الباحث الجشي: دوّنت أنساب القطيف في 75 مجلدا.. وأتريّث في طباعتها «فيديو»
- موسوعة ”جمهرة الأنساب“ تعود لما قبل الإسلام إلى الزمن الحاضر.
- في القطيف 6 آلاف عائلة تتبعت أصولها طيلة 43 عاما.
- السادة الهاشميين نزحوا للقطيف هربا من بطش الدول المعادية.
- القطيف مجتمع حضري لم يهتم بتدوين الأنساب ولم يظهر فيه ”نسّابة“.
قال صاحب أكبر موسوعة للأنساب في محافظة القطيف الباحث سامي الجشي إن هناك جملة من الأسباب جعلته يتريث حتى الآن في طباعة موسوعته التي قضى في كتابتها نحو 43 عاما والبالغة 75 مجلدا.
وأرجع الجشي، الباحث في علم الأنساب، أسباب عدم طباعة موسوعة ”جمهرة الأنساب“ البالغة 75 مجلدا، إلى وجود معلومات وافرة لم تدون بعد في الكتاب، بالإضافة لكون الجهد فرديا دون وجود فريق للعمل على انجاز الكتاب.
وأوضح الباحث الجشي بأن متابعة التعداد السكاني المتزايد ورصد الوفيات والزواجات في القطيف يتطلب المزيد من الجهد المضاعف والمتابعة المستمرة. مؤكدا، ان مشروع ”جمهرة الانساب“ يتطلب مراجعة دقيقة للغاية فالخطأ في مجال الانساب خط أحمر، فالمجتمع لا يتقبل الأخطاء في مجال الأنساب.
وأضاف، إن العمل بدأ في موسوعة ”جمهرة الانساب“ في عام 1400 هـ، مشيرا إلى إنه انطلق في تدوين الأنساب بكتاب عن عائلة ”الجشي“، حيث اكتشف عند بدء العمل أن العائلة كبيرة وتنتشر في القطيف والبحرين والعراق، بالإضافة لوجود امتداد نَسَبي بمعظم العوائل في القطيف.
وأشار إلى أن العمل في كتاب عائلة ”الجشي“ ساهم في توافر كم كبير من المعلومات عن كثير من الأسر، مما دفعه للتوسع ليشمل جميع العوائل في القطيف، خصوصا وأن مجتمع يفتقر لمثل هذه النوعية من الكتب، موضحا، أن الأسر التي لها امتدادات كبيرة في القطيف ولديها مصاهرة في الأحساء والبحرين ستكون حاضرة في الموسوعة.
وقدّر الجشي وجود أكثر من 6 آلاف عائلة في القطيف، مشيرا إلى إنه حينما كان مدرسا في المدرسة الثانوية التجارية والمعهد التجاري كان يتحاشى مناداة الطلاب بألقاب أسرهم لكون بعضها ”معيبا“، لافتا إلى إنه كان يفضل نداء الطلبة بالأرقام،
وأوضح انه خلال 43 عاما من العمل في الموسوعة لم يتلق دعوة للمشاركة في الجهد من الآخرين، مرجعا ذلك إلى اهتمام البعض بتدوين المعلومات عن العوائل الخاصة دون الاهتمام بتدوين كتاب يعني بكافة سكان القطيف. مؤكدا على استعداده لقبول أي مساعدة من الآخرين أو استقبال جميع الملاحظات بصدر رحب.
وأكد الجشي عدم ظهور أي ”نسّابة“ في الفترة السابقة في القطيف. مضيفا بأن موسوعة ”جمهرة الأنساب“ تتبعت الأنساب لما قبل الإسلام وصولا إلى الزمن الحاضر، مفنّدا في الوقت نفسه بعض المعلومات التي تتعلق بكون سكان القطيف من ”المجوس“، بقوله ”هذه المعلومة غير صحيحة“.
وبيّن أن الكتاب يحتوى كذلك على ترجمة للشخصيات كالعلماء والأدباء والشعراء، حيث يحرص على توثيق المعلومات الشخصية وتاريخ الولادة والزواج والطلاق والوفاة، مبينا، ان الكتاب يحتوي على صور شخصية منها القديمة والحديثة.
وأوضح أنه حرص على الرجوع للكثير من المصادر التي تحتوي على الوثائق القديمة التي تكشف جانبا علميا لدى مجتمع القطيف من خلال الاطلاع على الجانب الفقهي، مبينا، ان تلك الوثائق تحمل ”ختما“ تضمن عبارات تختلف عن الأخرى، وأنها تتوزع على الوصايا والأوقاف والهبات، حيث تحتوي على كنز من المعلومات.
وأوضح أن تلك الوثائق كشفت عن أجداد الجد السادس والسابع لبعض العوائل، خصوصا أن بعض الأبناء يجهل تلك المعلومات.
وأشار إلى أن المجلد الأول للموسوعة يختص بعائلة ”الجشي“ وبقية العوائل حسب التصنيف الأبجدي، مبينا، ان عائلة الجشي لا ترتبط بقرية الجش بالقطيف ولا بقرية الجشة بالأحساء، حيث تعود أصول العائلة إلى قرية تقع في شمال البحرين تدعى ”الجش“ ونسبت العائلة إلى تلك القرية.
وتابع بأن قرية ”الجش“ في البحرين طمرت قبل 400 - 450 سنة، حيث غمرت بالمياه، مما دفع الأجداد للهجرة إلى البلاد القديم والتي تعد عاصمة البحرين قبل وجود المنامة، مبينا، إن قسما من العائلة هاجر إلى القطيف قبل 300 - 350 سنة، حيث استوطنوا في قرية ”الكويكب“، ودفن الأجداد القدماء في مقبرة الدبابية، وبعدها انتقلوا إلى حاضرة القطيف وهي ”القلعة“، والبعض عاد مجددا إلى البحرين فيما هاجر البعض الآخر إلى للعراق.
وأوضح ان المصادر التي اعتمد عليها في موسوعة ”جمهرة الأنساب“ بعضها يعود إلى 143 سنة، ومنها دفتر ”تركة“ «جد» جده، الذي يعود إلى 1300 هجرية، حيث توفى في 1/9/1300، حيث كان الوصي الوجيه الحاج أحمد بن الشيخ محمد علي بن الشيخ مسعود الجشي، الذي عمل على إحصاء التركة طيلة 4 سنوات وهو جده لأمه.
وبين أن «جد» جده من تجار اللؤلؤ، وكانت تجارته تمتد إلى الهند، مما اضطره لإحصاء العقار لدى «جد» جده ووتثمين العقارات والكتب والعبيد والأشياء الكثيرة، مؤكدا، ان دفتر الإحصاء يحتوي على تثمين تلك العقارات بطريقة محاسبية دقيقة، بحيث أعطي كل ذي حق حقه. وبين بأن دفتر ”التركة“ يحتوي على أسماء الأشخاص وأسماء السلع وأسعارها في تلك الحقبة الزمنية.
وذكر الباحث الجشي بأن المصادر التي اعتمدها في جمع المعلومات تتمثل في الوكالات الشرعية، نظرا لكونه وكيلا شرعيا للعديد من الأشخاص، مما يمثل طريقا للحصول على الكثير من الوثائق والمستندات التي استفاد منها، بالإضافة للاتصال الشخصي بالآخرين، مبينا، ان بعض الاتصالات الهاتفية تستغرق 60 - 90 دقيقة تقريبا، وأن البعض يستغرب في الحصول على المعلومات المتعلقة ببعض الاسر.
وقال إن طريقته في تحقيق النسب تبدأ من الجد الأكبر للعائلة وصولا إلى الأبناء المعاصرين، مضيفا، ان البعض يبدي استغرابه الشديدة بمجرد الوصول إلى أجداد وجدات الأوائل، وأن بعض الأشخاص يتصل به لمعرفة جده أو جدته عندما تطلب منه دائرة الأحوال المدنية مثل هذه المعلومات العائلية.
وأوضح ان الأهداف من وراء تأليف كتاب ”جمهرة الأنساب“ تكمن في الرد على ”فِرْية“ أن مجتمع القطيف دخيل على المنطقة، حيث يفند الكتاب تلك الفرية ويثبت بالدليل القاطع أن مجتمع القطيف من أهل الحضارة.
وقال الجشي إن حضارة القطيف تمتد لآلاف السنين قبل الإسلام، وأن المجتمع القطيفي كان على دين ”النصرانية“ الموحدين، موضحا، ان هذا المجتمع دخل الإسلام بمجرد وصول رسالة بعثها الرسول الاكرم ﷺ لأهل القطيف.
وأضاف بأن كتاب ”جمهرة الأنساب“ يثبت أن مجتمع القطيف ينتسب إلى قبيلة ”عبد القيس“ التي تعود إلى ربيعة. بالإضافة إلى نزوح الكثير من عوائل السادة إلى القطيف نتيجة للاضطهاد والظلم الذي تعرضت له في الحقب القديمة ابتداء من الدولة الأموية مرورا بالدولة العباسية وانتهاء بالدولة العثمانية، حيث فضلت تلك العوائل العلوية الاستقرار في منطقة القطيف، نظرا لانتماء سكان المنطقة لمذهب أهل البيت .
وأشار إلى ان الأهداف الأخرى من وراء تأليف كتاب ”جمهرة الأنساب“ تكمن في كون الكثير من الأسر نتيجة انشغال الآباء بتحصيل المعيشة في التجارة والزراعة وصيد الأسماك والغوص، فلم يعودوا يولون أهمية بالغة بتدوين الأنساب، بالإضافة إلى كون بعض القبائل البدوية تشن الغارات على القطيف مما يتسبب في خسارة الكثير من الممتلكات، وربما يموت الأب ويترك أبناء صغار لا يعرفون شيئا عن ماضي الأسرة والمجتمع.
مؤكدا، كتاب ”جمهرة الانساب“ يحرص على لم الشمل وجمع الشتات، فهناك بعض العوائل اكتسب لقبا نتيجة المهنة التي يحترفها الآباء، لافتا إلى أن الكتاب يحرص على إعادة تلك الأسر إلى الأنساب السابقة والحقيقية.
وذكر إن الكتاب يتناول قضية الأرث والعمل على حصول الورثة على الحقوق الشرعية، لافتا إلى إن بعض الأبناء اضطر للانتقال للعيش في مناطق أخرى نتيجة كون الأم ”أمَة“، نظرا لمحاولة البعض الانتقاص من أبناء ”المملوكة“، مبينا، إن انتقال الأبناء إلى مناطق أخرى تضيع الميراث، مما يستدعي تدوين الأنساب لحفظ تلك الحقوق الشرعية.
وأكد وجود الكثير من الصعوبات التي واجهته في الحصول على المعلومات لموسوعة ”جمهرة الأنساب“، منها بعض الأعراف الاجتماعية كالقول بذكر ”المرأة عيب“، مبينا، إن معرفة الأنساب مرتبط بمعرفة أنساب الأمهات، مضيفا، إن البعض حاول تزويده بمعلومات ناقصة أو غير صحيحة، لافتا إلى موسوعة ”جمهرة الأنساب“ أشبه بكتاب الكلمات المتقاطعة، فكلما زادت المعلومات كلما اصبح الوصول إلى المعلومة الدقيقة متاحا، موضحا، انه يعمد إلى الحصول على المعلومات من خلال البحث الكامل عن جميع أفراد الأسرة وكذلك الأقارب، مما يساعد في الحصول على معلومات وافرة، الأمر الذي يسهم في اكتشاف المعلومات الخاطئة التي حصل عليها من بعض الأشخاص.
وكشف عن توجهه لإعداد بعض مجلدات من كتاب ”جمهرة الأنساب“ للطباعة قريبا، مؤكدا، وجود مشروع لنشر الوثائق في كتاب مستقل، مرجعا ذلك إلى غياب الاهتمام بعلم الأنساب لدى مجتمع القطيف سابقا، وهذا ما يفسر عدم ظهور أي نسّابة، وعدم نشر كتب للانساب، بحيث لم تنشر كتب للأنساب على اطار العائلات.
وأضاف إن المجتمع بدأ بالاهتمام بعلم الأنساب، بحيث ترجمت على هيئة كتب أنساب للعديد من العائلات في مجتمع القطيف، موضحا، ان شريحة واسعة من المجتمع بدأت تولي علم الأنساب اهتماما بالغا، مستدلا بأنه بات يتلقى العديد من الاتصالات المتعلقة بعلم الأنساب.
وأرجع الجشي إزدياد الاهتمام بعلم الأنساب إلى مجموعة عوامل منها معرفة العوائل لشجرة الأنساب، بالإضافة للبحث عن الأسر المناسبة عند التفكير في الزواج، لافتا إلى أن الزواج من الأقارب ظاهرة معروفة في السابق، بينما بدأ الزواج من الأقارب يقل في الزمن الحاضر، مما كان يفرض على الراغب في الزواج البحث عن المرأة المناسبة في النسب والحسب.
وذكر الباحث إن القطيف في السابق كانت تشمل " البحرين والقطيف والأحساء وتسمى بلاد البحرين، حيث كانت تبدأ من البصرة إلى عمان، ومن هضبة الصمان إلى ساحل البحر بما فيها البحرين الحالية، موضحا، ان التوثيق الحديث حصر حاضرة القطيف بين رأس تنورة ورحيمة والجبيل والدمام، ولذلك فالموسوعة تشمل سكان محافظة القطيف الحالية.
وكشف عن توجسه من انزعاج بعض الأسر بمجرد ظهور موسوعة ”جمهرة الأنساب“، مضيفا، إن أحد أقربائه اتصل به للطلب منه عدم ذكر زاوجه من احدى السيدات، فيما إتصل به آخرون طالبين عدم ذكر طليقاتهم بالرغم من حدوث الطلاق بينهما، مؤكدا، إنه يحرص على كتابة تلك المعلومات في الموسوعة ولكن نزولا عند رغبة تلك الشخصيات ”ربما“ لا يذكرها في حال طباعة الكتاب.
ورأى ان القبائل البدوية تتفاخر بالحسب والنسب بخلاف الأسر الحضرية عبارة عن مجتمع مدني لديهم اهتمامات عديدة بعيدا عن الإهتمام بالحسب والنسب، مضيفا، إن مجتمع الحضر يمتاز بكونه من أصحاب المهن وأعمال وبذلك يختلف عن أهل البادية، الأمر الذي يفسر غلبة المهنة على بعض العوائل، مما يؤدي لذهاب اللقب ”السابق“ ويحل مكانه لقب ”المهنة“ مثل النجار والحداد والغواص وغيرها من الألقاب، لافتا إلى إن بعض الأسر تتحد في بعض المهن مثل الحداد والصفار ولكنها بعيدة عن بعضها من الناحية النسبية.
وذكر الجشي إن الاهتمام بعلم الأنساب لا يتناقض مع تركيز الإسلام على التقوى والعمل الصالح، لافتا إلى إن قضية خطبة الامام علي لفاطمة بنت حزام الكلابية مشهورة، حيث اتجه لصاحب الاختصاص أخيه ”عقيل بن ابي طالب“ قائلا له ”اخطبي لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب“، فاشار عليه بفاطمة بنت حزام الكلابية.
وأكد إن العديد من الأسر لجأت إليه لاثبات بعض حقوق الورثة وكذلك بعض قضايا الأوقاف، مبينا، ان الوقف الذري في القطيف ظاهرة مألوفة، بحيث يكون محصورا على الأبناء، مضيفا، إن ولي الوقف الذري محاسب أمام الخالق لإحصاء الورثة واعطاء كل حقٍ حقه من الوقف، موضحا، ان الوقف الخيري يشمل جميع اعمال الخير سواء وقف للعبادات أو وقف لسيرة الائمة المعصومين .
وأشار إلى أن القطيف من المناطق الحضرية القديمة التي تحتوي على أشياء عديدة تدفع الناس للهجرة اليها، مضيفاِ، إن القطيف من المناطق الساحلية مما ينعكس على أخلاق سكانها، حيث تمتاز المناطق الساحلية بليونة الأخلاق، بخلاف سكان المناطق الجبلية الذين يمتازون بالغلظة والشدة، مضيفا، ان مجتمع القطيف يتصف بالاخلاق الحسنة، لافتا إلى إن الكثير من أهالي البوادي التي هاجرت للقطيف طلبا للعمل في الزراعة وصيد الأسماك استوطنوا في المنطقة وتشيعوا، مبينا، ان الهجرة العكسية قليلة، فنادرا ما يهاجر أهالي القطيف إلى مناطق أخرى، موضحا، إن أسباب الهجرة العكسية مرتبطة بالضغوط الشديدة منها زيادة الخراج نتيجة المطالبات الاقتصادية. واعتبر القطيف منطقة جذب في الغالب، لتوافر جميع الحرف المهنية في المنطقة قديما مما حقق لها الاكتفاء الذاتي.