آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

المؤرخ وتدوين تاريخ الأحساء الموسوعي

يعكف الكتاب الباحثون والمتخصصون الأكاديميون في تدوين تاريخ الأحساء وتوثيق تاريخها العريق على منهجية الاتجاه والبحث المتخصص ورصد عصور التاريخ الممتد بشكل متفرق، وغالباً ما ينقل في هذه السرديات التاريخية حقبات وموضوعات تاريخية محددة.

فمن خلال البحث والتقصي في الكثير من الكتب المدونة عن تاريخ الأحساء ومشاهدة عناوين الكتب التاريخية المؤلفة يدرك أن غالب النتاج التاريخي المحلي الموثق متخصص في تحري واستكشاف جانب معين من تاريخ الأحساء، ويندر رصد إصدار كتاب موسوعي يحوي تاريخ الأحساء الجامع والشامل.

وتمثل الكتب الموسوعية التاريخية الأحسائية مطويات نفيسة عزف الكثير من المؤرخين عن تأليفها لما تستدعي من بذل جهد كبير في جمع المعلومات والحقائق التاريخية والبحث المتعمق في المصادر الرئيسية إضافة لما يترتب على الطبع والنشر من تكاليف مادية باهظة الثمن.

وإنتاج موسوعة عن تاريخ الأحساء تعد علامة فارقة ومميزة تقتضي من الباحث المحاول الجادة لجمع التاريخ الأحسائي وضمه في كتاب شامل يتطرق لمنطقة الأحساء ومدنها وقراها وأماكنها وتناول حوادثها المتتالية منذ القدم التاريخي مقربة للقارئ والمهتم صورة تسلسلية للوقائع والأحداث التاريخية المبنية على أنماط التحول والتغير التاريخي.

وتوصف الكتب الموسوعية في أدبياتنا المعاصرة بعدة صور متعددة يلم بها المتخصص في هذا النوع من العمل المعرفي، فمنها صورة الموسوعة التي تبنى على قاعدة الثقافة أو المعرفة أو النتاج الثقافي المتعدد المجالات بحيث تشمل أكثر من مجالين من مجالات التخصص في التوثيق والصورة الثانية من الموسوعية تتعلق بالمنهج المعرفي المتعمق التي تتناول المعرفة من نظرة ضيقة، وتتوسع إلى أشمل المعارف، فهي تتناول معرفة معينة بالبحث عن وجوه الاتفاق والائتلاف ومظاهر الافتراق والتمايز، والبحث في الميدان الذي سبق الميادين الأخرى؛ ولهذا تقرأ ما يكتبه صاحب المنهج الموسوعي، فتدرك اكتمال المعرفة من جميع النواحي، وتمتد رؤيتك وتتسع قدرتك على فهم الحقيقة، وعلى تصورها وصورة أخرى للموسوعية تبنى على قاعدة ترتيب المعارف، وتتابعها وترابطها المنطقي في معرفة معينة وإيصال صورة ومشهد متكامل وشامل لهذه المعرفة، والتي تضفي عمقاً وفهماً للمتخصص والمهتم لتدرج هذه المعارف.

وهذا المقال يبحث عن إنتاج عمل يماثل التصنيف الموسوعي الأخير لتاريخ الأحساء، والذي يهتم بمنهج التوسع في المعارف المرتبة والمترابطة لتاريخ الأحساء القديم بحسب نمط حقبات تاريخ الأحساء المتعاقب من العصر الإسلامي بما فيها توثيق ورصد نزول وفد بني عبد القيس على النبي الأكرم، وما يليها من حقبات العصر القرمطي والعصر العيوني والعصفوري والعصر الجرواني والجبري وعصر آل مغامس، وكل تتابع العصور المتعاقبة.

ومن أوائل المحاولات لتدوين تاريخ الأحساء من الباحثين المتأخرين كانت للمؤرخ سليمان الدخيل عام 1331 هـ في مؤلفه ”تحفة الألباء في تاريخ الأحساء“ وهي لمحة موجزة ومتخصصة في مجالات محددة وليست شاملة وكتاب صفحات من تاريخ الأحساء لعبد الله بن أحمد الشباط ويحوي مقالات تتحدث عن الأحساء في بعض أدوارها التاريخية وكتاب منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ لخالد بن جابر الغريب وفي هذين الكتابين تكلما عن المشاريع الحديثة والتطوير الإداري والتنموي للأحساء وشكل كتاب تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد محاولة ثرية لمؤلفه محمد بن عبدالله العبدالقادر والذي يتكون من قسمين، وقد تناول فيه التاريخ السياسي والعلمي والأدبي.

وهناك كتابات وعينات من النتاج الموسوعي تصنف كموسوعات ترصد ملامح الحياة في الأحساء لكنها لا تندرج ضمن منهج التصنيف السردي التاريخي المتسلسل والترتيبي والشمولي لتاريخ الأحساء وإنما في مجالات متعددة تحوي على مجالات أدبية واجتماعية أو اقتصادية ومنها كتاب أعلام الوراقين في الأحساء مؤلفه الشيخ محمد الحرز، ويتألف الكتاب من أربعة أجزاء يسلط الضوء على مساهمات الوراقين من الشخصيات البارزة في حفظ التراث الأدبي والثقافي الأحسائي وكتاب موسوعة تراث الأحساء الميسرة لمؤلفه طاهر بن معتوق العامر وكذلك موسوعة أعلام هجر، وتحوي معلومات عن التراجم والشخصيات، وتعد الأوسع والأشمل في تاريخ رجالات الإحساء ومعجم الأحساء التراثي للدكتور فهد بن حمد المغلوث، ويحوي على الجنادرية والمهرجان الوطني للتراث والثقافة.

ومن خلال ما تم استعراضه وما تبين من ندرة الكتابة الموسوعية لتاريخ الأحساء القديم تترسخ أهمية التدوين الموسوعي لتاريخ الأحساء لما له من أثر كبير في تسهل الحصول على المعلومات التاريخية للباحث والمؤرخ والمتخصص الأكاديمي، وطالب العلوم الدينية المنشغلين في إعداد البحوث والدراسات التاريخية والتوسع في المعلومات المعمقة والحقائق التاريخية الموثقة بتوثيق مرجعي يتم عرضه وربطه بمراجع ومصادر توفر مرجعاً متكاملاً يضم معلومات موثقة لا سيما أن الساحة الثقافية تخلو من هذا المنتج النادر والنفيس.