من ذكرياتي مع لعبة ”الحجلة“
الحجلة هي لعبة للأطفال، وأكثر من يلعبها البنات، وأحياناً يلعب معهم الأولاد في مرحلة الصغر فقط، وعندما يكبرون قليلاً لا يلعبون هذه اللعبة مثلي بالضبط، لأنني في المرحلة الابتدائية لعبتها قليلاً - كما تقول ذاكرتي -، ثم أنِفتُ أن ألعبها مرة أخرى لأنني شاهدت أكثر من يلعبها في حي الديرة هم البنات، كأخواتي وبنات بعض الجيران، وأنا لست بِنتًا لذلك لا أريد أن ألعبها حتى لا يُعيّرني أيّ أحد من الذين يشاهدونني ألعبها معهنَّ، هذا كان شعوري في تلك السُّنيات القليلة التي لعبتها وأنا في المرحلة الابتدائية في «البيت العود» بحي الديرة، وأنا سأحدّثكم عن موقف حصل لي ذات يوم عصرًا في صالة الدور السفلي بالبيت العود.
كنت ألعب مع أخواتي الصغار وكان معنا إحدى بنات الجيران حيث قامت برسم مربعات الحجلة على أرضية الصالة بالطبشور، ثم أخذت ”الجحف“ وهي تلك القطعة التي يرميها اللاعب وهو يعطي ظهره للمربعات وأينما وقع هذا ”الجحف“ يكون هدفاً ليذهب إليه اللاعب قافزاً برجل واحدة اليمنى أو اليسرى، ثم يدفع بهذه الرجل هذا ”الجحف“ للمربع الذي يليه بقدمه التي يقفز بها وعليه أن يدفع ”الجحف“ بحذر بحيث يذهب للمربع الملاصق ولا يتحرك لمربع آخر أو يتحرك لخارج المربعات لأنه بذلك سيخسر، وهكذا يتم دفع ”الجحف“ حتى المربع الأخير ويكون قد حقق دوراً في اللعب وتسجل له نقطة، - هذا ما أتذكره من القانون الخاص باللعبة وربما هناك قوانين أخرى لها -.
والذي يُخطئ برميِ ”الجحف“ بحيث لا يقع في أي مربع من هذه المربعات يخرج من الدور ويأتي دور اللاعب الثاني، فإذا أصاب أحد المربعات برمي ”الجحف“ ثم قفز إليه مرّبعًا مُربّعا للأخير يكون قد فاز بالدور الثاني، وهكذا...
وهناك قوانين أخرى لهذه اللعبة أيضًا ولكن هذه الطريقة هي التي حُفِظت في ذهني إلى الآن، وكنا نلعبها هكذا، وهي طريقة منطقية في كسب الأدوار، ولا أعلم عن تلك الطرق الأخرى في لعبة الحجلة، ولا فرق بين هذه المربعات بهذه الطريقة التي شرحتها، أو تلك المربعات التي على شكل ثلاثة مربعات طولية بجانبها ثلاثة مربعات طولية أخرى، فطريقة رمي ”الجحف“ هي هي نفس طريقة اللعبة في الشكل الأول.
ولعبة الحجلة كما قرأت تُسمى أيضًا لعبة المربعات وقد اخترعها الرومان، وربما في بريطانيا في أوائل الإمبراطورية الرومانية، وفي البداية كان الهدف منها تدريب الجنود على نظام روما لتدريب المشاة، ثم تحولت إلى لعبة في البيوت أو في الطرقات الملاصقة للبيوت فيلعبها الصغار فتياناً وفتيات، وكم هو جميل أن تعود هذه اللعبة لأطفالنا لأنها تحوي على عنصر الحركة بالقفز على تلك المربعات، وهذه الحركة الرياضية لها فوائدها حتمًا كأي تمارين رياضية خفيفة مشابهة لها.
والشكل الأول من اللعبة هو عبارة عن مربعات تبدأ بثلاثة مربعات عمودية فوق بعض ثم ثلاثة مربعات أفقية يتقاطعان مع الثلاثة في المربع الأوسط الأفقي، ثم مربع آخر عمودي فوق المربع الأوسط، ثم يتقاطع ثلاثة مربعات أخرى مع المربع الزائد، وأحياناً يأتي مربع أخير فوق المربع الأوسط المتقاطع، وتقوم إحدى الفتيات برمي حجر صغير أو قطعة خشب مربعة أو دائرية ونسميه كما ذكرت ”الجحف“ - وربما له اسم آخر لدى بيئات أخرى - وهي تعطي ظهرها للمربع الأول وترمي قطعة الحجر أو قطعة الخشب لتقع في أحد المربعات المرسومة على المضمار المرسوم، ثم تقفز برجل واحدة خطوة خطوة على المربعات وتقوم بضرب ”الجحف“ وتحريكه للمربع الذي يليه وهكذا كاللعبة في الشكل الأول بالضبط.
ولعلّ إحجامي عن لعب هذه اللعبة ومشاركة البنات في أدائها هو اعتزازي بكوني من الأولاد وأحمل روح الرجولة منذ صغري في المرحلة الابتدائية، وهذا الشعور هو مِن جرّاء التربية التي حصلت عليها من والِدَي أولاً، وطاقم التدريس في المدرسة واحتكاكي بأعمامي وحضور عادة القراءة الأسبوعية والمجالس الحسينية الأخرى حيث تشجعني أمي على القيام بذلك بشكل مستمر، إضافة إلى أن والدي كان يأخذني في صغري لمجلس شاخور لحضور قراءة السيد مرتضى شبر ”رحمه الله“، حيث كان والِداي يحفزانني منذ صغري للاعتزاز بكوني من الذكور ويجب عليّ أن أحترم ذلك لأنني سأصبح بعد ذلك شابًّا يافعًا ثم رجلاً في المستقبل القريب، وكانت أمي تفتخر بي كثيراً عندما أذهب مع والدي لحضور المجالس الحسينية مساءً، كما كانت تفتخر بي عندما أذهب بمفردي أيضًا إلا أنها كانت تنصحني بحضور المجلس والعودة مباشرة بحيث لا أغيب عن المنزل إلا بمقدار حضور القراءة في المجلس الحسيني ثم العودة للمنزل مباشرة.
وكلّ ذلك كان دافعًا لي لكي أبتعد عن ألعاب البنات بشكل عام وليس لعبة الحجلة فقط، ومن جرّاء ذلك أيضًا شغلت نفسي بهواية القراءة في الكتب المناسبة لي كالقصص والحكايات وكذلك متابعة مجلات الأطفال ومجلات المغامرات.
- صدقت أيها المِسك، لقد قرأت في قصة للكاتب المصري حسين راجي بعنوان «الكنة» وهي قصة اقتبسها من الكاتب البلغاري كاراسلافوف، ما يفيد أن في الريف المصري حيث عمل الفلاحين رجالاً ونساءً في مزارعهم وأطيانهم، وتوصيفه لمختلف المشاهد اليومية لهذا الريف بأن الذين يلعبون هذه اللعبة هم البنات فقط، وقد وصف ذلك في مشهد إحدى الأمهات وهي تبحث عن ابنها الضائع؛ وتلاحظ ابنتها تلعب هذه اللعبة في البراح المجاور للحي الذي يقطنون فيه، وتنظر إليها وهي تقفز من مربع إلى آخر، وكان معها ثلاث بنات ينتظرن دورهنّ في اللعب، ولعل هذا يعود إلى كون أغلب المجتمعات يشجون الأولاد على الألعاب التي تناسب الأولاد، ويشجعون البنات على الألعاب التي تناسب البنات، وهكذا.