آخر تحديث: 15 / 3 / 2025م - 5:22 م

كدتُ أنْ أكونَ لاعبَ خِفّة

عقيل المسكين *

- وماذا بعد أيها الأمل المرتقب، لقد حطّتْ رجلاي الطائرتان بي إلى سماوات المطامح والرغبات إلى مضمار آخر؛ لعلّني أرى في هذا المضمار ما أصبو إليه وما فيه بُغيتي، وما أرغب فيه من أهداف نبيلة وغايات سامية، وها أنذا أرافق زميل دراستي في المرحلة الابتدائية حتى 1399 هـ وصديقي علي بن هلال حمود في ممارسة أعمال الخفة والألعاب السحرية الاستعراضية التي تعلمناها من مجلة سعد الكويتية وقتئذٍ، حيث يوجد فيها باب خاص بذلك لتعليم قراء هذه المجلة التي تصدر للفتيان والفتيات أمثال هذه الهوايات، وغيرها، كصفحات الرسم وصفحات الخط وصفحات القصص والحكايات وصفحات الألغاز وغيرها من أبواب أمثال هذه المجلات التي تصدر لمرحلة الطفولة الثانية من السابعة حتى الرابعة عشر، وربما يتابعها من هو أكبر من هذا العمر أيضاً.

وكان صديقنا علي هلال حمود يقوم بترتيب حفلٍ سحريٍّ مُصغر في سطح بيتهم الصغير الكائن خلف مركز حسام للتسويق من الجهة الشرقية لصاحبه الحاج عبد الجليل البيات، وقد دعاني عدة مرّات لهذه الاستعراضات المصغرة التي يقوم بها على سطح منزلهم هذا، حيث يجتمع مع بعض الأصدقاء وبعض أولاد الجيران والحارة لمشاهدته وهو يقوم بهذه الألعاب السحرية التي تعتمد على خفة اليد؛ واعتماد بعض الحِيَل الذكية التي ينفرد بها المؤدّي لهذه الألعاب ولا تمتُّ إلى السحر الحقيقي بأيّ صلة، ولا علاقة لها بالشياطين أو بالجِنّ.

من الألعاب التي قام بها صديقنا علي هلال لعبة سير كرة التنس على الحبل، بحيث تتحرك الكرة على الحبل المشدود بين يديه من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، كما يمكنه إيقاف حركة الكرة في أي جزء من أجزاء الحبل المشدود، وقد أعجبت أيّما إعجاب بهذه اللعبة المدهشة، وعند الانتهاء من اللعبة يصفّق له الموجودون من الجمهور المصغّر وكأننا في مسرح سيرك عالمي، ولكنه خاص بشلّتنا الصغيرة.

ومن الألعاب قيامه بوضع راحة يده اليسرى على جهة إبهام يده اليمنى؛ بحيث نرى ظهر يده اليمنى مع أصابعها الأربعة، ثم يرتفع الإبهام ويجذبه بحيث نراه قد انقطع أو كأنه انقطع ونحن غير مصدقين لما رأيناه، وهو يبتعد عن مكانه ثم يتراجع براحة يده اليُسرى ويعود إبهام اليُمنى إلى مكانه، وهكذا يُكرّر العملية مرتين أو ثلاث أو أربع، ونحن متعجبون كيف يفعل ذلك؟!.

وبعد اللعبة الثانية يقوم بتقريب طاولة صغيرة أمامه؛ وعليها مجموعة أوراق الكوتشينة، ثم يقوم برفعها بكامل أوراقها بيده اليُمنى؛ ثم يقوم بِخبصِها جيداً باليدين - أي يقوم بخلط جميع أوراقها -، وبعد عملية ”الخبص“ هذه يُقسمها إلى مجموعين مجموعة في اليد اليمنى والمجموعة الثانية في اليد اليُسرى، ثم يضع المجموعتين على الطاولة؛ وبعد ذلك يطلب من أحد الموجودين من الجمهور أن يختار أي ورقة من إحدى المجموعتين ويضعها في أسفل المجموعة الثانية، وبالفعل يقوم أحد الموجودين ويختار ورقة مُعيّنة، ويأمره زميلنا علي بأن يحفظ الورقة بشكل صحيح وأن لا ينساها، ثم يقوم بوضع الورقة أسفل المجموعة الثانية التي على الطاولة، وبعد ذلك يأخذ صديقنا علي المجموعة الأولى بيمينه، ويأخذ المجموعة الثانية بيساره، ويضع المجموعة الأولى أسفل المجموعة الثانية التي اختار منها الشخص ورقته، وبعد ذلك يقوم بعملية الخبص مرة أُخرى، ثم يتبع هذه العملية بوضع أوراق الكوتشينة على الطاولة واحدة واحدة، وبعد القليل من الوقت يرفع ورقة بيده الثانية ويعلن بأنها الورقة التي اختارها الشخص، وتكون بالفعل هي الورقة الصحيحة، ويتعجب الشخص الذي اختار الورقة كما يتعجب بقية الجمهور الموجود معنا.

وهناك ألعاب أخرى قام بها صديقنا علي هلال مثل لعبة قطعة النقود التي تختفي من يده، ولعبة قلم الرصاص الذي يتمزق كالورقة، وألعاب أخرى.

هذه الألعاب التي تُسمى بألعاب الخفة استهوتني، ولأنني كنت أبحث عن أيّ عملٍ عجيب ومُدهش للآخرين حتى أقوم به بنفس البراعة، وحتى أثبت ذاتي أمام الآخرين، وحتى أحصل على الشهرة التي تتوق لها نفسي كنجم من نجوم المجتمع لذلك رجعت لما لدي من أعداد مجلة سعد الكويتية، كما رجعت لكتاب عن حِيَل ألعاب الخفة الذي حصلت عليه من أحد الأساتذة في سنة سابقة بمدرسة الأندلس الابتدائية؛ - وهذا الكتاب لا زلت أحتفظ به حتى يومنا هذا - وبالفِعل قمت أقرأ بِنَهَمٍ في هذا الفنّ الجميل حتى اكتشفت أسرار هذه الألعاب واستوعبت كلّ تفاصيلها ودقائقها، وقمت بتحضير كل ما يلزم من مواد مطلوبة لأدائها، كما قمت بتنفيذها بشكل منفرد حتى أتقنتها بشكل صحيح، وبدأت القيام ببعضها أمام إخوتي وأخواتي الصغار كما قمت بها أمام بعض أولاد الجيران، حتى شعرت بشيء من نشوة الإدهاش وإعجاب الآخرين وبذلك شعرت بأنني قد أرضيت نفسي وأشبعت غروري بحبّ هذه الألعاب العجيبة، وعندما يسألونني: كيف تُؤدي هذه الألعاب؟.. وما هي أسرارها؟.. أجيبهم: هذا سرّ ولا ينبغي على الساحر أن يكشفه لأحد وإلا فلن يكون ساحراً أبدًا.

لقد أدركت أهمية أن يظهر الشخص ببعض الأعاجيب وبأنواع معينة من الإبداعات حتى يكسب جمهورًا يُصفّق له، وأدركت أهمية أن يُعجب بك الآخرون؛ ولأنك قمت بأعمال لا يستطيعون القيام بها، وهذا دليل على المزايا والمميزات التي يتميز بها هذا الشخص عن الآخرين، وقد أخذني شيء من الغرور بذلك بضعة أشهر حتى مللت من هذا العمل؛ وشعرت بشيءٍ من الامتعاض لأنني قمت بها، بل أحسست بسخافة ما قمت به، لأنني أعرف بأنني أخدع الجمهور ببعض الحِيل التي لا يعرفونها ولذلك يتعجبون ويندهشون، كما شعرت بأنني لم أخلق لهذه الخزعبلات التي قمت بها، وإن كانت في حدّ ذاتها من الألعاب المسلّية، وقد كشفت أغلب أسرار هذه الألعاب لإخوتي وأخواتي والأصدقاء الذين هم حولي وقد شاهدوني أقوم بها، حتى أُعرّفهم بأنني صادق معهم، وإنني لا أريد أن أخدعهم مطلقًا لا بهذه الألعاب ولا بغيرها، لأنني أكره الخداع، وأشعر أنني لم أخلق لذلك.

ليس هذا هو الطموح الذي أصبو إليه، ماذا يعني لو أصبحت ساحراً استعراضياً مشهوراً على المسارحِ وخِيمِ السيرك العربي أو العالمي، ماذا أكون قد قدمت للإنسانية وللعالم؟! إن طموحي النبيل شيء آخر ولا بد لي من الاستعداد لتنفيذ خطواته شيئاً فشيئاً.

الروائياتي:

- لقد اطلعت على بعض ما جاء عن هذه الألعاب التي تسمى بألعاب الخفة، ووجدت أنها تُسمى بالشعبذة، والشعوذة وهي: ”إراءة غير الواقع واقعًا بسبب الحركة السريعة الخارجة عن العادة، وفي معجم ألفاظ الفقه الجعفري الشعوذة: بسكون العين مصدر شعوذ، خفة في اليد وأعمال السحر، وفي معجم لغة الفقهاء هي إراءة غير الواقع واقعاً بسبب الحركة السريعة، وفي تحرير الوسيلة هي الحركات السريعة التي يترتب عليها الأفعال العجيبة، بحيث يلتبس على الحسّ الفرق بين الشيءِ وشبهِهِ، لسرعةِ الانتقال منه إلى شبهه، وفي الحدائق الناضرة ج 18 ص 185 بالقسم الرابع التخيلات والأخذ بالعيون التي لا ينكر إغلاطها في رُؤية الساكنِ مُتحركاً والعكس، والصغير كبيراً وبالعكس، فالمشعبِذ الحاذِق يُظهر عملَ شيءٍ يشغل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونَهم إليه، حتى إذا اطمأن باستغراق نظرهم إليه، عمل شيئًا آخر بسرعة شديدة، وبذلك يحصل عند الناظر أمر عجيب، وسببه الاشتغال بما أظهره أولاً والسرعة المزبورة، وهذا هو المراد من قولهم أن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه في الحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال، وكلّما كان أخذه للعيون والخواطر وجذبه لها إلى سوى مقصودة أقوى، كان أحذق في عمله، كما إنه كلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعا من أنواع الخلل أشدّ، كان هذا العمل أحسن، مثل أن يجلس المشعبِذ في مكان مضيء جدا، أو مظلم كذلك أو ذي ألوان مشرقة، تفيد البصر كلالا واختلالاً،... والشعوذة هي اللعبة المعروفة: أعني الخفة في الحركة المعبر عنها في لغة الفرس بكلمة «تردستي» وأما الذي يترتب على الشعوذة فهو أمر واقعي، فإن المشعوذ يفعل ما يفعله سائر الناس من الأمور العادية، إلا أنه يشغل أذهان الناظرين بسرعة حركته وخفة يده بحيث يتعجبون من أفعاله من غير أن تكون تلك الأفعال الصادرة منه خيالية محضة كما في السحر أو غير جارية على السير الطبيعي كما في المعجزات، على ما عرفت من التفرقة بينها وبين السحر والمعجزة في المسألة السابقة. ويمكن أن تكون الشعوذة أعمّ من السحر، ويظهر ذلك من ملاحظة ما ذكره، وفي في لسان العرب: الشعوذة خفة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء بغير ما هو عليه أصله في رأي العين، والشعوذة السرعة، وقيل: هي الخفة في كلّ أمر، وعن المصباح: شعوذ الرجل شعوذة، ومنهم من يقول: شعبذة شعبذة، وهو بالذال المعجمة، وليس من كلام أهل البادية، وهي لعب يرى الإنسان ما ليس له حقيقة كالسحر وفي أقرب الموارد: الشعبذة كشعوذة زنة ومعنى. وفيه أيضًا: الشعوذة وهي خفّة في اليد وأخذ كالسحر يرى الشيء في رأي العين بغير ما عليه أصله، وفي المنجد: الشعبذة كشعوذة زنة ومعنى. وفيه أيضًا: الشعوذة وهي خفّة في اليد وأعمال كالسحر تُري الشيء في العين بغير ما هو عليه. وفي مجمع البحرين: الشعبذة هي الحركة الخفيفة. بعض اللغويين مع ملاحظة ما ذكرناه في معنى الشعوذة بحسب المتفاهم العرفي. ولكن الظاهر هو ما ذكرناه من المبائنة بينهما، فقه السيد الخوئي ج 31 ص 297“، - المصطلحات - إعداد مركز المعجم الفقهي - الصفحة 1482 -، هذا ما جاء في التعريف الاصطلاحي، ولكن الفتوى المشهورة عند أغلب الفقهاء هي كما جاءت عند آية الله العظمى السيد السيستاني وهي: ”يحرم تعليم وتعلّم الشعبذة التي تکون من أنواع السحر. وأما الألعاب التي تعتمد على سرعة الحركة وخفة اليد ولم تكن من أنواع السحر فلا بأس فيها“ - موقع المجيب، مؤسسة المصطفى للإرشاد -.

أما في عالم الروايات والقصص أذكرك بالرواية القصيرة لهربرت جورج ويلز «المتجر السحري»، حيث يقوم صاحب المتجر أمام أحد العملاء وابنه ببعض الألعاب السحرية التي أذهلتهما وتعجبا من هذه الألعاب أيّما تعجب، وأدهشتهما أيما إدهاش، إلى أن خرجا من هذا المتجر العجيب وهما في حالة كبيرة من الذهول.

المسك:

- صحيح هذا هو المتعارف عليه، لأن ألعاب الخفة هي للتسلية المحللة، ولا دخل لها بالسحر والاستعانة بالشياطين أو الجن وما أشبه.