الأقليات في الدول الإسلامية وغير الإسلامية
يأتي وضع الأقليات المسلمة في بريطانيا - تحديدا - كحالة مختلفة عن الحالة الأوروبية، رغم ان الدول الاوروبية في مجملها، تصرف مئات الملايين من الدولارات لدعم دمج الاقليات مع مجتمعاتها، في بريطانيا يتاح الكثير من الحرية للمسلمين أكثر من بقية الدول، ويمكن الحديث عنها ضمن نقاط ثلاث: أولا: هناك قلق من قبل الجالية المسلمة على ابنائها، وأرى أن مبررات ذلك القلق غير قوية، إذا علّمنا ابننا التعاليم الإسلامية بصورة صحيحة، فلا خوف من تأثره بسلبيات الحالة الغربية، لإيماننا بعقيدتنا وقناعتنا في أبنائنا واطمئناننا لتربيتنا، أما الحالات الخاصة فلا مناص منها أينما نكون، وثانيا: المطلوب من الأقلية المسلمة الانخراط في الحياة الاجتماعية بشكل كامل، والبعد عن التقوقع والانكماش داخل «كانتونات» خاصة، فمن المهم الدخول في اللجان والجمعيات والأحزاب في تلك البلدان، شأنهم شأن أي مواطن «خاصة بالنسبة للمتجنسين» وذلك يجعلهم كالمواطن العادي، يأخذ حقوقه ويؤدي واجباته، وثالثا: على المراجع الإسلامية هناك، الإجابة عن التساؤلات التي تطرأ للجالية الإسلامية وإيجاد الحلول للمشكلات التي قد يعتقد البعض أنها تتعارض مع التعاليم الإسلامية، للمساعدة في انخراط المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها.
ومن جانب آخر فان الحكومة هناك «الأغلبية» سعت وهيأت الظروف لاستيعاب الاقليات المسلمة في بريطانيا وأدخلتهم في برلمانها، وسمحت باقامة المساجد والمراكز الإسلامية، وسمحت للخطباء بالتعبير فيها بحرية، وأتاحت المجال لاقامة المدارس الخاصة بالمسلمين، ليقوموا بتدريس ابنائهم حسب تعاليمهم الاسلامية دون تدخل فيها، كما سمحت بانشاء المراكز الاسلامية لتخريج مختصين وباحثين مسلمين، منطلقين من تلك البيئة، ليكونوا اقدر على تشخيص حالة أهلهم المسلمين.
يمكننا أن نستفيد من هذا النموذج في البلدان الإسلامية، سواء ما يخص الأقليات المسلمة أو غير المسلمة، سعيا وراء ذوبان الجميع في بوتقة الوطن، وما السعي الغربي لدمج تلك الاقليات الا اعتقاد منه بأهمية هذا الدمج على مستوى الوطن، وبالتالي فهو مهم لنا أيضا.
في البلدان الاسلامية هناك اقليات دينية ومذهبية وعرقية، وحري بنا أن نستفيد من تجارب غيرنا لدمجها في مجتمعاتها، ليكون ذلك المجتمع أكثر قوة وصلابة، لذا فيما يتعلق بخوف بعض الأقليات على ابنائها من تأثرهم بالديانات الأخرى، فالواقع يخالف ذلك، فلم نسمع في المجمل ان مجاميع من ديانة ما تحولت الى ديانة أخرى، وهذا الخوف من المفروض ان يتلاشى بشكل اكبر لدى الأقليات المذهبية المسلمة، حيث الجامع بينها هو الاسلام، واختلاف المذاهب ليس بالقضية المخيفة، عندها يبقى المطلب الثاني وهو ضرورة اندماج الأقليات في مجتمعاتها، والابتعاد عن التقوقع والانكماش في أماكن محددة، بل عليهم الانخراط في كل مجالات الحياة، لتكوين مجتمع متماسك وقوي حتى لو اختلفت بعض ثقافاته، والنقطة الثالثة هي ضرورة استجابة رجال الدين للفوارق التي تحصل بينها وبين المجتمعات التي تعيش فيها، وايجاد الإجابات على بعض التساؤلات، ومن جانب آخر فعلى الأكثرية تهيئة الظروف والمساعدة على هذا الاندماج، عبر احترام ثقافة تلك الاقليات واتاحة المجال لانشطتهم وبرامجهم وخصوصيتهم الثقافية والدينية، لتستغني عن الدارسة الخارجية، وتتبلور افكار الباحثين والمفكرين تحت قبة الوطن، لتكون اكثر قدرة على التعامل مع أوضاعه واحتياجاته، وصولا نحو تكوين وطن لا يستطيع احد اختراقه او استغلاله.