علي الأكبر (ع) والثقة بالنفس
قال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: آية 55].
يتطلّب العمل الناجح عدة أمور، أهمّها العلم والمعرفة والثقة بالنفس، فالثقة بالنفس هي أن يكون لديك قدرات عالية، وأن تعرف أنها لديك، فقد تكون جسدية أو عقلية أو مادية أو روحية إلى آخره من جوانب القوة والقدرة.
فالثقة بالنفس تجعل المرء على يقين وطمأنينة من نجاحه في عمله لأنه يعمل والنتائج حاضرة بين يديه «ابدأ والغاية في ذهنك» وهي العادة الثانية من العادات السبع للناس الأكثر فاعلية لستيفن كوفي. هذه الثقة نراها متجلية في النبي يوسف حين طلب من حاكم مصر أن يجعله مسؤولًا عامًّا على خزائن الأرض، لأنّ لديه العلم والمعرفة وكذلك ثقته بنفسه ويمتلك من القدرات ما تؤهله أن يتقلّد ذلك المنصب، كما أنّه أشار إلى سمة من السمات الهامة وهي الأمانة «حفيظ»، إحدى ركائز أخلاقيات العمل.
لا شك أنّ الثقة بالنفس من الأمور المهمة لأي إنسان يسعى للنجاح، غير أنّ هناك ثقة أكبر وهي الثقة بالله، تلك الثقة التي تجعل من علي الأكبر يقف شامخًا عندما سمع أباه الإمام الحسين
يسترجع وهم في طريقهم إلى كربلاء فأجابه: «والله لا نبالي أن نموت محقّين». هذه الثقة العظيمة بالله نابعة من الإيمان العميق بالله، فهو حفيد رسول الله محمد ﷺ وشبيهه. يقول الشاعر: شبيه محمدٍ خَلقًا وخُلقًا وفي لفتات جيد، فهو خرّيج مدرسة أهل البيت
. لذا فقد وقف وقفة الواثق المطمئن، وحين نشبت الحرب وكشّرت عن أنيابها، برز إلى الأعداء كالأسد الجسور، لم يتردد ولم ينهزم، بل غاص في الصفوف ببسالة وعزة وكرامة.
هذه الثقة الكبيرة وهذا الإيمان الراسخ وهذا العلم المبين والمعرفة الحقيقية للواقع لدى علي الأكبر تجسّدت خلال حياته حتى يوم استشهاده، فهو النموذج الذي يجب على الشباب أن يقتدوا به، وأن يسلكوا طريقه وينهلوا من شخصيته ما يزيد من ثقتهم بالله وبأنفسهم.
نحن جميعًا بحاجة ماسة للتعرّف على شخصية علي الأكبر في جميع جوانب حياته، ليس فقط يوم استشهاده
، فهو المثل الأبرز والمثال الأوفى لكل شاب يطمح في النجاح، فحياته مليئة بالعبر والدروس، وشخصيته نموذجًا للطموح والسمو بما يملك من سمات ومهارات وقدرات.
وهنا نسأل: ما العلاقة بين الثقة بالنفس والنجاح؟
الجواب:
الثقة بالنفس والنجاح بينهما علاقة وثيقة ومترابطة، ويمكن تلخيص هذه العلاقة في النقاط التالية:
1. الثقة بالنفس دافع لتحقيق الأهداف: عندما يؤمن الإنسان بقدراته، يكون أكثر استعدادًا للمبادرة، واتخاذ القرارات، ومواجهة التحديات. هذا الإيمان بالنفس يمنحه الحافز للمحاولة مرة بعد أخرى، ما يقرّبه من النجاح.
2. الثقة بالنفس تقلّل الخوف من الفشل: الأشخاص الواثقون من أنفسهم لا يرون الفشل نهاية الطريق، بل يرونه فرصة للتعلّم والنمو، وبالتالي لا يتوقفون عند العقبات بل يتجاوزونها.
3. الثقة بالنفس تجذب الآخرين وتفتح الأبواب: الواثق بنفسه يُلهم من حوله، ويكسب ثقة الآخرين، ويساعده على تحقيق أفكاره ومشاريعه الخاصة.
4. الثقة بالنفس تُحسّن الأداء: الدراسات النفسية تثبت أن الأشخاص الذين يمتلكون ثقة في قدراتهم يؤدّون المهام بشكل أفضل، لأنهم يركّزون على الحلول بدلاً من القلق من الأخطاء.
5. النجاح يعزز الثقة بالنفس أيضًا: العلاقة بين الثقة بالنفس والنجاح ليست أحادية الاتجاه فقط. كل نجاح صغير يضيف إلى رصيد الثقة بالنفس، مما يخلق دورة إيجابية لسلسلة من النجاحات وتعزيز الثقة بالنفس.
أنا على يقين من أنّ هناك أشخاصًا أقوياء قادرين، لكنّهم لا يثقون بأنفسهم، ما يجعلهم يفتقدون قدراتهم ويتحوّلون إلى ضحايا، وهناك أشخاص ضعفاء، لكنّهم صدّقوا وهم الشعارات الزائفة والأقوال الكاذبة، حتى أصابتهم المذلة والانكسار المهين.
على الشباب أن يتعرّفوا على حقيقة قدراتهم وقيمها ودرجاتها كي يكونوا واقعيين في تصرفاتهم، من خلال القيام بعمل تحليل شخصي، كما يمكنهم التعرّف على حقيقة قدراتهم من خلال شخص حكيم عاقل يراهم من بعيد ويعطيهم النصيحة الأمينة الصادقة، أو عقد جلسات تدريبية خاصة بهم ليكتشفوا ذواتهم ويتعرّفوا على قدراتهم.
خلاصة القول: لا بد أن نتذكّر أمرًا مهمًّا، وهو أنّ الثقة بالنفس ليست ضمانًا للنجاح، لكنّها شرط أساسي له، وبدونها قد لا تبدأ، ومعها يمكنك أن تواصل حتى تصل.