آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

حماس أم تهوّر؟

محمد يوسف آل مال الله *

قبل أن نحكم على إنسان بأنّه متحمّس لفعل أمر ما أو متهوّرًا، لا بد أن نعرف الفرق بين الحماس والتهوّر وتعريف كلٍّ منهما، فالفرق دقيق جدًّا، لكنّه جوهري ويمسّ طريقة اتخاذ القرارات وتنفيذ الأفعال.

يُعرّف الحماس على أنّه اندفاع عاطفي إيجابي يدفع الشخص نحو العمل أو التفاعل بشغف وطاقة، ويكون مصحوبًا بالتفكير والتخطيط، ويُبنى غالبًا على قناعة أو هدف واضح، ويقود إلى تحفيز الذات والآخرين بطريقة بنّاءة.

أمّا التهوّر، فيُعرّف على أنّه اندفاع سريع وغير محسوب نحو الفعل دون تفكير بالعواقب، ويتميّز بغياب التفكير العقلاني، كما أنّه يعتمد على ردود فعل آنية أو مشاعر مفرطة، ويؤدي غالبًا إلى اتخاذ قرارات خاطئة أو نتائج سلبيّة.

فمن التعريف السابق للحماس، نستطيع القول بأنّه مصطلح يُستخدم للإشارة إلى موقف أو طريقة لمواجهة مواقف مختلفة في الحياة، وبمثابة قوة داخليّة تمنح الشخص الشعور بالرغبة في القيام بالأشياء، أو الشعور بالسعادة، أو الدافع والميل إلى القيام بما هو مطلوب. وغالبًا ما يعتمد حماس الشخص على التحفيز أو الحافز، سواء كان التحفيز خارجيًّا أو داخليًّا.

كما أنّ التهوّر، وبحسب تعريفه السابق، بعيد كلّ البعد عن شخصية القاسم بن الحسن عليهما السلام، ذلك أنّ فعله لم يكن دون تفكير أو اندفاع غير محسوب، فالهدف ثمين، والغاية سامية، والنتائج بيّنة أمامه، واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار. فالذود عن حرم الله ورسوله أعلى مراتب الشرف.

السؤال المهم: ما هو الدافع أو المحفّز الذي دفع بالقاسم بن الإمام الحسن عليهما السلام لأن يتوجّه إلى عمّه الإمام الحسين ليأذن له في الحرب معه رغم صغر سنّه؟

هل هو الدافع الداخلي؛ كون المحارِب هو عمّه وأهل بيته، أم الموقف الخارجي الذي يفرضه الواقع للدفاع عن النفس؟

مهما يكن الدافع، داخليًّا كان أو خارجيًّا، يظل دافعًا يؤجّج في داخلنا الحماس لتحقيق هدف واحد هو السعادة؛ السعادة التي نبحث عنها بين أجنحتنا وفي نياط قلوبنا، تلك السعادة التي تتجلّى من خلال تحقيق أهدافنا، دنيويّة كانت أم أخرويّة.

الحماس الذي ملأ قلب القاسم أكبر من تحقيق السعادة لنفسه، بل كان يبتغي السعادة لإمام زمانه، وقُرّة عينه، بل لكل فرد من عائلته وأصحابه. فكلّما كان الهدف كبيرًا، كان الدافع أكبر، والحماس أكثر اشتعالًا.

وهنا لا بد من وقفة للتأمّل، وأخذ الدرس بعقلانية وتوازن. إذ لا شكّ أنّ الحماس قوّة كبيرة قد لا نستطيع إيقافها، وخصوصًا لدى الشباب، فيتحوّل من كونه حماسًا إلى تهوّر، لا يُحمد عقباه، لأنّه حينها سيكون في غير مكانه أو وقته.

هذا الحماس المفرط ليس ما نتطلّع إليه، بل نتطلّع إلى حماس الشباب لتحقيق أهدافٍ سامية؛ حماسٍ يجعل من الشباب أساطين في العلم والمعرفة والثقافة والعمل.

ولكي تكتسب الحماس وتشعر بالتحفيز، إليك بعض النقاط المهمّة:

• ضع أهدافًا وتخيّل نفسك تحقّقها مع كلّ التفاصيل الصغيرة والدقيقة.

• اكتب الأسباب التي تدفعك لتحقيق هدفك.

• قسّم أهدافك إلى أهداف صغيرة.

• حدّد بعض المكافآت عند تحقيق أهدافك.

• ضع استراتيجيّة لتحقيق أهدافك، وكن مستعدًّا لتغييرها.

• اطلب المساعدة من الآخرين الإيجابيّين.

• جهّز نفسك لكيفيّة التعامل مع انخفاض حماسك.

تذكّر أنّ في قلب كلّ إنسان شعلة تُضيء حين يؤمن بفكرة، أو يحلم بهدف، أو يشتعل بداخله شغف لما يحب. وهذا هو الحماس؛ وقود النجاح إذا وُجّه بعقل، وصديق الإنجاز إذا سار على خُطى الوعي والتخطيط والانضباط والتوجيه الصحيح، كي لا يتحوّل إلى تهوّر. فالنار إنِ اتّقدت وفلتت من موقدها، لا تُنير بل تحرق.

في الختام، فإنّ الحماس يبني، لأنّه يُصغي لصوت الحكمة. فلا تقتل طاقتك بالاندفاع، ولا تخنق حلمك بالخوف والتردّد، بل امزج حماسك بعقل، واندفع بثقةٍ مدروسة، وكن أنت من يصنع المجد، لا من يضيع في لحظة اندفاع غير محسوبة العواقب.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
جاسم المحفوظ
4 / 7 / 2025م - 1:19 م
يا كثر ما نشوف تصرفات اندفاعية باسم الحماس خصوصا بالمواسم أو حتى في العمل. الحماس بلا وعي قد ينقلب ضد صاحبه
2
حسين البصري
4 / 7 / 2025م - 8:33 م
لو كل شاب فهم هذا الكلام لقلت ضحايا التهور.