حديث المجالس
كانت المجالس والديوانيات وما زالت، ملتقى الأصدقاء والمعارف، يقضون فيها الساعات، ربما طوال العام، للحديث في قضايا مختلفة، ومحتوى ما يدور في تلك المجالس، يوضح الخلفية الثقافية لذلك الحضور، فمن المؤكد أن هناك مجالس تحوي نقاشات جادة ومفيدة ومهمة، هذه الديوانيات التي يتنوع الحضور فيها، ويتغير في الكثير من الأحيان، والأصل أنها عادة حسنة يتناول الناس فيها أخبار مجتمعهم الصغير وبلدهم بشكل عام، وهي بالتالي أيضا ترفيه عن النفس، عبر لقاء المعارف والجلوس إليهم، وقد حضرت أحد تلك المجالس، وهو مجلس الأستاذ عبدالرحمن العطيشان، رئيس مجلس إدارة غرفة الشرقية، وكان يحضره جمع طيب من رجال الأعمال والمسئولين والدعاة، وشخصيات اجتماعية وثقافية، ودار الحديث حول قضايا عامة مفيدة وجادة، ولكن دعونا نكن أكثر صراحة، ولنسمِّ الأمور بأسمائها، فالواقع أن أغلب تلك الديوانيات يقضي الحضور وقتهم في الحديث عن أمور غير مفيدة، حيث إن معظمها جلسات إهدار الوقت، بل وقتله حسب تعبير البعض، هذا إذا لم يتخلله شيء من الغيبة والإساءة للآخرين، ويمكن التطرق إلى هذه المجالس عبر بعدين، البعد الأول، هو واقع هذه المجالس، فهناك الكثير من الأفراد الذين يقضون في هذه المجالس أكثر مما يقضونه بين أهلهم، سواء زوجاتهم أو أطفالهم، حيث إن بعض هذه المجالس ليلية، وهذا بحد ذاته أمر مؤسف ومحزن، وله تأثير على العلاقة الزوجية والتربية الأسرية، ناهيك عن الهدر الكبير للوقت وأثره على الفرد والمجتمع،، فضياع آلاف الساعات إن لم نقل الملايين، هو ضياع لناتج قومي محتمل كان يمكن أن يصب في صالح المجتمع، وقد جاء عن الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه...» فالوقت ثروة قيمة جدا، ولا يحق لنا هدرها بدون حساب، وسنُسأل يوم القيامة عن ذلك.
أما البعد الثاني لهذه المجالس، فهو يتعلق بمحتواها، فإذا كانت الجلسات لقتل الوقت فهي بالطبع جلسات سيئة، وإذا كانت للنقد من اجل النقد، أو للقدح في العاملين في الشأن الاجتماعي والتطوعي والشأن العام عموما، والتنظير الذي لا طائل منه، فإنها جلسات هدم، فبدلا من شكر العاملين على ما يقومون به، والجهد الذي يبذلونه، نسعى إلى نقدهم والتقليل من دورهم، فهذا أمر سيئ للغاية، كما أن الحديث وإبداء الرأي من خلال المجالس لا يغير من الأمر شيئا حتى لو كان صائبا، فالواقع شيء والكلام شيء آخر، فلن ينفع المجتمع النصح والتوجيه من داخل مجلس من المجالس، بل ينفعه العمل على الساحة، ومن يعمل لا بد أن يخطئ، ولعل أكثرنا شاهد جلسات التنظير لدى البعض في كل شأن من شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون حدود، وبدلا من أن تكون جلسات بناء ونقاش وتبادل للخبرات، فإنها معاول هدم بدم بارد، لكل محاولة وتجربة وعمل تطوعي.
اللهم اهدنا إلى سواء السبيل، وأبعدنا عن المجالس التي لا طائل منها، وضررها أكثر من نفعها اللهم آمين.