آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

نوستالجيا كربلاء

سهام طاهر البوشاجع *

الحنين، واللذة، والشوق، والحزن، والألم، كلها معانٍ تترافق مع ذكر كربلاء، تلك المدينة التي تقع هناك في قلب كل من يحمل في قلبه نوستالجيا لما حدث على أرضها، وفي اليوم العاشر من شهر محرّم لعام 61 هـ بالذات.

النوستالجيا، ذلك الحنين للحظات التي مضت وتحمل في طياتها حزنًا على ما فات، هو حزن لذيذ، فيه دفء الذكريات، وامتنان لما عشناه، غير أنه غير قابل للتكرار.

وماذا في كربلاء نريد أن يحمل لنا من دفء حزين، وألم لذيذ، وحنين غير قابل للتكرار؟

نستقبل في مستهل كل عام هجري شهرَ محرّم الحرام بتلك المشاعر النوستالجية، التي تعبّر عن حال كل شيعي ينتظر ذكرى معركة الطف، التي تفصّلت أحداثها في ظهيرة اليوم العاشر منه.

المشهد مصوَّر في أعين الكبير والصغير، نساءً ورجالاً، آباءً وأمهات، أجدادٍ وجدّات، وشبابٍ متطلعٍ يريد أن يعرف أكثر عن تلك المشاعر، ولماذا هي متأصلة في قلوب الناس وبهذه القوة.

هل يقترن الحزن باللذة؟

فمن باب المعنى الظاهر، الحزن ألم، واللذة فيها سعادة، الحزن يشعرنا بالانكسار، واللذة تشعرنا بالمتعة، فكيف يقترنان معًا؟

قد يقترن الحزن باللذة في كثير من المشاهد والتصوّرات الجمالية.

كثير من الناس يجدون لذة في الاستماع إلى الموسيقى الحزينة، أو قراءة روايات مليئة بالفقد أو الشجن.

هذه اللذة لا تنبع من الألم بحد ذاته، بل من عمق الشعور وصدق التجربة.

الحزن هنا يصبح طريقًا لتأمل الذات واختبار إنسانيتنا، وهذا ما يسمى في علم النفس بـ ”الأسى الجميل“.

وأحيانًا لا نشعر بلذّة الفرح إلا بعد مرورنا بحزن.

فمثلًا، عندما تتحقق أمنية بعد طول صبر ومعاناة، يكون الفرح ممتزجًا بلذّة خاصة، ناتجة من مقارنة شعورية بين حالتين متضادتين.

وكذلك، فإن الحزن الناتج عن فقد أو تضحية من أجل من نحب، قد يترافق مع شعور بالرضا أو بالمعنى، وهو نوع من اللذة الأخلاقية أو الروحية.

وتصوّرنا لما جرى في كربلاء، وما ضحّى به ومن أجله الحسين بن علي ، سبط رسول الله وابن بضعته فاطمة الزهراء عليهما السلام، ضد طغيان وجبروت وظلم سلطات بني أمية، يشعرنا بالحزن، ولكنه يرضينا ويلامس شيئًا في قلوبنا يشعرنا بالسكينة، فلا أصدق من مشاعر الأمان بين يدي من يشعرك بالعزّة والنصر والفخر.

وهذا ما حققته لنا نتائج معركة الطف.

ولولا خسائر الأرواح فيها، لكان نصرًا عظيمًا، وهو كذلك رغم تلك الخسائر.

وربما أضحت تلك الأرواح التي فارقتنا هي القربان الذي لولاه لما عشنا الحنين لتذكر تلك اللحظات.

فالفقد مصيبة حزينة، ولكن حين يتشكّل الفقد في صورة عزة وكرامة، يصبح ألمًا لذيذًا، وحنينًا نتوق إليه كل عام، يشحذ في أنفسنا الكثير من الإيجابيات، والطاقات التي نحتاجها ذخيرةً نتسلّح بها، وإيمانًا نُعمّق به شعورنا وذواتنا، وحفظًا لمشاعر قلوبنا وإنسانيتنا عامًا بعد عام.

ما قدّمه الحسين وأهل بيته الطاهرون من تجليات لمعانٍ كثيرة، جعل من معايير الحياة الكريمة راقيةً صعبة المنال، لا ترتقيها الأنفس إلا بمشقّة من البحث والاطمئنان والإيمان.

نحن نرتجي في كل شهر محرّم من كل عام، وفي أيام عشرة قليلة منه، أن نصل إلى الحنين الذي يقود بأرواحنا وأنفسنا نحو السكينة وندعو الله تعالى بتلك الطمأنينة والسكينة والرضا التي كانت تحفّ الحسين حين كان يفقد أبناءه وإخوته واحدًا تلو الآخر، وتلك السكينة والرضا التي كانت تتوج قلبه الشريف وقت مقتله تحت حدّ السيف وحوافر الخيول؛ أن يجعل قلوبنا وأرواحنا مؤمنةً بهم، مطمئنة، راضية، ذات عروجٍ إلهي في كل مسيرةٍ من مسيرات حياتها، سالكة دربهم، مستضيئةً بنورهم، لا تضل ولا تزيغ، حتى نُبعث معهم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
عبدالله زهير
[ الجش ]: 2 / 7 / 2025م - 4:13 م
مقال يلامس الوجدان بلغة وجدانية رفيعة تستحضر كربلاء لا كحدث تاريخي فقط بل كحالة شعورية متجددة في عمق الذات
2
سلمان آل سيف
2 / 7 / 2025م - 6:08 م
من أرقى ما قرأت عن عاشوراء. المقال يبتعد عن المألوف في الطرح الحسيني ويرتقي بمستوى الفهم النفسي والروحي. لفتني كيف ربطت الحزن بالسكينة وهذه علاقة قل من يفهمها دون الوقوع في التناقض.
3
أحمد مهدي
2 / 7 / 2025م - 9:54 م
تمنيت لو تم التطرق إلى كيف تختلف هذه “النوستالجيا” من جيل إلى جيل؟ يعني إحنا جيل الشباب نعيش عاشوراء بطريقتنا ويمكن غير عن أهالينا. كان بيكون ثري أكثر لو تم تناول هالزاوية.
كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز