الحسين وتجليات نهضته المباركة
قال الله في محكم كتابه وفصيح خطابه:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169]
صدق الله العلي العظيم.
هناك، في بقعة مقدسة مباركة من كربلاء، انطلقت ملحمة إنسانية عظيمة امتزجت فيها البطولة والرجولة والتضحية والشهادة من ثلّة مؤمنة بربها ودينها، فقدّمت دماءها الغالية رخيصة من أجل إقامة العدل الإلهي والشرع المحمدي الأصيل.
وقائد المسيرة لهذه الملحمة الجبّارة هو ذلك العملاق الذي تسامى على جروحه وآلامه، إنه ابن أبيه الحسين بن عليّ عليهما السلام.
نعم… ثلّة مؤمنة قدّمت نفسها قرابين من أجل أن يبقى الدين شامخًا في علوه وعلاه.
ونتيجة هذا الحراك، تهاوت بُدور الشقاق والنفاق، وانتهى بها المطاف إلى مزبلة التاريخ، حيث لا ذاكر لها.
لأنّ ما قامت به هذه الزمرة الفاسدة انعكس على أفعالها المدمّرة في قلب الحقائق، وخلق جملة من التناقضات لتشويه الدين وإظهاره بمظهر لا يتلاءم مع مسيرة الحياة وديمومتها.
ولكن جنود الله الأشاوس، وقائدهم في واقعة الطف، وقفوا لها بالمرصاد، وأعادوا للدين جلاله وهيبته وبوصلته، وأزالوا كل شائبة تشوبه، ووضعوه في قالب من الطهر والنقاء، تجلّى في بلورة الأهداف والغايات التي قام من أجلها هذا الدين القويم ودعا إليها.
كان لنهضة الحسين تجلّيات واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، ونحن كموالين أحوج ما نكون إليها، لنجعل منها دروسًا وعبرًا وقدوةً وأسوةً في حياتنا اليومية، وما أغناها، لأنّ كنوزها لن تنضب على مدى العصور والدهور. ولنكون على تماسٍ بها مباشر، ففيها صلاح أحوالنا وسلامة ديننا ودنيانا، لنعيش حياة كريمة وفاضلة وعادلة.
ولا بأس من الإشارة إلى بعض هذه التجلّيات كرؤوس أقلام، من باب التذكير ليس إلا، وباختصار شديد، ومنها:
أولًا: رسم لنا الحسين كيفية محاربة الظلم بشتى صنوفه وأنواعه، والوقوف مع الحق ونصرة المظلوم.
ثانيًا: العمل على كشف المنافقين والمرائين وتعريتهم كائنًا من كانوا.
ثالثًا: أن نتقبّل الآخر، وأن يكون النقد بنّاءً ومن غير تحيّز لأي طرف.
رابعًا: أن اختلاف الآراء في الرؤى يثري النقاش ويزيده حماسًا ومنطقًا.
خامسًا: الابتعاد عن كل ما يثير النعرات والعصبيات والكراهية، وعدم شخصنة الأمور.
سادسًا: وحدة الكلمة ولمّ الشمل، والتسامح فوق كل الخلافات والاجتهادات.
سابعًا: زيادة الوعي والتوجيه المجتمعي من ذوي الاختصاص والمعرفة لتقارب الشرائح الاجتماعية.
وإلى غير ذلك من القيم والمفاهيم التي زرعتها وأكدت عليها قافلة العشق الحسيني المباركة.
فسلام الله عليك يا أبا عبد الله يوم وُلِدتَ، ويوم استُشهِدتَ، ويوم تُبعث حيًّا.