آخر تحديث: 6 / 7 / 2025م - 11:28 ص

على خُطى الهاوية

عماد آل عبيدان

كان «عادل» شابًا في مقتبل العمر، ذا قلبٍ طريٍّ لم تشتد عليه قساوة الأيام بعد. يحبّ الضحك، ويحبّ الله، لكنّه لم يكن يعرف كم يحتاج الحُبّ وحدهُ إلى عقلٍ يحرسه، وإرادةٍ تروّضه.

بدأت قصّته مع ”الخطوة الأولى“.

لا، لم يبدأ فجأة يسبّ الدين أو يكره الصلاة، ولم يكن ممّن يُجاهرون بالمعصية، ولم يصاحِب الشيطان دفعةً واحدة… بل جاءه الأخيرُ كما يأتي للصادقين، من طريق الطيبين، من بابٍ يُسمّى: ”ما فيها شي، مرّة وحدة بس!“

كان يعمل في إحدى الشركات التي تُراعي أوقات الصلاة… حتى تغيّر المدير. فجأةً أصبح وقت الصلاة ”مرنًا“، ويمكن تأجيله. جاءه أول همس:

- ”خلص شغلك أول، وبعدين صَلّ براحتك، الله ما يرضى بالكسل.“

اقتنع، صلّى متأخِّرًا… مرّة.

ثم مرّتان.

ثم أصبح يتوضّأ على عجَل.

ثم يصلّي بلا خُشوع.

ثم… لم يعد يصلّي في العمل.

قال له أحدهم يومًا:

- ”ليش ما تصلّي ويانا؟“

ضحك عادل وقال بنبرة مازحة:

- ”أصلّي بقلبي!“

وكانت تلك أولى ”خطوات الانحدار“ الموقّعة بخط الشيطان.

في القرآن الكريم، اللهُ جلّ وعلا لم يقل: ”ولا تتّبعوا الشيطان.“

بل قال:

”ولا تتّبعوا خُطُوَات الشيطان“

وكأنّ الشرّ لا يأتي دفعةً واحدة، بل يُوزَّع على دفعات، ويُغلف في عُلَب جميلة، على هيئة:

”عادي.“

”ما يضر.“

”كل الناس كذا.“

”الله غفور رحيم.“

حتى تصحو ذات يوم، فتجد نفسك لا تشبه نفسك.

عادلُ اليوم مختلف.

لم يعد ينام بقلبٍ هادئ. يضحك كثيرًا، لكنّ قلبهُ صاخب. يمسك جوّاله خمسين مرة، لكنّه يهرب من نفسه مئة. لا يذكر آخر مرة صلى فيها من قلبه… ولا يذكر كيف أصبح هكذا.

كلّ ما يذكرهُ ”أنّها بدأت من هناك… خطوة صغيرة واحدة.“

الخطوات، يا صديقي، ليست حكراً على الشر.

فكما يُغويك الشيطان بخطوة خطوة، يبنيك الرحمنُ أيضًا خطوة خطوة.

• مشروعك؟ يبدأ بفكرة صغيرة.

• إيمانك؟ يبدأ بدمعة.

• نجاحك؟ يبدأ بجرأة.

• صلاتك؟ تبدأ بصدق قيامك لأوّل ركعة.

لا أحد يخرج من المسجد فيصبح ملاكًا، ولا أحد يقع في المعصية فيصير شيطانًا.

لكنّ كلّ واحدٍ منا، كلّ يوم، يتقدّم خطوة نحو أحد الطريقين: النور… أو الظلمة.

اختر خطواتك.

في إحدى ليالي الجمعة، عاد عادل إلى البيت متأخرًا. قلبهُ مُنهك، وعيناهُ متعبتان، لكنّ شيئًا بداخله كان يصرخ بصمت: ”ارجع!“

لا يعلم لماذا، ولا كيف، لكنّه توضّأ… ثم قام يُصلّي.

بكى كثيرًا.

ولم تكن تلك ركعة، بل كانت خطوة العودة.

أحيانًا، الحياة كلّها تكون في ”خطوة واحدة“.

خطوة نحو الذنب، تنزع عنك نورَ قلبك.

وخطوة نحو التوبة، تعيد لك كلّ ما افتقدت.

لا تستهنْ بشيء.

لا تُؤجّل الصلاة.

ولا تستهِن بهمسةٍ تُؤجّلك عن الخير.

لأنّ الشيطان لا يقول لك: ”اكفر.“

بل يقول لك:

”لا بأس… مرّة واحدة فقط.“

ثم يمشي خلفك، خطوَةً… خطوة… حتى تسقط.

الناجحون في الدنيا والآخرة، هم الذين وعَوا هذا القانون:

”لا أحد يُولد على القمة، ولا أحد ينهار فجأة… كلّ شيء يبدأ بخطوة.“

فإن أردت الوصول، فابدأ اليوم…

ولو بخطوة واحدة فقط.

ولا تمشِ خلف مَن لا يُبصِر الطريق، مهما بدا لك أنّه يعرف shortcuts.

فما أكثر الذين ضلّوا الطريق… وهم يركضون إليه.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
محمد يوسف آل مال الله
[ عنك ]: 2 / 7 / 2025م - 12:55 م
رائع جدًا، فالأسلوب القصصي يجلب القارئ إلى المتابعة ويثير دفائن عقله ليعرف النهاية ويستفيد من مضمون القصة.
2
سلمان عبد الله آل هلال
2 / 7 / 2025م - 1:06 م
هالكلام لا هو وعظي ثقيل ولا تنظير مثالي… بل هو حكاية عميقة تشرح كيف الإنسان يضيع من غير ما يحس. قوي جدا.
3
فاطمة آل مبارك
[ الأوجام ]: 2 / 7 / 2025م - 2:21 م
العبارة اللي تقول “لا أحد ينهار فجأة” تختصر كل فلسفة الوقوع البشري. شكرا أستاذ عماد ..نص عميق بحروف بسيطة.