آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

لماذا ينبغي على المهاتما غاندي أن يتذكر الحسين؟

أثير السادة *

كما في كل عام، يتداول المنشغلون بإحياء ذكرى عاشوراء عبارات وتعليقات من مشاهير الثقافة والسياسة والتاريخ يمتدحون فيها الإمام الحسين وموقفه في كربلاء، باعتباره نوع من التأكيد على قيمة الإمام وامتداد تأثيره لآفاق عالمية واسعة، ومنها العبارة الشهيرة التي تنسب للمهاتما غاندي. هذا التدوير الدائم لها خلال سنوات طويلة، كان كافيا بالأمس لأن يجعلها خارج دائرة الشك، والتدقيق، فهي بعد كل هذا الوقت باتت من المشهورات، وكل شك فيها قد يصاحبه شكوك بسلامة النوايا التي يحملها الباحث والمدقق، تماما كما هو الجاري في باقي تفاصيل الواقعة وظروفها، وما تولد عنها من مرويات، واعتقادات، وسلوكيات تحت عنوان الإحياء لسيرة سيد الشهداء.

المتعلقون بهذه العبارات، وبعضها لا أصل له، مدفوعون غالبا بهذا الشعور الطاغي بأن الموقف الحسيني تجاوز الآفاق وترك بصماته على مختلف الطوائف والأديان، وعبر الحدود والبلدان، خلال القرون الطويلة التي مرت، ينظرون لواقعة كربلاء كفاجعة كبرى وحدث كبير غير وجه العالم وليس العالم الإسلامي الذي ماج في خضم صراعات وثورات لم تهدأ بعد الواقعة، هو يمثل ترجمانا لما يرونه عالمية النهضة الحسينية، وتأكيدا على واحد من أسرار بقائها متقدة رغم تقادم السنين، يعاد استذكارها باحتفالات دينية حزينة ومهيبة مطلع كل عام، كما يعاد كتابة تاريخها على الورق وعلى الأرض، في شكل كتب ودراسات جديدة، وفي شكل جماعات وأحزاب تعلن استلهامها فكرة الإصلاح والثورة كما قدمتها النهضة الحسينية.

وبمثل ما تبدو مهمة التدوير لتلك العبارات سهلة في عالم اليوم، على طريقة أنشر تؤجر، تبدو مهمة الفحص والتدقيق كذلك هي الأخرى، مع توافر الكثير من المصادر عبر الوسائط والمواقع، وصعود موجة الذكاء الصناعي التي تقدم نفسها كخزانة لعلم الأولين والآخرين، كل المعلومات قابلة بذلك للفحص وهو ما يرفع من شهية المتخاصمين في هوامش الموسم، من دعاة للتجديد والتقنين، ودعاة لصيانة الشعائر وتوسيعها، الأمر الذي يرجح اتساع ملعب التنازع في مقاربة المناسبة، وتقييم محتوياتها وطرق إحيائها، وبالتالي التنازع على مقاييس الصورة الرمزية للشهيد البطل.

المفارقة هو أن الأوساط الحريصة على زخرفة تلك العبارات والاقتباسات، كروافع ثقافية وحضارية للحدث الكربلائي، نجدها غالبا ما تدفع بسلوكها وأقوالها ولغة خطابها إلى تقييد فكرة ”العالمية“ المقترحة لصورة الحسين/كربلاء، هنالك ما يشبه لعبة الاستحواذ تمارسها المجموعات وهي تعيد تأطير المناسبة بإطار الجماعة والطائفة، وتذهب بعيدا في تشديدها على التعابير الأكثر اختزالا للحدث في زواياه التنكبية والتفجعية، بمعنى انصرافها عن الجوهر المشترك الذي يرفع الحدث من حدوده الدرامية إلى مراقيه الإنسانية والحضارية.

هذه الكثافة من البث اليومي لمشاهد الإحياء في مختلف البلدان، بكل ألوانها وأشكال استحضارها للواقعة، لا تعتنى غالبا بتلك الرغبة الضمنية للإمساك بعالمية الحدث، فهي مجرد خطاب موجه للذات، ومنذور لتذكير العالم بالتفاف طائفة بعينها حول الإمام في حصار السيوف، منذ كربلاء وحتى اليوم، هي في أفضل الأحوال تحصين للجماعة وتسخين للمشترك الذي بينها.

القلق الذي يساور البعض من انكشاف المشهد العاشورائي بكل ما فيه، باعثه هذا التراخي في نقل كل شيء، النقل الذي أصبح يضخم صورا على حساب صور أخرى، ويعيد تأثيث المشهد العاشورائي على طريقته، فمع شهوة النقل بات التنافس على الوصول لكل العالم، وليس إيصال رسالة الحسين لكل العالم كما كان هو الفرض الأساس، الوصول الذي يذكرنا بحاجة المناسبة إلى المزيد من الغربلة، فما كان مجرد طقس عفوي يجري في زوايا قصية بعيدة عن الأنظار، أصبح اليوم أمام الشاشات يكبر كحدث استعراضي مفتوح على شهية الأسئلة عن معناه وقيمته، وربما أصله وحقيقته.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
عبدالجليل
3 / 7 / 2025م - 4:49 م
مقال مثقل بالتأمل يعري زيف “التدوير الدعائي” لعبارة غاندي ويكشف الحاجة إلى الصدق في تظهير الحسين عالميا. الفكرة أن الحسين لا يحتاج زخرفة بل صدقا في نقل جوهره.

أجدت أبو علي
2
أحمد العوامي
[ العوامية ]: 3 / 7 / 2025م - 8:59 م
الطرح ذكي خصوصا في تفكيك لعبة “استحواذ الجماعة”. تحويل كربلاء من حدث إنساني إلى طقس طائفي ضيق هو أكبر خيانة لرسالة الحسين.