آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 10:02 م

رسائل الواتساب بين القول والعمل: صلة الرحم نموذجًا للتطبيق العملي

هاشم الصاخن *

في عصرنا الرَّقمي أصبحت تطبيقات التَّواصل الاجتماعي وسيلة رئيسية لنقل الأفكار والمبادئ والقيم الإنسانية على مدار اليوم، وقد تمتلئ هواتفنا بالرَّسائل والمواعظ التي تذكِّرنا بأهمية صلة الرحم، والتراحم، والتواصل الأسري، وتزداد هذه الرسائل التي تحمل في طيَّاتها عبق الإيمان والنوايا الصادقة في شهور الفضيلة؛ مثل شهر رجب الأصب، حيث تكتسب الدَّعوات للتراحم والتقرب إلى الله تعالى خصوصية متجددة.

ومع هذه الرسائل الجميلة التي تُلقي الضوء على قيم التآخي والتسامح، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: هل تقتصر فضائل هذه المبادئ على الكلمات التي نرسلها؟

أم أنَّها تحتاج إلى تجسيد عملي في حياتنا اليومية؟

وبين القول والعمل تكمن الحكاية، حيث تتحول النصائح من مجرد كلمات إلى سلوكيات تعكس روح القيم التي ندعو إليها.

في كلِّ عام، ومع دخول شهر رجب الأصب؛ شهر الرَّحمة والبركات نجد أنفسنا أمام فرصة عظيمة للتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بالأعمال الصَّالحة والعبادات التي تُثقل ميزان الحسنات؛ ففي هذا الشَّهر المبارك، تُصبُّ الرحمة على العباد، ولا شك أن الأعمال العبادية مشروعة ومفتوحة في كل وقت، ولكن لشهر رجب خصوصية تجعله محطة مميزة في حياة المؤمنين؛ إنَّه شهر يفتح فيه الله سبحانه أبواب رحمته، مما يجعل الرسائل التي تدعو الناس للتوبة والرجوع إلى الله تعالى بمثابة حافز يوقظ في النفوس الرغبة في العمل الصَّالح.

ومن بين الأعمال العبادية، تبرز صلة الرحم كواحدة من أهم القيم التي تحمل معاني عظيمة يصعب حصرها في كلمات؛ فهي عبادة تجمع بين حق الله تبارك وتعالى وحق العباد، وبين تعزيز القربى والمودة داخل العائلة، ونشر فضائلها بين الناس عبر الرسائل والمواعظ هو عمل محمود؛ ولكن، هل يكفي نشر الفضيلة بالكلمات فقط؟

ولدينا هنا مجموعة من الأسئلة والإجابات التي تقرب الفهم أكثر:

أولاً: كم من الأشخاص الذين يرسلون رسائل عن صلة الرَّحم هم على تواصل حقيقي مع أرحامهم؟

للأسف، قلَّة ممن يرسلون هذه الرسائل ويحثون عليها يطبقون ما يدعون إليه، رغم أن هذه الرسائل تحمل مواعظ دينية واجتماعية صادقة تنبع من تجارب حقيقية، فمتى يلتزم من يحث على هذه الرسائل بتطبيق مضمونها في الواقع؟

ثانياً: هل مشاركة النصائح والمواعظ حول العبادات وصلة الرحم ترفع التكليف العملي تجاه هذه القيم؟

لا؛ فإنَّ مشاركة النصائح والمواعظ حول العبادات وصلة الرحم لا تُسقط المسؤولية العملية إزاء هذه القيم، لأنَّها قيم تتطلب تطبيقًا فعليًا وسلوكًا يوميًا يُجسد معناها الحقيقي، وبمعنى آخر: القول وحده لا يكفي إذا لم يرافقه عمل صادق.

ثالثاً: إلى أي مدى تعكس أفعالنا واقع الرسائل التي نتداولها؟

أفعالنا غالبًا ما تعكس واقع الرسائل التي نتداولها بدرجة أقل مما ينبغي، حيث تفتقر الكثير من التصرفات اليومية إلى التوافق مع القيم والمبادئ التي ننشرها، مما يستدعي منَّا مراجعة أنفسنا لتحقيق انسجام أكبر بين ما نقوله وما نفعله.

وأخيراً: في خضم الرسائل والمواعظ التي نتداولها يوميًا، تبرز أهمية تطبيق ما نُرسل وما نقرأ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعبادات وصلة الرحم؛ لأنَّ صلة الرحم ليست مجرد نصيحة تُكتب أو رسالة تُرسل، بل هي واجب إنساني واجتماعي قبل أن تكون أمرًا دينيًا؛ فهي من أسمى القيم التي تُعزز الترابط الأسري، وتُحيي روح المحبة والتآخي بين الأهل والأقارب؛ لذا، علينا أن نجعل من هذه الرسائل دعوة صادقة لتغيير سلوكياتنا، بأن نبدأ بخطوات بسيطة كالتواصل مع الأقارب، والسؤال عن أحوالهم، والتسامح معهم؛ لأنَّ أثر صلة الرحم لا ينعكس فقط في حياتنا الشخصية، بل يمتد ليُسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا ورحمة.

فلنكن ممن يطبقون ما يدعون إليه، ولنتخذ من المواعظ التي نرسلها دافعًا للعمل، باعتبار أنَّ الأفعال دائمًا أبلغ من الأقوال، وصلة الرحم هي مفتاح الخير الذي يحتاج إلى عمل دائم ليبقى مضيئًا في حياتنا.

سيهات