مزايدات بعضها مضحكة وبعضها مُخجلة
في الشارع،
تراه يقف بمركبته موقفًا ازدواجيًا / أمام أبواب كراجات بيوت الآخرين، لكي يدرك استلام طلبه من المطعم، أو الصلاة جماعة، أو لكي يدرك استجابة دعوة طعام أحد أصدقائه، أو إفطار رمضان، أو مشاركة دُزَّة زفاف. أو تراه يوقف سيارته ”شطَف“ بحيث إنها تعترض جزءًا كبيرًا من عرض الطريق العام، أو تُخنق الطريق مروريًّا لأنه يعتقد بأن دقيقة واحدة كافية لاستلام ملابسه من مغسلة الملابس والانصراف دون إحداث أي ربكة للحركة المرورية. أو تراه يركن سيارته لإنزال أفراد أسرته عند مدخل بيت أهله / المول / المتجر / العيادة / المدرسة / البقالة، ظنًّا منه أن كامل وقت عملية تحميل أو إفراغ السيارة من راكبيها لن يستغرق أكثر من 3 ثوانٍ، والواقع أنه قد يأخذ الركاب ما بين 15 - 25 دقيقة للنزول وإنزال أغراضهم!
كل أولئك الأصناف من سائقي السيارات الأنانيين المعتوهين أو أشباه المعتوهين غير المُبالين بحقوق الآخرين، يرتكبون حماقات وشبه جنايات على من يقود مركبته خلفهم وأمامهم وبجانبهم، فضلًا عن المشاة.
في المسجد،
تراه يحجز مكانًا في أحد الصفوف بوضع سجادته أو مسواكه أو سلسلة مفاتيح سيارته أو ما يصح السجود عليه، ثم يختفي ليتوضأ أو يتحدث مع آخرين. وفي قاعة المحاضرات / المجالس الموسمية التثقيفية، تراه يضع سبحته أو عقاله أو قبعته أو بعض أدواته من ملزمة أو كتاب للدلالة على أن المكان محجوز، وليس هناك سبب صحي مُلح لعمل كهذا. ومع ذلك لا تراه جالسًا على المقعد المحجوز طيلة أو أغلب وقت المحاضرة! وحُرم شخص آخر أشد حاجة للمقعد لعلل صحية، وقد اضطر للجلوس على الأرض طوال فترة المحاضرة.
في المول،
تراه يُفرغ عربة مشترياته على سير محطة المحاسب «الكاشير»، وفجأة يترك طابور المشترين من خلفه مُعلَّقين انتظارًا له ليجلب علبة أو غرضًا ما نسيه أثناء تسوقه. أو تراه يأخذ عربة تسوق كبيرة من داخل سوبرماركت داخل المجمع التجاري بهدف وضع أطفاله الصغار داخل العربة، ولا تراه يشتري أي شيء من السوبرماركت، صاحب العربة، ويَحرِم متسوقًا آخر من استخدام العربة المخصصة للتسوق.
في العالم الرقمي «الإنترنت»،
تلاحظ عند تصفحك النت، لاسيما تطبيق تويتر، تراه يتفاعل مع الآخرين بحدّة ونبذ وإقصاء وتخوين وتكفير وتهجُّم، ويطلق نعوتًا بذيئة في الآخرين وأعراضهم، لمجرد نقد الآخرين لفكرة معينة بطريقة منهجية رصينة تتعارض مع قناعاته. أو تراه يتصفح مواقع السُّرَبيط الدَّشير ويعيد تغريد الصور الفاضحة والفضائح الماجنة، ويستفز الناس بالألفاظ النابية البذيئة، ثم تراه يتحدث أمامك عن أهمية احترام الناس، ورصّ الصف، وحرية النقد العلمي، وضرورة المساواة في إتاحة الفرص، وتقديم الكفاءات على العلاقات!!
في إحياء ذكرى المناسبات الإسلامية الموسمية،
ترى البعض يُشنّع على البعض من المسلمين إحياء ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، وذكرى رحيل الرسول، أو سِبط الرسول، أو ذكرى ميلاد النبي والإسراء والمعراج، عبر تدوير ونشر صور مخلة بالآداب ولقطات مبتذلة وتهكُّم وشتائم؛ في المقابل، ترى ذلك البعض يسافر إلى دول أخرى ليحضر احتفالات ذكرى ميلاد أجانب ومهرجانات على الشواطئ حيث المجون والإسفاف!! ثم يقول لك إن كل إنسان رهين بعمله!! أو يقول عن نفسه إنه ناقد حر!!
في التفاعل مع الأخبار العالمية،
ترى بعضهم يتكلم ليل نهار عن حقوق الحيوان، ويتشدق بأهمية عمل حملات رعاية وملاجئ حيوانات مشرَّدة. وفي ذات الوقت، ذلك البعض يُغلق عينيه وفمه عن كل أنواع المجاعات وضحايا ظلم بعض البشر في حق كل البشر!
تراه لا يتعاطف عرقيًّا ولا دينيًّا ولا إنسانيًّا مع نكبات ومآسي الآخرين الإنسانية من حروب وزلازل وبراكين. وعند وقوع أي منها عليه، يعتب على الآخرين ويجلدهم، وقد يشتمهم إن لم يتعاطفوا معه!! تراه لا يعطي بالًا ولا أهمية ولا يكترث لأي حدث يقع على الآخرين، حتى جيرانه أو أبناء مدينته، وفي المقابل يطالب الآخرين بمتابعة ما يهمه، والتضامن معه، والتصفيق له، والمواساة له إن مرض، وتهنئته إن نجح…!!! فمن جهة يقول لك: ”أنا ابن بلدك… أو من جماعتك“ لاستدرار عاطفتك في التعامل، ومن جهة أخرى، يمارس الإجحاف وإبراز عضلاته الإدارية عليك، وقد يُجردك من المساواة في المعاملة!!
كل تلكم المواقف التي أساءت للآخرين وأمثالها، جعلت الاحتقان والضغينة وتبادل الشتائم والتذمر والنكد وكثرة الاستقطابات في تصاعد ملفت في بعض المجتمعات والمناطق وبعض الدول وبعض العرقيات، لاسيما في الساحات الرقمية والعالم الافتراضي. وبالتالي تُترجم تلكم الاحتقانات في بعض الضحايا السُّذج على شكل أمراض نفسية واكتئابات وعِراك واصطدامات وتهديدات واستنزاف عاطفي وهدر للوقت.
ولذا نرى صعود إصابات البعض بالضغط، وأمراض القلب، وحالات تشنُّج عنيفة عند قيادة مركباتهم، أو طرق أبواب الحوار معهم، أو حتى حضور مباراة كرة قدم.
فأفسدوا هواء كل الأجواء، وكل الحوارات، وكل التطبيقات!!
الغريب أن بعض أولئك قساة القلب، ومُثيري القلق، ومُحدِثي الاستفزاز، ومنتهكي حقوق الآخرين، قد يكونون أجانب أعداء، أو ينتحلون صفة مواطنين، أو يتشدقون بأنهم أكاديميون محترمون، وأبناء عوائل عريقة! ويُزايدون الآخرين في وطنيتهم، وفي أخلاقهم، وفي عقائدهم، وفي أدبهم، وفي عِفَّتهم وأعراضهم!!! وكل تلكم المزايدات خلاف الأدب والاحترام والنزاهة والموضوعية.
إلى المصابين بالغرور، أو العُجب، أو التكبر، أو عدم المبالاة، أو التعصب:
قال أهل الحكمة وبُناة الأمم الصادقين:
الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.
- الإمام علي في رسالته لمالك الأشتر.
إن كنت أخًا في الوطن أو الدين أو العِرق أو الإنسانية، فإننا جميعًا وإياك، سواء كنا أبناء مجتمع واحد أو أبناء وطن واحد، في سفينة واحدة، ويُحتم علينا منطق العقل والدين والضمير والأخلاق والتفكير السليم والمسؤولية المشتركة: حسن السلوك، والتصرف بحكمة، وتفادي أسباب المشاحنات والخلافات، وتجنب القذف بالنعوت السيئة، واحترام الآخرين وأعراضهم، لِننعم جميعًا بالبركة والسعادة والأمن والتوفيق والمودة.
وشخصيًّا، أشكر كل إنسان أحسن استخدام نِعم الله من أجهزة وتطبيقات وأدوات وقنوات واتصالات لنشر الخير والفضيلة والحكمة وتكامل الأخلاق. كما أشكر كل إنسان واعٍ ربَّى نفسه وأفراد أسرته على طاعة الله وتقواه، ووجَّه طاقته للإنتاج والإبداع والتصنيع والوعي، وتجنب المهاترات والتراشقات والمناكفات والاستفزازات، ورسَّخ روح الاحترام والمودة، والأخلاق الرفيعة، والسلوك المنضبط.
”يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُسلم بقلبه، لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته، ومن تتبع الله عثرته يفضحه“ - الرسول محمد ﷺ.
”من تتبّع خفيّات العيوب، حرمه الله مودّات القلوب.“ - الإمام علي بن أبي طالب .
فما بالك بالعقوبة الرادعة التي أعدَّها الله لمن يقذف المحصنات العفيفات من خلف شاشات الأجهزة وفي العالم الرقمي؟
1. ”المال رجال، يروح للناس ويكشف حقيقة معادنهم.“
2. وقيل: إن بعض التجار النصابين يعملون في تعاملاتهم بالمثل المنسوب لبعض القبائل اليمنية:
”من تقدر على أداء ديّته، اعبث بحياته ولا تبالِ بأذيّته.“