آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

أزمة الثقة بالله: هل نؤمن به أم نتعامل معه؟

عبد الله أحمد آل نوح *

في الليلة التاسعة من شهر محرم الحرام، فتح سماحة الشيخ فوزي آل سيف الباب على مصراعيه أمام تساؤل يمسّ جوهر علاقتنا بالدين اليوم: هل نحن نؤمن بالله أم نتعامل معه؟ لقد أضاء سماحته على ظاهرة تحويل الإيمان إلى علاقة نفعية؛ علاقة لا تُستدعى فيها القدرة الإلهية إلا عند العجز، ولا يُطرق فيها باب السماء إلا عند اشتداد الأزمات. هذه النظرة هي السبب وراء شيوع حالة من ”القلق الإيماني“، وتضخيم الشعور بالخذلان عند تأخر الاستجابة.

المصابون بهذه النظرة، كما ألمح الشيخ، لا يبحثون عن الخلل في علاقتهم بالخالق، بل يركزون على ”النتائج“ الفورية التي يقطعون بأنها حق مكتسب لهم. ولو سألت أحدهم عن سبب عدم استجابة دعائه، لأجابك من دون انتظار: ”لقد دعوتُ ولم يستجب لي“... أي إن إقراره بفعل الدعاء، يتحول خلال لحظات إلى اتهام مبطن للوعد الإلهي بالتقصير... وهذا من أعجب العجب.

ولعل أبرز ما طرحه الشيخ فوزي في هذا السياق، هو إعادة قراءة قوله تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . لقد حلل سماحته كيف أن الله يضع شرطاً لهذا القرب: ”عبادي“. فقد نسبهم إليه أولاً، مشترطاً فيهم صدق العبودية، قبل أن يعدهم بالقرب والإجابة. فمن لا يعرف الله إلا في أزماته، كما أوضح الشيخ، كيف يتوقع أن يُعامل معاملة ”عباده“ المقربين؟

والعجيب أن حالة الشكوى من تأخر الفرج تلك تتوازى، في كثير من الحالات، مع إهمال واجبات العبودية الأساسية كالشكر واليقين. وقد نشهد نقاشات تظهر فيها هذه الازدواجية بشكل صارخ؛ فالشخص نفسه الذي يشكو من قسوة الظروف، هو الذي ينسى شكر الله على ما بقي لديه من نعم. إنه التناقض بين منطق ”المستهلك“ الذي يطالب بالخدمة، ومنطق ”العبد“ الذي يسلّم لمالكه.

أقول إنه متناقض؛ لأن الثقة بالله، كما تجلت في المحاضرة، ليست حالة عاطفية مؤقتة، بل هي منظومة فكرية وسلوكية. ولكي لا يبقى هذا الطرح نظرياً، ساق سماحته مثالاً تهتز له الأركان من كربلاء: قصة علي الأكبر بن الحسين. الشاب الذي لم يواجه جيشاً وعدداً فحسب، بل واجه سؤال الوجود الأكبر في لحظة الموت المحتم. لم يسأل: ”لماذا يحدث لنا هذا؟“، بل سأل سؤالاً يكشف عن عمق اليقين: ”أوَلسنا على الحق؟“.

عندما جاءه الجواب من أبيه: ”بلى، والذي إليه مرجع العباد“، لم يعد للموت معنى. فكان رده، الذي هو خلاصة كل معاني حسن الظن بالله: ”إذاً لا نبالي، أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا“.

إن اليقين لا يندثر بالسيوف، إلا إذا كان إيماناً سطحياً. اليقين الحقيقي الذي تحدث عنه الشيخ هو الذي يخلق ”مجتمع الثقة“، أي المجتمع الذي تسوده روحية التسليم بوعد الله، فلا يسقط في فخ اليأس أو نظريات المؤامرة التي ترى أن الشر أقوى من الخير.

وخلاصة القول؛ إن إلقاء المسؤولية في مآسينا على ”تأخر الاستجابة“ الإلهية، كما نبهنا الشيخ فوزي آل سيف ببراعة، ليس سوى تمظهر لأزمة ثقة تجعل الإنسان ساخطاً على قدره، باحثاً عن حلول سريعة بدلاً من بناء علاقة حقيقية مع خالقه. علاقة لا تسأل ”ماذا ستعطيني؟“، بل تسأل: ”هل أنا على الحق؟“، لأنها تدرك أن من كان على الحق، فقد أُعطي كل شيء.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال