آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

الحسين وارث الأنبياء..

عبد الرزاق الكوي

سيرة الإمام الحسين هي سيرة الأنبياء، وإن لم يكن نبيًّا، إلا أنه قام بمهام مجموعة من الأنبياء أولي العزم وغيرهم، وكان ختامهم جده المصطفى محمد ﷺ، فقد هيأه جده لأن يتبوأ هذا الدور الرباني العظيم ذو المهام الصعبة في وقت عصيب من أوقات الأمة، حيث انحرفت فيها المبادئ، وتغيرت فيها القيم، وتبدلت فيها العقائد، وتكالبت الأزمات، وتجمع من أراد الشر والكراهية ضد قيم الدين الحنيف.

الحسين ورث ثِقْلًا عظيما ومصائب متعددة، اصطفاه الله تعالى ليكون إمامًا وقائدًا لفترة حالكة من حياة الأمة، كما اصطفى الله الأنبياء ليفيض عليهم من بركاته، وتكون درجاتهم في عليين.

أخذ عمن سبقه روح التحدي والتضحية والفداء والصبر والإرادة وغيرها من صفات الأنبياء ، جسدها الإمام على أرض كربلاء كواقع ليس له مثيل من قبله أو من بعده، لم تثنه جيوش الأعداء وقلة الناصر، ويتمثل قول جده رسول الله ﷺ: «يا عمّ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته»، فقد حوصر جده في شعاب مكة جوعًا وعطشًا مع أهل بيته وأصحابه، وحوصر الإمام جوعًا وعطشًا مع أهل بيته وأصحابه في كربلاء، وكانت قوتهم وإصرارهم على موقفهم منبعهما توكلهم على الله تعالى.

صرّح بها من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، قائلاً: «حسين مني وأنا من حسين»، ارتبط هذا الثنائي المقدس ليكون امتداداً لخطٍ واحد ومسيرة واحدة تلتقي في الدم والفكر والتوجه والفداء وغيرها من المشتركات الكثيرة التي عاشها النبي ﷺ وأكمل مسيرتهُ، وحافظ عليها الإمام الحسين .

منذ ولادته المباركة، نال بركات جده، وحظي برعاية خاصة ليكون وريثًا لأعظم مسيرة عرفتها البشرية في كربلاء، كتبت بالدماء لتسكن القلوب وتحظى بالخلود، وأتم هذه التهيئة المباركة للإمام الحسين خير البشر بعد النبي محمد ﷺ، الإمام علي بن أبي طالب . وما أدراك ما الإمام علي ! تعجز الكلمات عن وصف مكانته، ولن يفي هذا المقال بنقطةٍ من سيرته المشرفة، والأم سيدة نساء العالمين، أمّ أبيها فاطمة الزهراء، عليهم أزكى وأعطر السلام، فهذان الشخصيتان العظيمتان، وقد قال رسول الله ﷺ: «يأخذ الحسين مني شجاعتي وجودي».

عاش الإمام الحسين حياته الشريفة، وهو يتعلم من خير البشرية بعد رسول الله ﷺ. رغم الظروف التي مرت على أهل البيت، فقد كانت معاني العدالة واقعًا معاشًا عُرف به، ولم يتزحزح قيد أنملة عنه، مهما كلّفه من مشاق ومتاعب، مسيرة ورثها من أخيه النبي، وهو ميراث كانوا أهلاً للقيام به.

فالأنبياء كرّسوا جل حياتهم للإصلاح كأمر رباني واجب القيام به، وكرّس الإمام الحسين ليس فقط أيام حياته مجاهدًا، بل قدّم نفسه الزكية فداء لمبادئه، وكانت بينه وبين الأنبياء الكثير من المشتركات، فاختص بأن يكون سيد الشهداء، ويكون امتداد الأئمة من ولده.

اليوم، البشرية كم تشرفت بالرسالة النبوية، ومن بعده حمل الإمام الحسين وراثة الأنبياء وجده. وتنتظر البشرية اليوم وارث الإمام الحسين ، امتداد وراثة الأنبياء، منقذ البشرية وصاحب العصر والزمان، ليكرس كل القيم التي ورثها على أرض الواقع.

كتب الله تعالى لأهل البيت أن يحظوا بشرف تبليغ رسالته، كلاً حسب وقته ومرحلته، فكما ورث الإمام الحسين من جده، كذلك فإن الإمام المنتظر هو وارث وامتداد لمسيرة جده، يحمل أعباء الرسالة في عصر يُعد من أقسى وأصعب العصور، إذ تتكالب فيه الأمم، وكلٌّ يريد السيطرة، والقوي يظلم الضعيف، ويسلب حقوقه، وتنعدم العدالة على النطاق العالمي. فجده النبي ﷺ هو منقذ البشرية من الضلال، وجده الحسين شهيد هذه المسيرة الخالدة، يجمعهم هدف وتطلعات واحدة، ومنهج إلهي خُطّ من قبل السماء، يتحقق على يد خير البشر، لنشر قيم الدين الحنيف، صراع الحق مع الباطل، والعدل مع الظلم.

انتصر الرسول الأكرم، وانتصر الإمام سيد شباب أهل الجنة بشهادته، وجزاه الله خير الجزاء، والرسول المصدق الأمين يقول: «أما إن لي ولقاتلك موقفًا بين يدي الله عز وجل». ما أعظمه من قول، من قلب مجروح بأمة تقتل ابن نبيها، وسوف يكتب الحفيد تاريخ نجاة البشرية.