آخر تحديث: 16 / 5 / 2025م - 1:03 م

الدكتورالخنيزي: المبادئ الإسلامية سبقت العلمانية بألف سنة

جهات الإخبارية تصوير: مالك سهوي - القطيف

- الدولة المدنية الحديثة والعلمانية يحملان نفس المعنى والخصائص

- العلمانية نظام فكري سياسي يسهدف إلى التحليل الاجتماعي والثقافي والفلسفي للمجتمعات

تحت عنوان ”العلمانية بين المفهوم والواقع“، ألقى الدكتور تيسير الخنيزي، الباحث في مجال دراسات الاقتصاد التنموي والدراسات السياسية بمنتدى الخط الثقافي بالقطيف، محاضرة، تحدث فيها حول الفرق بين المفهوم السائد وتصورات المجتمع وواقع مصطلح العلمانية في السياق التاريخي والتطبيقي والعملي.

نظم مختلفة

وأوضح أن العلمانية ليست ديانة أو نظام حكم ومن الممكن أن تشمل نظما مختلفة سواء أكانت ديمقراطية أو شمولية؛ إذ أن الدولة العلمانية تحتاج إلى الخبرات والتخصصات المختلفة في الهندسة والعلوم والطب لمواجهة تحديات الحياة وتطويرها.

العلم والتطور

وأوضح أن لها صفة وثيقة بالعلم والتطور الذي نشهده في عالمنا اليوم، والتي تهدف إلى تحسين الحالتين الاقتصادية والحياتية، مضيفًا: بهذا المفهوم نستطيع القول بأن كل دول العالم لها طابع مدني علماني في تعاملها مع مقومات الحياة والتطور والتنويع الاقتصادي. وركز على نقطه محورية وهي أن مفهومي الدولة المدنية الحديثة والعلمانية يحملان في طياتهما نفس المعنى والخصائص.

أنواع العلمانية

وأشار إلى أن كثيرًا من الأدبيات الغربية والعربية تحدثت عن عدة أنواع من العلمانية، وهي العلمانية الاجتماعية والثقافية، والعلمانية الفلسفية، والعلمانية الجزئية، والعلمانية الشاملة، إضافةً إلى العلمانية السطحية.

أداة تحليل

وتابع أن جميعها يستخدم كأداة لتحليل المجتمعات في مراحل مختلفة من التطور الدينيوي الاجتماعي والسياسي والثقافي، مركزًا على العلمانية التي تعني فصل المؤسسة الدينية ورجال الدين عن الحكم وجعل اختصاص الدين هو الاهتمام بالشؤون الدينية والعبادة.

نظام فكري

وأوضح العلمانية بهذا المعنى هي نظام فكري سياسي يهدف إلى التحليل الاجتماعي والثقافي والفلسفي للمجتمعات. لذلك فإن وصف العلمانية بالكفر والإلحاد وتهميش الدين عن الواقع الاجتماعي ليس له واقع إلا في عقول بعض الشرائح المجتمعية مثل الجماعات المتطرفة.

معان صحيح

وقال: إن كلمة العلمانية كما أشار لها بعض المفكرين بفتح العين تعني العالم أو الأمور الدنيوية وبكسر العين تعني العلم وكلا المعنيين يتوافقان مع المعاني الصحيحة المرتبطة بأمور الحياة والمجتمع والعلم.

أدلجة المصطلح

وتحدث عن بعض الشرائح الاجتماعية التي عملت على تسييس هذا المصطلح وأدلجته سعيا إلى الوصول إلى السلطة. فكثير من الحركات الدينية المتطرفة لاتؤمن بمفهوم الوطن ولا يؤمنون بمفهوم الدولة بل يؤمنون بالخلافة والأمة، كما يرون أنفسهم متفوقين على جميع الناس.

فصل الدين

كما تحدث في المحاضرة التي عن فصل المؤسسات الدينية عن إدارة الدولة فقال: إن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال إلغاء الدين أو محاربته، فالأديان ضمن مفهوم العلمانية السياسية تكفل حق الجميع بممارسة الدين بشكل تام وتقر على حق الإنسان في عبادة ربه كما يشاء، لكن ليس لأي انسان الحق إجبار بقية أفراد المجتمع على كيفية تفسير النصوص الدينية.

مفهوم ديني

وتسائل: من هوصاحب الحق الذي يفرض مفهومه الديني على الآخرين وهل تم منحه تفويضا من الله بأن مفهومه الديني هو الأصح وإجبار الآخرين عليه؟ فالعلمانية لا تعني الإلحاد ولكن الحياد بين مختلف الأديان والطوائف في المجتمع، إذا العلمانية لا تعني إلغاء الدين وانما احترام الدين والحريات الشخصية وهي نتاج طبيعي لتطورالبشرية في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلوم.

دستور مدني

وأكمل: أول دستور مدني في تاريخ الدولة الإسلامية تمت كتابته فور هجرة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، واعتبره المؤرخون مفخرة للحضارة الإسلامية، والذي كان يكفل الحقوق الإنسانية للجميع: كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والمساواة والعدل.

دولة حديثة

واستطرد: تتمتع بدستور ينظم علاقة الدولة بالمجتمع وعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى؛ لذلك هنالك حاجة لأي دولة حديثة اليوم إلى دستور، كما كان الحال في عهد الرسول، بحيث يتلاءم مع الظروف الموضوعية للحياة.

مبادئ وقيم

وبين أن دستور المدينة لم يعتبر أن الدين المصدر الوحيد للتشريع في العلاقات المدنية بين الدولة والمجتمع ولكنه يبقى المرجعية العليا للشريعة الإسلامية من حيث استخلاص المبادئ والقيم الكلية، وأن الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فرق بين ما هو ديني وما هو دنيوي، كما فعل أيضا الخلفاء الراشدون.

قوة ذاتية

وقال الدكتور الخنيزي: أنا من المؤمنين بأن الإسلام يتمتع بقوة ذاتية كامنة في قدرته على التعامل مع مختلف جوانب الحياة، وهذا يتطلب تعاون وثيق بين مختلف العلوم الإنسانية والدينية والاجتماعية والفلسفية لاستنتاج الاحكام التي تتناسب مع الظروف الموضوعية والحياتية التي تخوضها المجتمعات الإسلامية اليوم.

مبادئ وثوابت

وأوضح أن المبادئ والثوابت الإسلامية تتوافق كليا مع مبادئ العلمانية أي أن المبادئ الإسلامية سبقت المبادئ العلمانية بألف سنة، متابعًا: لقد تم دعم تلك المبادئ الإسلامية التي تتوافق مع مبادئ العلمانية بسياقات مختلفة في ممارسة الحكم، مستشهدا بالآيات الشريفة ﴿أنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ... وفي المساواة بين البشر يقول الله تعالى ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ....

أٌلية دينية

وعلق: إن الله سبحانه وتعالى اعتبر فرعون أبشع طاغية لأنه استضعف أقلية دينية وهم بنو إسرائيل ولم يساو بينهم وبين بقية أفراد المجتمع وجعلهم عبيدا في تلك الفترة. وقال تعالى في حرية العقيدة ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. لذلك فالقرآن الكريم يرفض الإكراه في الدين بصورة مطلقة والآيات واضحة في هذا الصدد مثل ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.... لذلك فكثير من تلك المبادئ الإسلامية تتوافق كليا مع المبادئ العلمانية.

تشويه متعمد

وقال: إن مفهوم العلمانية تعرض للتشويه المتعمد وغير المتعمد نظرا للفهم الخاطئ في كثير من الأدبيات؛ فأدلجة الإسلام الأصولي للعلمانية بين الكفر والايمان ساهم مساهمة فعالة في تشويه المفهوم، ولكن حقيقة مفهوم العلمانية ببساطة يكمن في فصل المؤسسات الدينية ورجال الدين عن مؤسسات الدولة؛ لأن تفسير الدين خاضع للاعتبارات الذاتية للفقيه أو المذهب أو أي جماعة إسلامية. ودولة الحق الإلهي الناطقة باسم الله ليسى لها وجود في دولة الإسلام كما كانت المسيحية في العصور الوسطى. فالنبي ﷺ هو الوحيد الذي كان له مرجعية سماوية بالإضافة إلى كونه قائدا دينيا وسياسيا وعسكريا ومصلحا لقوله تعالى "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".

التحول الوطني

وأشار إلى أن عملية التحديث التي جاءت بها رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني تمثل عملية علمنة وتحديث المجتمع السعودي والرجوع إلى جذور الإسلام الحقيقية، وعملية الإصلاح الشامل واحترام جميع الأديان والمساواة والتسامح في حرية الاعتقاد بين جميع المواطنين كما كان قائما في عهد الرسول والخلفاء الراشدين، وهذا تحول نوعي في التاريخ السعودي الديني والثقافي.

مذاهب مختلفة

وبين أن مقابلة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين، تشير بوضوح إلى عملية التنوع في المجتمع السعودي لجميع المذاهب المختلفة، فلا يمكن لأي شخص الترويج لأي مذهب خاص وجعله الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في المملكة.

تمكين المواطن

وتابع: تشير الرؤية إلى تمكين المواطن السعودي بشكل عام والمرأة بشكل خاص بالإضافة إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة لرفع كفاءة العمل والأداء في المجتمع تمثل آمال وطموح ومستقبل هذا الوطن.

نظام اجتماعي

من ناحيته، قال المهندس محمد الشخص: إن العلمانية هي نظام اجتماعي في الأخلاق، مؤسس على فكرة وجوب تأسيس القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعيّ دون النظر إلى الدّين، فإذا كان كذلك فماذا تقولون في كثير من الظواهر ومنها المثلية على اعتبار الحياة المعاصرة؟.

ممارسات شاذة

وأضاف: قد يقول القائل بان العلمانية كمفهوم يختلف عن التطبيق كما هو حال الإسلام فان الممارسات الشاذة التي ألحقت بالإسلام تسببت بتشويه الإسلام النقي الناصع وعليه لا يحق لأي عاقل ان يتهجم على الإسلام من خلال هذه التطبيقات والممارسات السيئة.

أسس راقية

وتابع: إذا جاءت العلمانية بأفكار وأسس راقية فكما ذكر المحاضر الدكتور تيسير بأنها تشترك مع الإسلام في هذه الأسس «العدل،، حرية العبادة،،... الخ» فهي اذن لا تتقدم على الإسلام.

نظام مدني

وذكر أنها جاءت لتؤسس النظام المدني في الحكم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات ليس على أساس العرق والدين، فإن الإسلام قد سبقها بذلك فقول الإمام علي : "الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".

تصور صائب

وأكمل: هذا يؤسس للنظام الذي أرادته العلمانية، فهنا لا يجوز لنا أن نتحسس من طرح الإسلام كنظام دين وحكم في نفس الوقت باعتباره يوفر كل هذه المستلزمات، أما إذا كان الدكتور يقصد بأن العلمانية الحاكمة كبديل للإسلام المشوه التي تعتمده بعض الحكومات فهي تعتمد في حكمها على أساس العرق والمذهب والقبيلة وغيرها فهنا انا اعتقد بأنه قد يكون صائبا إلى حد ما في تصوره.

تفاعلات مجتمعية

ورد الدكتور تيسير، بقوله: المثلية ليست لها علاقة بالعلمانية لا من قريب ولا من بعيد، فقضية المثلية تحددها التفاعلات المجتمعية والمواقف الايديولوجية التي تحملها الأطياف الاجتماعية المختلفة، وكذلك دور الإعلام والصحافة والمؤسسات الدينية، أما بالنسبة لنا كمسلمين، فنحن نرفضها جملة وتفصيلا، وهي — أي المثلية — لا تتوافق مع مبادئنا الإسلامية ولا مع الطبيعة الإنسانية.

أشكال مختلفة

وأضاف: ثانياً، فيما يخص العلمانية، فإن العلمانية ليست نظام حكم كما أكدت في عدد من السياقات خلال المحاضرة، وقد تتخذ أشكالا مختلفة على حد سواء؛ أكانت علمانية ديمقراطية أو علمانية شمولية أو علمانية ديكتاتورية أو علمانية عسكرية. أما بالنسبة للإسلام، فهو من الممكن أن يكون نظام حكم تماشيا مع مبادىء الإسلام التي ذُكِرت في دستور المدينة، وكما أكدت على ذلك أيضا خلال المحاضرة. ولكن لا يمكن للإسلام أن يكون دولة دينية.

شؤون دنيوية

من ناحيته، تسائل أحمد الحميدي: ”هل يولد الإنسان علمانيا؟“، فجاء الرد: في الأساس، العلمانية تخص الشؤون الدنيوية والحياتية وهذه من سنن الحياة، ومنذ بدأ الإنسان على سطح الأرض، سعى إلى جني الرزق والأمن لأجل الحياة والدفاع عن نفسه ضد الغير والحيوانات المفترسة، كما كان حاصلا في المجتمعات البدائية. لذلك، فالإنسان وُلِد في حياته البدائية وهو يجمع بين الديني وغير الديني في شؤون الحياة؛ لذا فالعلمانية لا تطلق على الإنسان ولكنها أداة لتحليل المجتمعات تاريخيا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وتخص الشؤون الحياتية.

تسييس العلمانية

وكانت للمهندس ميرزا العلوان مداخلة، قال فيها: ذكرتم أن العلمانية لا تختلف مع الإسلام ومن خلال طرحكم فعلا كان التحدي أثر على مفاهيم كثير من الناس، وفي نهاية المحاضرة عاودتم وقلتم أن الإسلام أصبح مسيسا فهل العلمانية تخلو من التسيس أم لا؟.

مرجعية سماوية

وجاء الرد كالتالي: من الممكن أن تُسَيس العلمانية بأنها ضد الدين ولكن ليس لها تقديس كالإسلام، وذلك لإنها ليست مرجعية سماوية بل اجتهاد من العقل البشري والفكر الإنساني، وقد سُيسَت العلمانية في العالم العربي بقوة وكأنها ضد الدين وتدعم الالحاد؛ وهذا المفهوم الخاطىء تناولته سابقاً في المحاضرة.

مفاهيم أوروبية

فيما قال د. سامي السلطان: إن المفاهيم الأوروبية التي وردت إلينا ومنها مفهوم العلمانية، شملت مفهوم الدين أيضًا. فجاء مفهوم الدين لديهم بمقاس ومواصفات الدين المسيحي وحكم الكنيسة الكاثوليكية والذي استمر من القرن الخامس وحتى القرن الخامس عشر، وضم أحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية ضخمة منها الإقطاع والرق والحروب الأهلية المذهبية ومحاكم التفتيش وصكوك الغفران والحروب الصليبية.

إصلاح الأوضاع

وتابع: مفهوم الدين عندهم يختزن كل مآسي تاريخ العصور المظلمة في أوروبا، فجاء مفهوم العلمانية ومفهوم حقوق الإنسان وغيرها لإصلاح الأوضاع التي تسببت بها الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، ولذلك من غير الإنصاف وليس من الأمانة العلمية أن لا نميز بين المفهوم الغربي للدين وبين رحمة وإنسانية الإسلام في مبادئه وتعامله حتى مع غير المسلمين.

تجارب أوروبية

وعلق د. تيسير: نحن لا ندعو إلى نسخ التجارب الأوروبية ونقلها إلى العالم العربي والاسلامي؛ كل مجتمع له خصائصه الثقافية والاجتماعية والتاريخية، ولكن لا يُمْنَع بأن الأمم تستفيد من بعضها البعض وتستفيد من تجارب الشعوب الأخرى، فالتطور الديني الإصلاحي الذي حدث في أوروبا هيأ إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي من خلالها انبثقت الثورة الصناعية وتطور العالم كما نراه اليوم. فنحن نرسل أبناءنا إلى الولايات المتحدة وأوروبا ليتعلموا العلوم الإنسانية والاجتماعية والعلمية. فالدين الإسلامي هو دين رحمة لجميع البشر وفق المبادىء التي جاء بها في المساواة والعدل وحرية الاعتقاد وضمان حقوق الاقلية.

المفهوم الواقع

فيمال قال الدكتور محمد الشخص: لو اقتصر العنوان على تحديات العلمانية أو العلمانية بين المفهوم الواقع لكان أوقع، والمعلومات التي عرضها الدكتور تيسير كانت ثرية إلا أن هناك بعض الخلط الذي حصل بين الدين والعلمانية، خلق الإنسان ماديا تقوده الأهواء والنزوات والمصالح والغرائز إلا ما رحم ربي ”كالأنبياء والرسل والأئمة الخ“ وبدونهم فلا قدسية لأحد بل أصبح بعض الوعاض ورجال الدين عبئا عليه من بعد زمن الخلافة الراشدة إلى يوم الناس هذا.

تحريف السياسات

وتابع: حرفت بعض السياسات بعض مفاهيم الدين وأثرت على نقائه وأصالته خدمة لبعض الحكام وأصحاب النفوذ، ثم جاءت الكنيسة لتكمل الناقص فابتدعت بيع صكوك الغفران ووضعت نفسها حاكمة مفوضة تنوب عن الله في في حكم العباد وتقرير مصيرهم للجنة أو النار، وبعدها جاءت العلمانية كردة فعل وأقصت الدين عن الحياة العامة وحاصرته ورجالاته في الأديرة والكنائس ودور العبادة فقط

ملذات وشهوات

واختتم: وأخيرًا، لو أخذنا المعنى العام للعلمانية وهو فصل الدين عن الدولة وبذلك فقد وضع العلم مقابل الدين كونهما مفهومان متناقضان، إذا فالعلمانية لا تلتقي مع الدين والعلمانيون بهذا المعنى هدفهم الدنيا والتمتع بملذاتها وبالشهوات وإن كانت محرمة ورغم هذا التناقض الواضح بين العلمانية والدين إلا أن الدكتور تيسير حاول جاهدا أن يوفق بينهما.

نقاء وأصالة

وجاء الرد على الدكتور محمد الشخص كالتالي: أتفق مع المداخلة حيث تم تسييس المفاهيم الدينية وأثر هذا على نقائه وأصالته لتخدم أصحاب النفوذ والحكام. ولكن بالنظر إلى تعريفي لمفهوم العلمانية، فهي ليست فصل الدين عن الدولة ولكن فصل المؤسسات الدينية ورجال الدين وعدم تسييس الدين في إدارة الحكم، وبهذا المفهوم، فإن العلمانية تتوافق مع مبادىء الإسلام لأن الإسلام ضد تسييس الدين لخدمة المصالح والنفوذ لطبقة أو شريحة معينة.

تحرير المفاهيم

فيما قال أحمد الخميس: هناك إشكالية تتمثل في تحرير المفاهيم وتحديد المصطلحات، ومن ضمنها مفهوم العلمانية الذي اكتنفه الكثير من اللبس والتصورات الخاطئة والمتضاربة، وغالباً مايحدث الخلط بينه وبين مفاهيم مثل الليبرالية والديموقراطية وغيرها، وهي في سياقها التاريخي كانت استجابة واقعية وإنسانية وعقلانية في مواجهة تغول الكنيسة على المجتمع واستبدادها وتسلطها، وأصبحت فيما بعد دعوة لفصل المؤسسة الدينية عن الدولة من منطلق اختلاف الدور الوظيفي لكل من الدين والدولة، وتبلورت في نظام للحكم وآلية لتعزيز دور الدولة وصيانة لكرامة الفرد وتحقيق العدالة والمواطنة المتساوية بغض النظر عن العِرق والعقائد المختلفة والمتنوعة في المجتمع.

تعريفات مختلفة

أما فوزي الدهان، فقال: تعريف العلمانية ملتبس؛ ولكن تتفق مبادئه مع أسس المبادئ الاسلامية؛ أنا أقول: بغض النظر عن التعريفات المختلفة؛ الأهم حالياً أن جميع التعريفات المختلفة تتسق مع مبادئ حقوق الإنسان.

واقع عملي

وأضاف: هنا عادة ينظر الناس إلى الواقع العملي، فينظرون للعلمانية بما تطبقه الأنظمة التي تمثلها، فحاليا توجد صراعات وحروب قد تدهمها الدول الغربية وهي الأنظمة التي تعد نفسها أنظمة علمانية.

علاقة وثيقة

وأكمل: تثير مقابلة للمفكر والفيلسوف الكسندر دوغن مؤخراً: إلى أن هناك علاقة وثيقة بين العلمانية والإمبريالية؛ فهل تتفضلوا بتوضيح هذه العلاقة أو بمعنى أدق هل توجد هذه العلاقة وكيف؟، فجاء الرد: من المعروف أن المفاهيم والمبادىء النظرية مهمة وتأتي في الدرجة الأولى للوصول إلى التطبيق العملي، ولكن في الواقع الإنساني، بغض النظر عن كل الإيديولوجيات أو المفاهيم الإسلامية وغيرها، هناك فجوة كبيرة بين المبادىء والواقع وبين النظرية والواقع العملي. السؤال المهم في الموضوع والأصعب في كل الحياة الإنسانية: كيف تتحول توصيات هذه المفاهيم إلى تطبيق عملي. وهذا يتعلق بعوامل كثيرة معقدة في العملية الاجتماعية، منها تسييس المفاهيم وخصائص الثقافة الاجتماعية وطبيعة نظام الحكم، فيما إذا كان ديمقراطي أو استبدادي. كل هذه العوامل تؤثر في الواقع العملي.

فجوة كبيرة

أما بالنسبة إلى العلاقة بين العلمانية والإمبريالية، فيجب أن نعمل على فصل الحالتين، وهذا يعود إلى جوابنا في القسم الأول من الاجابة؛ أي أن هناك فجوة كبيرة بين المفاهيم والتطبيق العملي لا يتسع للإنسان ردمها بسهولة. فالتجربة الأوروبية غنية وثرية في إبداعاتها الإنسانية والعلمية وقد حصلت ثورات عظيمة في التاريخ كالثورة الفرنسية التي نادت بمبادىء الأخوة والعدالة الانسانية بين الشعوب. وكانت نتائجها في المحصلة النهائية مهمة للتطور الاقتصادي والسياسي لفرنسا. ولكن التوسع الامبريالي لفرنسا كان واضحا في أفريقيا والجزائر ودول مختلفة في أسيا. فمثلا، في الجزائر، حاولت فرنسا استعباد الشعب الجزائري المسلم وطمس هويته العربية ولكن الشعب الجزائري رفض الظلم والاستعباد وعمل ثورة عظيمة على الاستعمار والامبريالية الفرنسية. وكذلك ينطبق هذا التوسع الامبريالي على دول غربية أخرى كألمانيا وبريطانيا وأمريكا وإيطاليا، ولكن بصور مختلفة.

علمنة الإسلام

من ناحيته، وجه المهندس علي الجشي سؤالًا، وهو ”هل يمكن علمنة الإسلام؟“، فجاء الرد: الإسلام لا يتعامل فقط مع الشؤون الدينية الصلاة والحلال والحرام والعبادة والشعائر والحج والزكاة الخ فقط؛ ولكنه يتعامل إضافة إلى ذلك مع شؤون الحياة والرزق والعمل وهذه جوانب دنيوية علمانية مرتبطة بالحياة والعلم؛ أي أن العلمانيه جزء أساسي لايتجزء من الإسلام بالاضافة إلى المبادئ العلمانية العدل والمساواة وحرية الاعتقاد وحقوق وكرامة الأقليات التي هي من مبادئ الاسلام الأساسية.