السلوكيات المهملة وجه خفي يُهدد أخلاقيات المجتمع
كثيرًا ما نتعامل مع سلوكياتنا اليومية وكأنَّها جزء طبيعي من حياتنا، نمارسها دون تفكير أو تمحيص، معتقدين أنَّها ضمن حدود المعقول ولا تستدعي المراجعة.
نحن نعيش في واقع نراه صادقًا ومألوفًا، لكن الحقيقة التي قد تغيب عنَّا هي أنَّ هذا الواقع يخفي في طيَّاته جوانب من عدم الصدق مع أنفسنا ومع الآخرين، فكيف لنا أن ندرك الفجوة بين ما نمارسه وما يجب أن يكون؟
وهل حان الوقت لمراجعة عاداتنا وتصحيح مسار حياتنا؟
قد يترسخ في أذهاننا أنَّ السلوكيات التي يجب أن نجتهد للابتعاد عنها تقتصر على تلك التي حذَّر منها الشَّرع والعقل والقانون، مثل السَّرقة، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين، والتزوير، وشرب الخمر، وتعاطي المخدرات، وهذه الأفعال تُعدُّ واضحة في شناعتها وخطورتها؛ لذا نجد أنَّ معظم النَّاس يتفقون على ضرورة اجتنابها، ومع ذلك، يغيب عن وعينا أنَّ هناك العديد من السلوكيات الأخرى، الأقل وضوحًا وربما الأكثر انتشارًا، لا تقل أهمية عن هذه المحرَّمات، لكنها أصبحت، للأسف، جزءًا من حياتنا اليومية ومجتمعاتنا.
تلك السلوكيات قد تبدو للبعض عادية أو غير مؤذية، لكنها تحمل أبعادًا أخلاقية عميقة، مثل الكذب عند وقوع تصادم مروري لتجنب المسؤولية، أو التَّهرب من الوفاء بالوعود المتكررة، أو استدانة المال من صديق مع عدم وجود نيَّة لإرجاعه، كما تشمل تأخير توزيع الإرث عمدًا لتحقيق مصالح شخصية، أو سرقة حقوق اليتامى المالية تحت ستار القانون، أو الاستهانة بالكذب في التعاملات اليومية، ومن بين هذه السلوكيات أيضًا اتهام الآخرين بالسَّرقة دون أدلة، أو توجيه اتهامات باطلة لرجال الدين ووصمهم بسلوكيات غير أخلاقية بغرض تشويه صورتهم وزرع عدم الثقة بهم. كما يظهر ذلك في ضخ الأفكار السوداوية في المجتمع، التي تثير الإحباط وتضعف الروح الإيجابية بين الناس.
جميع هذه الأمثلة، على الرغم من أنها قد لا تبدو بنفس وضوح الكبائر المعروفة، تسهم بشكل كبير في تآكل الثقة بين الأفراد وتعطيل العدالة الاجتماعية؛ فهذه السلوكيات الصغيرة والمستترة، إن استمرت دون وعي أو ردع، يمكن أن تؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية التي تُعد أساس استقرار المجتمعات.
لذلك، فإنَّ التوعية بأهمية التصدي لهذه السلوكيات ”المهملة“ لا تقل ضرورة عن التحذير من الكبائر الواضحة؛ فهي تعكس مستوى التزامنا بالقيم والمبادئ، وتظهر مدى صدقنا مع أنفسنا ومع الآخرين؛ ومن هنا فإنَّ المراجعة المستمرة لهذه السلوكيات، والعمل على تصحيحها، يمكن أن يسهم في بناء مجتمع متوازن قائم على الأخلاق والثقة والعدالة؛ فبناء مجتمع قوي ومستقر لا يقتصر على اجتناب الكبائر فحسب، بل يتطلب وعيًا عميقًا بالسلوكيات اليومية التي قد تبدو بسيطة لكنها تحمل تأثيرات بعيدة المدى على القيم والأخلاق.
إنَّ مراجعة أنفسنا ومحاسبتها بصدق، والعمل على تحسين تصرفاتنا، هو المفتاح لتحقيق مجتمع يسوده الاحترام والثقة. فلنبدأ من أنفسنا، ولنكن قدوة للآخرين؛ لأنَّ التغيير الحقيقي يبدأ بخطوات صغيرة، ولكنها ثابتة نحو الأفضل.