، ثم ألا ترى أن تشدد بعض من قومنا في إلزام غيرهم بطريقة تدينهم الخاصة قد أدى إلى نفور هؤلاء من الدين كلياً، وعطفاً على حديث التكلف في ربطه بكل شيء بالإسلام قد عمق من مشكلة التفارق بين العلم والهوية.

كما أن البحث العلمي في مجالات العلوم المدنية لا يحصل على تمويل من الحقوق الشرعية كالزكاة والخمس والأوقاف وأمثالها، إنكم ترون أهل المال ورجال الدين والدعاة والمؤمنين ينفقون الملايين من المال على بناء مسجد أو حسينية أو كتاب ديني لكنهم لا ينفقون عشر ذلك على بحث علمي نظري أو تطبيقي ولا يدعمون بالمال أو غيره مؤتمراً لحملة العلوم المدنية، فهذا وأمثاله دليل على أن هذه العلوم وحملتها لا يحظون في قومنا بالتقدير والقيمة التي تليق بالعلم وأهله.

الفصل الرابع: سؤال الحداثة

المعاصرة تتجلى في الإقلاع من المرحلة التقليدية التي لا تزال أسرى مفاهيمها وإطاراتها ومؤسساتها إلى مرحلة الحداثة التي تمثل نمط الحياة السائد في العالم المتقدم، الحداثة في صيغتها الأوروبية غير قابلة للاندماج ضمن نسيجنا الثقافي اللهم إلا أن نبذل جهداً لتعديلها.

التعامل النقدي هو تأكيد على واحد من قواعدها الكبرى أي ”الحداثة“ أي كونها منتجاً إنسانياً قابلة للتعديل والتطوير لا أيدولوجية ثابتة ولا وحياً منزلاً من السماء، وعلى هذا الأساس فإننا نختار الحداثة التي تناسبنا ولو اختلفنا بعض الشيء عن مراد من جربوها قبلنا.

خلاصة القول: إن الانفتاح على العالم ولا سيما الغرب المتحضر لا ينبغي أن يكون أمراً مخيفاً اليوم كما كان قبل قرن من الزمان، والحداثة ليست مجرد تقدم تقني بل هي أيضاً نظام قيمي ونحن بحاجة إلى الأمرين معاً أي التقنية والقيم.

فلا نأخذ شيئاً على سبيل التقليد الأعمى بل نأخذه بعد التعمق والنقد والمجادلة والبحث عن كيفية تنسيجه ضمن ثقافتنا الخاصة، وبكلمة موجزة فإننا بحاجة إلى النظر إلى الحداثة الغربية باعتبارها منجزاً إنسانياً يحق لنا أن نستفيد منه كما يستفيد منه غيرنا.

وفي الإسلام كل مسلم شريك في صناعة الحقيقة الدينية وكل صاحب علم مطلوب منه إظهار علمه، وفي كل الأحوال فإن تعدد الأقوال هو السبيل لجلاء ظلمة الجهل ومعرفة طريق السلامة، أما التحقق من النجاح في إصابة الحقيقة فليس تكليفاً على الإنسان، إذ التكليف مشروط بالسعة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

والأصل في تقييم العمل الديني هو النية فإذا كانت نية الإنسان أو الجماعة هي نيل رضا لله من خلال التعبد كما تراه ديناً فذلك هو مقدار ما تحاسب عليه فنقول الدين واحد لكن التدين قد يكون متعدد لأن علم الله كامل فهو على الدوام واحد لهذا لا بد أن يكون دينه واحد أما معرفة العباد فهي ناقصة وبالتالي فرن تدينهم متعدد أيضاً لذلك فإن القراءة الجديدة تنكر وجود نظام ثابت للإدارة العامة والنظام السياسي في الإسلام بينما تميل أكثر مدارس العلم الديني إلى القول بأن نظام الإسلام السياسي والاجتماعي محدد ولا يمكن تغييره..... انتهى

كتاب جميل وخفيف وعباراته لطيفة وغير معقدة، الكاتب طرح وجهة نظره فمن حقك تختلف أو تتفق معه فهذا لا يضر ولكن لا يحاول البعض أن يشعل في داخله نارًا انتقاميًا، الكتاب يستحق القراءة، لذلك ما ورد في التلخيص البسيط ليس كل ما ورد في الكتاب فهناك الكثير من الذي قد يستفز عقلك لتفكر، ويثير عندك تساؤل لتبحث عن جواباً له، وأعتقد بأن أموراً كثيرة اختلفت عن تاريخ الكتاب فلو أن الدكتور يلتفت له ويضيف ما يستحق الإضافة.