آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

صبرٌ فوق الصبر... حين صار البلاء طريقًا إلى الجنّة

رضي منصور العسيف *

كنا قد ودّعنا حديث الإمام الحسين في خطبته التي خنقها السهم، وتابعنا كيف ارتجفت القلوب واهتزت الخيام من قوة الكلمة، لكن قاسم، كعادته، كان يحمل في قلبه ما هو أعمق...

نظر إليّ، وعيناه فيهما حزنٌ مضمّخ بنور، وقال:

- من بين كل ما قاله الحسين ... تبقى كلمته عن الصبر من أعظم ما يُروى.

سألته بصوتٍ خافت:

- وماذا قال، يا قاسم؟ حدثني… فقد تعبت روحي، وقلبي يبحث عن نور.

قال قاسم وعيناه تمتلئان بالدموع:

- قال الإمام الحسين :

”نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين.“

ثم أكمل بصوتٍ فيه شيء من الانبهار والوجل:

- صبرُ الحسين… لا يُشبهه صبر.

هو الصبر الذي عجبت له ملائكة السماوات، الصبر الذي لا يعني الضعف، ولا الخنوع، بل يعني الثبات… الوعي… التخطيط… هو وقوفٌ في قلب العاصفة، دون أن تنحني الجباه.

قلت:

- وهل كان صبره صمتًا؟!

هزّ قاسم رأسه وقال:

- لا، بل كان نهوضًا.

كلما اشتد البلاء، اشتد الحسين صبرًا.

كلما جاع الأطفال، وظمئت القلوب، زاد يقينه، وارتفع صوته في الدعاء:

”صبراً على قضائك، يا رب، لا إله سواك...“

ثم أردف بحسرة:

- العدو كان يظن أن العطش سيكسر الحسين وأصحابه، لكنهم قابلوا العطش بالصبر، والنار بالإيمان، والسهم بالدعاء، فانتصر الصبر على السيف.

ثم حدّثني عن تلك اللحظات الخالدة، حين وقف الإمام بين أصحابه، وجعل من كلماته سلاحًا وشعلة:

”صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم من البؤس إلى الجنان، ومن سجن الدنيا إلى قصر الخلود...“

تنهد قاسم، ومسح دمعته، ثم قال:

- أيّ قائدٍ هذا الذي يجعل من الموت أملاً؟

من السهام جسورًا؟

من الشهادة حياة؟

قلت له وأنا أغالب دمعتي:

- وهل كانوا يهابون الموت؟

قال:

- أبداً... كانوا يعلمون أن الله قد أذن بقتلهم، وكان الإمام يقول لهم:

”فعليكم بالصبر...“

فكانوا يقاتلون لا بأجسادهم فقط، بل بأرواحٍ مطمئنة، كأنهم يرون الجنة قبل أن تطأها أقدامهم.

ثم رفع قاسم بصره إلى السماء، وتلا قول الله تعالى:

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

وقال:

- نعم، بالصبر تُفتح أبواب النصر، وبالصبر تُروى الأرض بدماء الخالدين، وبالصبر تبقى كربلاء… لا تنطفئ، ولا تُنسى.

همست مع نفسي:

سلامٌ على الحسين... وسلامٌ على الصابرين معه،

وسلامٌ على كل دمعةٍ سقطت لا يأسًا، بل شوقًا للقاء الله.


مقتبس من كتاب كن حسينيا.. دمعة ووعي، رضي منصور العسيف
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
زهير آل نصر
[ سيهات ]: 2 / 7 / 2025م - 4:17 م
ما أجمل أن يحكى عن الصبر بلغة تجمع بين العاطفة والعمق! سردك استاذ رضي جاء كأنه مجلس حسيني حي. عبارة “كلما اشتد البلاء اشتد الحسين صبرا” اختصرت المشهد
2
جاسم البدر
2 / 7 / 2025م - 5:22 م
المقال ليس فقط تأملا في صبر الحسين بل دعوة لفهم الصبر كقوة تغيير.. شكرا استاذ رضي
3
عبدالرحيم الزاهر
2 / 7 / 2025م - 10:58 م
أتمنى لو الكاتب يطور هذه المقالات في كتاب عن مفاهيم عاشورائية بلغة وجدانية معاصرة..
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف