آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 5:22 م

السيدة سكينة والطمأنينة الروحية

ورد عن الإمام الحسين : «وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق..» «إسعاف الراغبين ص 210».

التفكر في مخلوقات الله تعالى يصدر من صاحب عقل واع بحقيقة هذه الدنيا وزخرفها وأنها مجرد محطة عبور، ولا يليق بالمخلوق المكرم بعقله وعفة نفسه أن يعرض صفحا عنها وهي خير مسلك للتوحيد والإيمان بالله تعالى، «دليل النظام» كثيرا ما تجده مبثوثا في الآيات القرآنية وخير برهان خاطب به الأنبياء والأولياء عقول الناس لهدايتهم وإرشادهم إلى الحق، وهذا الإيمان العميق والتجرد من جزيئات الدنيا المادية ومشاغلها وما لا يستحق الانشغال به هو ما يدل على معنى الاستغراق في عظمة الله تعالى والوقوف على جمال أسمائه وصفاته عز وجل، فحري بالإنسان الحصيف أن يحافظ على عقله من مداهمة الصور والأفكار التي سيفارقها ولن تصحبه بعد الرحيل، فضلا عن تلك الأوقات التي يقضيها في ما لا يورثه معرفة أو فائدة، وآه من تلك الأوقات التي تعود عليه ندامة ووبالا وخسرانا، فطريق المعصية وارتكاب الآثام والالتذاذ بمقارفتها هو الاستغراق في تصور المعاصي بما يتوافق مع شهواته المتفلتة وأهوائه المغوية له، فأين أولئك الذين استغرقوا في النزوات من هؤلاء الذين لم يشغلهم شيء من حطام الدنيا الزائل عن التفكر في مخلوقات الله تعالى، والذي يكسبهم يقينا وثقة بتدبير الله تعالى دون أن تساورهم الهواجس من نسيانهم من رزق الله تعالى!!

كان ملفتا في السيدة سكينة ومن صفاتها الغراء هو الهدوء مع كثرة التفكر والتأمل في تفاصيل هذا الكون الفسيح، هذا التأمل ليس اعتباطيا أو بدون هدف بل هو تطبيق للدعوات القرآنية الداعية إلى التأمل بوعي ورشد إلى مخلوقات الله تعالى، والذي يورث النفس زيادة في اليقين والمعرفة بعظمة الخالق العظيم، وهذا التأمل في مخلوقات الله تعالى من أفضل ألوان العبادة، لما يرسّخه في النفس من خشية الله تعالى واليقظة أمام مغريات الدنيا ومتاعها الزائل.

الاستغراق في عظمة الله تعالى تعني محورية في التفكير وما ينعكس عليه من سلوكيات وتصرفات تتوافق مع هذه المعرفة، ومعه يذوب ويتلاشى التفكير المتقوقع حول النفس ونزواتها وتحصيل متعها الدنيوية بلا انقطاع ولا توقف، وهذا الاستغراق في عظمة الله تعالى له آثاره الإيجابية على سلوكيات المرء وطريقة إدارة حياته، فتفكيره يدور حول محورية القرب من الله تعالى ونيل رضوانه وتجنب مواطن سخطه عز وجل، فيتجلى منه التدين الحقيقي والمفهوم الشامل لعبادة الله تعالى حيث لا يقتصر على صورة وهيئة خالية من المحتوى والمضمون العالي، بل يصدر منه ما يتحرى منه رضا المعبود ويتجافى عن كل تصرف محرم على مستوى تعاملاته المالية أو تعامله مع الآخرين.

والاستغراق في عظمة الله تعالى تجليات في القلب المطمئن بالله تعالى وتدبيره، فمهما جرت عليه من صعوبات أو محن فلن ينصرف قلبه عن الرضا والتسليم بقضاء الله تعالى، فهذه العلاقة بالله تعالى مبنية على المحبة والطاعة والتسليم والاطمئنان بالتدبير الإلهي، وكل ما يصدر من العبد في كل أحواله هو نتاج النظر إلى الرضا الإلهي، كما أن مشاعره ووجدانه الذي يستشعر آلام واحتياجات الناس هو من تجليات الرحمة والعطف الإلهي على عباده، كما أنه يواجه متاعب الحياة بالصبر والعمل بحسب الممكن دون فتور أو يأس.