آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

الزواج.. حين تُصبح الكلمة ميثاقًا والعلاقة عبادة

عبد الله أحمد آل نوح *

﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: آية 229].

آية عابرة لمن لا يعيش عمقها، لكنها كانت بوابة تأمل لي في الليلة السادسة من محرم، حين استمعنا إلى سماحة الشيخ فوزي آل سيف «حفظه الله» وهو يفتح لنا أبواب العلاقة الزوجية، لا كنظام قانوني، بل كرحلة روحية تبدأ بكلمة… وقد تنتهي أيضًا بكلمة، لكن بينهما عالمٌ من المودة، والاختبار، والرحمة.

في تلك الليلة، لم أعد أرى الزواج مجرد عقد يربط بين رجل وامرأة، بل رأيته كما عرضه الشيخ: ميثاق مقدّس، كلمة تُنطق على الأرض، لكنها تُشهد السماء، وتربط مصيرين تحت سقف أمانة. إنها الكلمة التي تبني بيتًا، لا جدارًا فقط، بل بناءً يُقام على أساس النية، ويُحمى بسياج الإيمان.

كان لافتًا حديث الشيخ عن سهولة الزواج في الإسلام: لا حاجة فيه لتكاليف باهظة، ولا مراسم تُرهق العروسين، بل ما يكفي هو القبول، والشهادة، ورضا الله. شعرت حينها كم هو الإسلام رحيم، كيف لا يجعل بناء الأسرة رفاهية، بل يجعلها عبادة. ومَن تزوّج - كما قال رسول الله ﷺ - ”فقد أحرز نصف دينه“، فليتقِ الله في النصف الآخر.

لكن الحياة لا تمضي دومًا كما نرجو، وقد تنقلب النية الطيبة إلى ضيق، وقد ينكسر الودّ، وقد لا تُشفى الفجوات. وهنا، لا يغلق الإسلام الباب، بل يفتحه… لكن بحذر. فالطلاق، كما شرحه الشيخ، ليس قرارًا سريعًا، ولا ردّ فعل. بل هو مسار شرّعه الإسلام بشروط دقيقة تحفظ للمرأة كرامتها، وللرجل إنسانيته، وللبيت ذكراه. لا طلاق في لحظة غضب، ولا في وقت شهوة، ولا من دون شهود… لأن هذا القرار لا يهدم علاقة فقط، بل يهدم تاريخًا مشتركًا، وربما مستقبلًا لأطفالٍ أبرياء.

ولأن الإنسان ليس نسخة واحدة، فإن الإسلام أدرك أن المرأة قد تعيش ألمًا لا يُحتمل، أو نفورًا لا يُطاق. هنا جاء ”الخلع“، لا كمهرب، بل كخيار إنساني، يسمح لها أن ترد ما أُعطي لها، وتخرج بكرامتها، لا بخصومة. في زمنٍ تحوّلت فيه العلاقات الزوجية إلى حروب نفسية، بدا لي هذا التشريع كمرسى نجاة، يُعيد للتوازن مكانه، وللكرامة حقّها.

ثم تذكّر الشيخ قصةً من كربلاء، كانت بالنسبة لي المفاجأة الأجمل: زوجة حبيب بن مظاهر الأسدي … لم تكن خلف زوجها، بل كانت معه. لم تدفعه فقط للذهاب، بل أيقظت فيه الحسين، والإيمان، والموقف. هناك، فهمت أن الشراكة الزوجية ليست في إنجاب الأبناء فقط، بل في إنجاب القيم، والقرارات، والمواقف.

خرجت من المجلس وأنا أحمل قناعة واحدة: أن الكلمة التي تبدأ بها العلاقة، هي الكلمة التي يجب أن نحفظها بكل ما أوتينا من إيمان. الزواج ليس سجنًا، وليس صفقة، بل عبادة تُختبر كل يوم. وأن المرأة ليست ظلًا، بل نورًا يسير إلى جانبك، يحمل عنك، ويحملك… في السراء والضراء.

الحسين ، لم يورّثنا دمًا فقط، بل أورثنا صورة المجتمع الذي يريد… مجتمعًا فيه الزوج رفيق، والزوجة شريكة، والأسرة نواة صالحة لحياةٍ كلها كربلاء… وفاء، وصدق، وتضحية.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
علي حسن
[ القديح ]: 4 / 7 / 2025م - 11:26 ص
مقال يبرز عمق العلاقة الزوجية كعبادة.

اشوف أن الربط بين الزواج والروحانية هو ما يحتاجه المجتمع اليوم.. فعلا الزواج ليس مجرد عقد بل ميثاق مقدس
2
حبيب علي
[ سنابس ]: 4 / 7 / 2025م - 3:26 م
جميل تناول الكاتب موضوع الطلاق كمسار شرعي وليس كقرار عشوائي. .. هذا الفهم العميق يجعلنا نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع العلاقات.

بارك الله فيك استاذ عبد الله.
عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال