باحثان: تقديم الأرز في الحسينيات انفردت به القطيف قديما.. و”محموص“ تاروت يفرض نفسه

تباين باحثان تاريخيان في تحديد منشأ طبخ ”المحموص“ بمحافظة القطيف، بين أنه تاروتي المنشأ، وبين أن أهل تاروت هم أكثر من أتقن طبخ المحموص وأن ذلك لا يعني أنهم أول من طبخوه كون الكثير من مناطق القطيف ينسبونه لأنفسهم.
وأكدا انتشار ”المحموص“ من محافظة القطيف إلى مناطق أخرى في السعودية في قوائم المطاعم، على أنه قبل ذلك ولزمن طويل لم يكن غير البحرين والقطيف يقدمون الأرز في مأتم عاشوراء.
ويعرف ”المحموص“ اليوم مرتبطاً بموسم عاشوراء، يمتزج لونه ورائحته كرمزية سائدة على طبخات الأرز الأخرى المتعارفة في السعودية، وبقي حاضراً بهيبته كوجبة عريقة يتهافت عليها المعزون من كل مكان في عشرة محرم الأولى، رغم امتياز بعض العوائل في طبخه ويعرف باسماء مآتمهم في بلدات القطيف ويتنافسون على فرادة مذاقه إلا أن ”محموص“ تاروت فرض نفسه.
وذكر الدكتور المؤرخ علي الدرورة وهو عضو جمعية التاريخ والآثار لمجلس التعاون الخليجي منذ عام 1999م، أن تقديم الأرز في الحسينيات لم يكن معهوداً إلا في البحرين والقطيف فقط، لافتاً إلى أن الإطعام في النوادي الحسينية أو ما يسمى في عصرنا الحسينيات يعود لعام 343 هـ جرية وقبل ذلك كان مقتصرا على تقديم الماء نظرا لأن الحسين قتل عطشانا.
وأضاف أن تقديم الماء استمر حتى ادخل الرطب والحليب في بعض الدول والتمر والقهوة في دول أخرى، في حين مرت سنوات طويلة جدا ولم يقدم الإطعام بالطريقة المعهودة في العصور الخوالي ولم يقدم سوى التمر والقهوة والشاي للمستمعين.
ولفت إلى أن جزيرة تاروت وحدها كانت تقدم وجبة الغداء المعروفة بالأرز المحموص لوفرة البصل ذو البذرة المحلية إلى جانب الأرز.
وأرجع ذلك إلى كون جزيرة تاروت كانت تتمتع بإنتاج 16محصولا زراعيا ومنها الدخن والجزر التاروتي والأرز والسمسم والعنب الاحمر والذرة والبصل التاروتي والليمون وكل هذه المحاصيل اندثرت تماما، وقال مؤكداً: ”حين أقول «التاروتي» فهو ذو بذرة محلية غير متوفرة في مكان آخر“.
وأشار إلى أن أهالي تاروت وسنابس كانت تطهو الطعام خلال اربعة أيام ابتداء من السابع، وبعضهم يستمر حتى الحادي عشر.
وأردف أنه خلال هذه الأيام يمتنع الناس عن العمل تماما وهناك فئة واحدة تعمل وهي أصحاب الحظور حيث يجلبون صيدهم من الاسماك للحسينيات ولا يأخذون منه شيئا دعما لبرنامج الإطعام وهذا متعارف عليه عند الجميع.
وأعقب الدرورة في حديثه لـ ”جهينة الإخبارية“ أن توفر الليمون والبصل والفلفل والأرز هو الذي جعل أبناء جزيرة تاروت يداومون ويتفننون على طهي المحموص ولسنوات طويلة جدا على ان مناطق أخرى لم تكن تعرف ذلك.
وذكر أنه لفترة زمنية تقارب حدود نصف قرن انتشرت عادة الإطعام طوال عشرة محرم الحرام بمعنى أن المحموص يتم تحضيره يوميا، فيما يلاحظ أن الأواني المستخدمة في الحاضر لم تكن كما هي في الماضي فقد اختلفت تماما باختلاف الزمن، حتى الإطعام اختلف تقدميه.
وأكد الباحث في الفلكلور الشعبي عبدالرسول الغريافي وهو أستاذ محاضر سابق في جامعة الملك سعود أن عيش المحموص ورد ذكره في بعض الوثائق القديمة جدا المتعلقة ببعض انواع الأوقاف الخاصة بضيافة المستمعين وذكر معه الجريش فهو قديم في المنطقة.
وأردف أن الأرز ”المحموص“ كان متلازما مع إعداد أرز معروف باسم ”البحّاري“ غير أن ”المحموص“ أكثر شهرة وعليه الطلب أكثر تزايدا.
وتطرق الغريافي إلى الإشارة إلى أن الأزر المحموص والبحاري لم يكن في الماضي مقتصرا طبخه على أيام عاشوراء والوفايات وإنما كان أيضا في مناسبات الفرح، مبيناً أن أن يقدم في مناسبات الزواج لكل عائلة مدعوة «كاب» نصفه محموص ونصفه بحاري وكذلك في ايام محرم واحيانا يطبخ القاورما.
ولفت أن ”البحّاري“ قد أخذ في الانقراض بعد أن حلت محله طبخات أخرى كالكبسة والبرياني وغيره وأما المحموص فقد استمر لما له من شعبية واقبال كبير عليه علاوة على انه مع ظهور تنوع الطبخات في مناسبات الزواج وخصوصا بعد أن دخلت المطاعم في تموين الزواجات فقد اختفى المحموص في مناسبات الزواج وظل مستمرا في أيام عاشوراء وباقي الوفايات.
وذكر أن للمحموص مسميات مختلفه في بعض مناطق القطيف فالبعض - مثلا - يسميه ”امبزر“ وله أسماء أخرى ولكن طغى اسم المحموص وانتشر وخصوصا في أيامنا هذه بعد أن اتصلت مناطق القطيف ببعضها وقد ساعد هذا أيضا وسائل التواصل الاجتماعي.
وعقب أن ممن اتقنوا طبخ المحموص هم أهالي تاروت لافتاً إلى أن هذا لايعني أنهم أول من طبخوه فالكثير من مناطق القطيف ينسبون لأنفسهم بأنهم أول من طبخه ولكن يشهد لأهل تاروت الكثير بإتقانه وكذلك ربما أنهم اول من طبخه مع سمك الهامور والكنعد فقد كانوا مستمرون ومنذ زمن بعيد يطبخونه مع السمك.
وأشار إلى انتشار طبخه ومعه اسمه في نفس الوقت في كل مكان؛ مضيفاً أن هناك مطاعم من مدن أخرى من خارج القطيف لها أفرع في منطقة القطيف قد تبنت فكرة طبخه رغبة في تلبية طلب الزبائن في القطيف وبعدها صدرته لأفرعها الأخرى وفي مناطق اخرى واليوم يطبخ أيضا في الأحساء.