آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

الأنا المريضة والضمير الغائب: أزمة الإنسان المعاصر

سراج علي أبو السعود *

غالبًا ما تكون سلوكيات الإنسان مرآةً تعكس ما يختلج في داخله من اضطراب أو اطمئنان. وبين هذين الطرفين تمتد درجات لا نهائية من المشاعر والانعكاسات. فالنفس المضطربة تشبه عضوًا ملتهبًا، حساسًا لأي مؤثر خارجي، ما يجعله يتألم من أبسط عارض، فيُترجم ذلك الألم إلى سلوكيات غير متزنة، يشوبها الغضب أو حتى ما هو أسوأ. ومن مظاهر هذا الاضطراب ما قد يتطور - في غياب التهذيب أو المعالجة - إلى سلوك عدواني أو جريمة، حيث تبرر النفس لنفسها ما لا يُبرر. إنّ علاج هذه الاضطرابات الداخلية هو جدار الصد الأول قبل أن يتحول الإنسان إلى ذئب مفترس في هيئة بشر.

في تصوري، أنَّ أكبر عائق يحول بين الإنسان وبين التحلي بالفضائل هو غياب الحس الأخلاقي الحي. هذا الصوت الداخلي لا يرتبط بالدين أو المذهب أو الانتماء، بل هو شعور إنساني يرى في الفضيلة قانونًا واجب الاتباع، كما يرى في العدل والرحمة والحق مبادئ لا تحتمل المساومة. هذا الوازع هو الذي ينهى صاحبه عن الظلم، ويمنعه من التعدي، ويحثه على ردع النفس إذا همّت بالإثم. لكنه لا يظل نقيًا دومًا، إذ قد يختنق تحت ركام الأهواء والمصالح والأنانية، فيفقد حساسيته تجاه ما هو حق أو باطل. حين يضعف هذا الوعي، يصبح الإنسان مشغولًا بذاته، لا يكترث بسوى مصلحته، ويتعامل مع الآخرين وكأنهم أدوات لخدمته، لا شركاء له في الحياة. إن أول خطوة لعلاج هذا الخلل تبدأ من تفكيك ”الأنا المتضخمة“، تلك التي توهم الإنسان بأنه أحق من غيره بالاحترام والامتياز، وكأن له في هذا العالم وضعًا خاصًا لا يُقارن بغيره. علاج هذه الأنا هو في الحقيقة السبيل لإحياء الضمير، وتفعيل أثره في توجيه السلوك نحو التوازن والرحمة. ينبغي أن يُرشد هذا الإنسان إلى أن الحياة ليست حكرًا على أحد، وأن الاحترام لا يُطلب فقط، بل يُمنح أيضًا. كما يجب أن يدرك أننا لم نختر أن نكون شركاء على هذا الكوكب، ولكننا مطالبون بأن نتعلم كيف نحيا فيه سويًا، لا من أجل أن نتقاسم السعادة فحسب، بل لنصنعها معًا.

في اعتقادي، أنَّ تنقية الوجدان وإيقاظ حسّه تبدأ أولًا من علاج الأنانية المتجذّرة في الذات. فالأنانية لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل قد تصيب جماعات بأكملها، بل حتى أديانًا حين تُختزل في التعصب، ودولًا حين تُدار بمنطق التسلط لا الشراكة. هذه الأنانية، بصورها المتعددة، تمثل أرضًا خصبةً للاضطرابات النفسية والسلوكية، وتُنتج إنسانًا مضطربًا، متعاليًا، فاقدًا للتوازن الداخلي. إن بناء الإنسان على بصيرة، وترسيخ وعيه بحقيقة نفسه، هو الطريق الوحيد ليغدو إنسانًا صالحًا، مطمئنًا، منسجمًا مع ذاته ومع من حوله. فمن لم يهزم أنانيته، هزمته، وساقت روحه ومجتمعه إلى حافة الهاوية، حيث لا فضيلة، ولا إنسان.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
أحمد ميرزا
[ سيهات ]: 3 / 7 / 2025م - 4:48 م
المقال يحتاج يقرأ مرتين: مرة للفهم ومرة للمراجعة الذاتية.

شكرا استاذ سراج
2
نور باقر
[ العوامية ]: 3 / 7 / 2025م - 6:01 م
أنا طالبة علم نفس وشفت كيف المقال يشرح اضطرابات الأنا بشكل مبسط وعميق. طريقة الربط بين الأنا والضمير راقية جدا. يعطيك العافية يا أستاذ سراج.
3
حسن آل سيف
3 / 7 / 2025م - 9:09 م
مقال ماتع، تمنيت لو تطرقت لمسؤولية المجتمع في تغذية هذه الأنا المريضة، مثل دور الإعلام أو التربية العائلية.